ابن حبك لله على أسس سليمة

ابن حبك لله على أسس سليمة | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

1727 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ذكرنا في المحطة السابقة أن (الحبشرطي) يشرط محبته لله عز وجل باستمرار النعم الدنيوية
 

أسس الحبشرطي لمحبة الله

إذن؛ هو يؤسس هذا البيت -يعني محبة الله- يؤسسه على أسس.. هذه الأسس هي: المال، الصحة، الحرية، الاستقرار الأسري، المكانة الاجتماعية.
 
لكن، لاحظ معي:
هذه الأسس الدنيوية جميعها.. أليست قابلة للزوال؟
أليس هذا الحبشرطي مهددًا في أي لحظة:
بالفقر = زوال المال
بالمرض = زوال الصحة
بالحبس = زوال الحرية
بالمشاكل = زوال الاستقرار
 
ماذا سيحصل حينئذ إذا ابتلي بفقد أحد هذه الأسس؟
سوف يميل البيت ويسقط وينهار، سوف تنهار محبة الله المشروطة في قلب هذا العبد الحبشرطي! لأنه أسسها على أسس قابلة للزوال في أية لحظة
 

كيف نميز محبتها لله عز وجل؟

إذن؛ كيف أعرف إن كانت محبتي لله عز وجل مهددة بالزوال في أية لحظة؟
كيف أعرف إن كنت قد أسستها على أسس دنيوية؟

حقيقة، البلاء يساعدك في ذلك جدًا، وهذا من نعم الله عليك في البلاء.
 
عندما تُبتلى وتدعو الله عز وجل وتطلب منه أن يرفع عنك البلاء ويعيد لك النعم، قد يقدر الله عليك أن يستمر بلاؤك ويطول ويشتد، وحينئذ سوف تعرف إن كان حبك لله مشروطًا لهذه المصالح الدنيوية.
 
واجهت محنة حُرمت فيها فجأة من: حريتي، أهلي، أولادي، أصدقائي، مالي، وظيفتي.. فجأة!
 
ثم دعوت الله لكنه قدر أنه يستمر بلائي أطول مما ظننت. هذا وضعني حقيقة أمام السؤال المهم:
 
الآن، وبعد حرماني من هذه الأشياء، هل ما زلت أحب الله عز وجل؟
هذا السؤال ساعدني في تشخيص مقدار الحبشرطية في نفسي؛ لأعيد بناء محبة الله على الأسس السليمة الصحيحة.
 
أسألك بالله: هل أنت مستعد أن تشتري بيتًا لتسكنه إذا علمت أن هذا البيت مرتكز على أسس واهية قابلة للانهيار والزوال في أية لحظة؟! فما ظنك بمحبة الله عز وجل التي من أجلها نعيش، بل من أجلها خلقنا؟
 
فربنا خلقنا لنعبده، والعبادة محبة وتعظيم وطاعة. فهل أنت مستعد أن تغامر بمحبة الله عز وجل، وتبنيها على أسس قابلة للزوال في أية لحظة؟
إذًا، لا بد لك أن تبني محبة الله في قلبك على أسس صحيحة..
 

الأسس الصحيحة لمحبة الله عز وجل

ترى ما هي هذه الأسس؟
 
كثيرة.. منها:
 
1- اليقين باستحقاق الله سبحانه للعبادة لذاته العظيمة، والتفكر في أسماء الله وصفاته وتأمل آثارها في الواقع، وهذا هو الأساس الأعظم في بناء المحبة لله
 
2- تعلق القلب بالآخرة ونعيمها
 
3- العرفان لله بنعمة الهداية
 
4- الامتنان لله بما أنعم عليك في الماضي بغض النظر عن الحاضر والمستقبل
 
5- استحضار أن نعم الله عليك لا تُعد ولا تُحصى مهما نزل بك من بلاء ومصيبة ومهما فقدت، فلا زلت مغمورًا في فضله لكنك ألفت نعمه التي أنت فيها الآن حتى لم تعد تحس بها
 
6- تأمل محطات رحمة الله بك، صرفه للشرور عنك، تهيئة أسباب هدايتك، ستره عليك، إحاطته إياك بأناس يحبونك وكل ما كان منهم من خير فمن الله.. تأمل ذلك في محطات حياتك..
-أنا عن نفسي استعرضتها تباعا في جوف بلاء، وتلوت معها سورة (والضحى)، فأحدثت لي لذة وطمأنينة وشعورًا بمعية الله لي وأنه سبحانه يريد بي خيرًا.
 
