ابن حبك لله على أسس سليمة

ابن حبك لله على أسس سليمة | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

1847 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ذكرنا في المحطة السابقة أن (الحبشرطي) يشرط محبته لله عز وجل باستمرار النعم الدنيوية
 

أسس الحبشرطي لمحبة الله

إذن؛ هو يؤسس هذا البيت -يعني محبة الله- يؤسسه على أسس.. هذه الأسس هي: المال، الصحة، الحرية، الاستقرار الأسري، المكانة الاجتماعية.
 
لكن، لاحظ معي:
هذه الأسس الدنيوية جميعها.. أليست قابلة للزوال؟
أليس هذا الحبشرطي مهددًا في أي لحظة:
بالفقر = زوال المال
بالمرض = زوال الصحة
بالحبس = زوال الحرية
بالمشاكل = زوال الاستقرار
 
ماذا سيحصل حينئذ إذا ابتلي بفقد أحد هذه الأسس؟
سوف يميل البيت ويسقط وينهار، سوف تنهار محبة الله المشروطة في قلب هذا العبد الحبشرطي! لأنه أسسها على أسس قابلة للزوال في أية لحظة
 

كيف نميز محبتها لله عز وجل؟

إذن؛ كيف أعرف إن كانت محبتي لله عز وجل مهددة بالزوال في أية لحظة؟
كيف أعرف إن كنت قد أسستها على أسس دنيوية؟

حقيقة، البلاء يساعدك في ذلك جدًا، وهذا من نعم الله عليك في البلاء.
 
عندما تُبتلى وتدعو الله عز وجل وتطلب منه أن يرفع عنك البلاء ويعيد لك النعم، قد يقدر الله عليك أن يستمر بلاؤك ويطول ويشتد، وحينئذ سوف تعرف إن كان حبك لله مشروطًا لهذه المصالح الدنيوية.
 
واجهت محنة حُرمت فيها فجأة من: حريتي، أهلي، أولادي، أصدقائي، مالي، وظيفتي.. فجأة!
 
ثم دعوت الله لكنه قدر أنه يستمر بلائي أطول مما ظننت. هذا وضعني حقيقة أمام السؤال المهم:
 
الآن، وبعد حرماني من هذه الأشياء، هل ما زلت أحب الله عز وجل؟
هذا السؤال ساعدني في تشخيص مقدار الحبشرطية في نفسي؛ لأعيد بناء محبة الله على الأسس السليمة الصحيحة.
 
أسألك بالله: هل أنت مستعد أن تشتري بيتًا لتسكنه إذا علمت أن هذا البيت مرتكز على أسس واهية قابلة للانهيار والزوال في أية لحظة؟! فما ظنك بمحبة الله عز وجل التي من أجلها نعيش، بل من أجلها خلقنا؟
 
فربنا خلقنا لنعبده، والعبادة محبة وتعظيم وطاعة. فهل أنت مستعد أن تغامر بمحبة الله عز وجل، وتبنيها على أسس قابلة للزوال في أية لحظة؟
إذًا، لا بد لك أن تبني محبة الله في قلبك على أسس صحيحة..
 

الأسس الصحيحة لمحبة الله عز وجل

ترى ما هي هذه الأسس؟
 
كثيرة.. منها:
 
1- اليقين باستحقاق الله سبحانه للعبادة لذاته العظيمة، والتفكر في أسماء الله وصفاته وتأمل آثارها في الواقع، وهذا هو الأساس الأعظم في بناء المحبة لله
 
2- تعلق القلب بالآخرة ونعيمها
 
3- العرفان لله بنعمة الهداية
 
4- الامتنان لله بما أنعم عليك في الماضي بغض النظر عن الحاضر والمستقبل
 
5- استحضار أن نعم الله عليك لا تُعد ولا تُحصى مهما نزل بك من بلاء ومصيبة ومهما فقدت، فلا زلت مغمورًا في فضله لكنك ألفت نعمه التي أنت فيها الآن حتى لم تعد تحس بها
 
6- تأمل محطات رحمة الله بك، صرفه للشرور عنك، تهيئة أسباب هدايتك، ستره عليك، إحاطته إياك بأناس يحبونك وكل ما كان منهم من خير فمن الله.. تأمل ذلك في محطات حياتك..
-أنا عن نفسي استعرضتها تباعا في جوف بلاء، وتلوت معها سورة (والضحى)، فأحدثت لي لذة وطمأنينة وشعورًا بمعية الله لي وأنه سبحانه يريد بي خيرًا.
 
7- ما ينعم الله به عليك، إن أقبلت عليه، من أعمال القلوب مهما كانت الظروف، كالرضا والشوق إلى الله والأنس بالله وكلامه (القرآن)
 
إذًا، هذه أشياء ثابتة لا تزول: أسماء الله وصفاته، الآخرة المرتقبة، نعم الماضي، حقيقة أنك ستبقى مغمورًا في نعم الله مهما أخذ منك.. هذه الأشياء لا تتغير، ليست مهددة بالزوال، تبنى عليها محبتك لله وأنت واثق مطمئن.
 