7- ما ينعم الله به عليك، إن أقبلت عليه، من أعمال القلوب مهما كانت الظروف، كالرضا والشوق إلى الله والأنس بالله وكلامه (القرآن)
 
إذًا، هذه أشياء ثابتة لا تزول: أسماء الله وصفاته، الآخرة المرتقبة، نعم الماضي، حقيقة أنك ستبقى مغمورًا في نعم الله مهما أخذ منك.. هذه الأشياء لا تتغير، ليست مهددة بالزوال، تبنى عليها محبتك لله وأنت واثق مطمئن.
 
أما ما يستجد لك -في الحاضر والمستقبل- من نعم جديدة ورفع بلاء؛ فهذه كلها تزيد محبتك لله عز وجل، ولكنها ليست شرطًا في وجود هذه المحبة.
 

المؤلفة قلوبهم

قد يقال: لكن الله عز وجل شرع تألف قلوب الناس بإعطائهم شيئًا من نعيم الدنيا، فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي قسمًا كبيرًا من الغنائم للمؤلفة قلوبهم، لكفار يريد رسول الله أن يستميلهم للإسلام، بل إن مصرفًا من مصارف الزكاة هو (المؤلفة قلوبهم)؟
 
صحيح.. لكن هذا التألف لقلوب الناس بنعيم دنيوي هو مرحلي مؤقت؛ حتى ينهار الحاجز النفسي بين قلب الغافل والإسلام، حتى تُزال الغشاوة عن بصره ليرى حقيقة الدين فتخالط بشاشة الإيمان قلبه، فلا يعود يأبه -من ثم- أُعطي أو مُنع.
 
في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أنس قال "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها"
 
"إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا": يعني حبشرطي صرف! وإنما يظهر الإسلام لإرادته الدنيا..
 
"فما يسلم": يعني فما يلبث بعد إسلامه إلا قليلا حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان ويتمكن من قلبه فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا.
 
إذن؛ تحول حبه لله إلى حب حقيقي مبني على أسس سليمة.
أما أن يعيش الإنسان حياته كلها عيشة المؤلفة قلوبهم فهذا وضع خطير غير مقبول! لأن محبته لله مهددة بالزوال في أية لحظة.
 
عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد طوائف من الناس، فما الذي حصل؟
المؤلفة قلوبهم من أهل مكة الذين تألفهم رسول الله، لكنهم بعد ذلك بنوا محبتهم لله على أسس صحيحة، كانوا هم أسود الإسلام الذين نافحوا عنه أيام الردة، وبذلوا في ذلك أرواحهم ودماءهم وأموالهم.
 
بينما ارتد من بقي (حبشرطيًا) متعلقًا بالدنيا عندما تعرض لفتنة وفاة النبي وتمرد الزعماء.
إن استقرار هذا المفهوم في نفوسنا -محبة الله غير المشروط- يمنحنا فهمًا أعمق لكثير من حقائق ديننا.
 

أحب الأعمال إلى الله

فمثلًا: عندما نقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"
 
قد يكون من أسباب ذلك:
أن الطاعة الكثيرة المتقطعة كثيرًا ما تكون مدافعة لبلاء حل أو ابتهاجا مؤقتًا بنعمة جديدة، خاصة إذا تبعها فتور شديد في الطاعة.
 
أما العمل المستمر من الطاعات ما يكون نابعًا من حب مستقر في القلب لا يتأثر بالحوادث السارة أو الحزينة.
 

خاتمة

إذا، أخي وأختي:
إذا وجدت في نفسك هذا الداء الخطير (شرطية محبة الله)، فعليك أن تعترف به وتسعى لعلاجه؛ فهو أخطر من أية مصيبة دنيوية؛ ﻷنه مصيبة في الدين، وخلل فيما نعيش من أجله.
 
خلاصة هذه المحطة:
 

تخلص من مرض (الحبشرطية)
وابن حبك لله على أسس سليمة لا تزول بالمتغيرات

 


 

المصدر:

د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص24

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي #حسن-الظن-بالله
اقرأ أيضا
العلاج بالطاقة جاهلية جديدة | مرابط
فكر

العلاج بالطاقة جاهلية جديدة


حاول جهال عصرنا التلبيس على الناس وإضفاء صفات شرعية على العلاج بالطاقة من خلال إطلاق مصطلحات إسلامية مثل: نور الله والبركة حتى جعلوا هذه الطقوس الوثنية لتساعد الناس -زعما- في حفظ القرآن من خلال التنفس العميق وهو عقيدة هندوسية معرفة تقوم على إدخال البرانا إلى داخل الجسم الباطن للتناغم مع الطاقة الكونية.

بقلم: قاسم اكحيلات
439
زهد أبي هريرة رضي الله عنه | مرابط
مقالات

زهد أبي هريرة رضي الله عنه


حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا كثير حدثنا جعفر حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ثم قال: وقليل ما هم قال يزيد: إن لم أكن سمعته من أبي هريرة وأشار بإصبعيه إلى أذنيه وإلا فصمتا

بقلم: أحمد بن حنبل
979
الأمة الوسط الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الأمة الوسط الجزء الثاني


من المتفق عليه أن الخصيصة الأولى والمقوم الأساسي للأمة الوسط هو كونها أمة ربانية وهذه الخصيصة خاصة بهذه الأمة لا تشاركها فيها الأمم الأخرى فالأمة الإسلامية أمة ربانية في عقيدتها وتصورها وتشريعها وأخلاقها وقيمها لأن هذا كله منزل من عند الله تبارك وتعالى

بقلم: عمر الأشقر
845
روح العصبية الغربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

روح العصبية الغربية


لم أستطع أن أكتشف فترة في التاريخ الأوروبي أو التاريخ الأمريكي منذ العصور الوسطى ناقش أحد فيها الإسلام أو أي فكر فيه خارج إطار صاغته العاطفة المشبوبة والتعصب والمصالح السياسية وقد لا يبدو ذلك اكتشافا يدعو إلى الدهشة ولكنه يضم في ثناياه جميع ألوان المباحث العلمية والأكاديمية التي كانت منذ مطلع القرن الثامن عشر تطلق على نفسها اسما كليا هو مبحث الاستشراق أو كانت تحاول بانتظام دراسة الشرق

بقلم: إدوارد سعيد
1921
وبدأ الانحراف يسبل إزاره | مرابط
مقالات

وبدأ الانحراف يسبل إزاره


وإذا رأى متدبر القرآن -أيضا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب الأحزاب من الآية:53 وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت وقرن في بيوتكن الأحزاب من الآية:33 ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة فلا تخضعن بالقول الأحزاب من الآية:32 ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن النور من الآية:31 ونحو ذلك.

بقلم: إبراهيم السكران
525
تميز السلف بكثرة الحفظ لإخلاصهم وهمتهم العالية | مرابط
تفريغات

تميز السلف بكثرة الحفظ لإخلاصهم وهمتهم العالية


إنك عندما تنظر إلى هؤلاء الأعلام وإلى عزائمهم وتنظر إلى المتأخرين مع توفر الإمكانات وسهولة الحركة والتنقل ومع ذلك لا ترى عند هؤلاء -المتأخرين من أهل العلم- عشر معشار ما عند المتقدمين فالواحد لا يستطيع أن يحفظ مائة حديث مسند فيدخل حديثا في حديث ويدخل متنا في متن وتضطرب عليه الكلمات أما أولئك فكانوا يحفظون الألوف المؤلفة من الأسانيد وقصة البخاري المشهورة لما دخل بغداد فقلبوا عليه الأحاديث خير دليل على ذلك فالبخاري كان يحضر مجلسه مائة ألف ولم يكن في وجهه شعرة حتى كان بين المستملي والمستملي عشر...

بقلم: أبو إسحق
663