أما ما يستجد لك -في الحاضر والمستقبل- من نعم جديدة ورفع بلاء؛ فهذه كلها تزيد محبتك لله عز وجل، ولكنها ليست شرطًا في وجود هذه المحبة.
 

المؤلفة قلوبهم

قد يقال: لكن الله عز وجل شرع تألف قلوب الناس بإعطائهم شيئًا من نعيم الدنيا، فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي قسمًا كبيرًا من الغنائم للمؤلفة قلوبهم، لكفار يريد رسول الله أن يستميلهم للإسلام، بل إن مصرفًا من مصارف الزكاة هو (المؤلفة قلوبهم)؟
 
صحيح.. لكن هذا التألف لقلوب الناس بنعيم دنيوي هو مرحلي مؤقت؛ حتى ينهار الحاجز النفسي بين قلب الغافل والإسلام، حتى تُزال الغشاوة عن بصره ليرى حقيقة الدين فتخالط بشاشة الإيمان قلبه، فلا يعود يأبه -من ثم- أُعطي أو مُنع.
 
في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أنس قال "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها"
 
"إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا": يعني حبشرطي صرف! وإنما يظهر الإسلام لإرادته الدنيا..
 
"فما يسلم": يعني فما يلبث بعد إسلامه إلا قليلا حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان ويتمكن من قلبه فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا.
 
إذن؛ تحول حبه لله إلى حب حقيقي مبني على أسس سليمة.
أما أن يعيش الإنسان حياته كلها عيشة المؤلفة قلوبهم فهذا وضع خطير غير مقبول! لأن محبته لله مهددة بالزوال في أية لحظة.
 
عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد طوائف من الناس، فما الذي حصل؟
المؤلفة قلوبهم من أهل مكة الذين تألفهم رسول الله، لكنهم بعد ذلك بنوا محبتهم لله على أسس صحيحة، كانوا هم أسود الإسلام الذين نافحوا عنه أيام الردة، وبذلوا في ذلك أرواحهم ودماءهم وأموالهم.
 
بينما ارتد من بقي (حبشرطيًا) متعلقًا بالدنيا عندما تعرض لفتنة وفاة النبي وتمرد الزعماء.
إن استقرار هذا المفهوم في نفوسنا -محبة الله غير المشروط- يمنحنا فهمًا أعمق لكثير من حقائق ديننا.
 

أحب الأعمال إلى الله

فمثلًا: عندما نقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"
 
قد يكون من أسباب ذلك:
أن الطاعة الكثيرة المتقطعة كثيرًا ما تكون مدافعة لبلاء حل أو ابتهاجا مؤقتًا بنعمة جديدة، خاصة إذا تبعها فتور شديد في الطاعة.
 
أما العمل المستمر من الطاعات ما يكون نابعًا من حب مستقر في القلب لا يتأثر بالحوادث السارة أو الحزينة.
 

خاتمة

إذا، أخي وأختي:
إذا وجدت في نفسك هذا الداء الخطير (شرطية محبة الله)، فعليك أن تعترف به وتسعى لعلاجه؛ فهو أخطر من أية مصيبة دنيوية؛ ﻷنه مصيبة في الدين، وخلل فيما نعيش من أجله.
 
خلاصة هذه المحطة:
 

تخلص من مرض (الحبشرطية)
وابن حبك لله على أسس سليمة لا تزول بالمتغيرات

 


 

المصدر:

د. إياد قنيبي، حسن الظن بالله، ص24

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي #حسن-الظن-بالله
اقرأ أيضا
هل منع النبي عليا من التعدد؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل منع النبي عليا من التعدد؟


النبي ﷺ لم يمنع عليا من التعدد إنما منعه من أن يعدد من امرأة معينة وفرق بين الأمرين. لذا قال النبي ﷺ: لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد فهو منع من اجتماع ابنته بابنة عدوه لا منع علي من التعدد. وبين أن اجتماعها مع ابنته سيكون فتنة لها في دينها فقد قال ﷺ: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

بقلم: قاسم اكحيلات
334
لا تجتمع البدعة مع سنة | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تجتمع البدعة مع سنة


ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثيرة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
454
شهوة الجاه | مرابط
فكر مقالات

شهوة الجاه


شهوة الجاه هي أم الشهوات ﻷن الجاه إذا تحقق حقق بقية الشهوات وجلبها جميعا وأما غير شهوة الجاه فلا يلزم إذا تحققت أن يحقق الجاه معها ولشهوة الجاه فروع كثيرة فإذا تعلقت النفس بها تحايلت على كل أسبابه التي توصل إليه بحيل تحير العقل حتى تستدعي مدحها بأساليب ذمها وربما تتحمل ما تكره ليمدحها الناس حتى ربما تقتحم الموت لتمدح بالشجاعة فتحب المدح من ورائها وهي ميتة ولو لم تسمع أصوات المادحين ولم تستمتع بآثار مدحها مع تقدير وتعظيم وإجلال

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2761
ليلة في بيت النبي الجزء الأول | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الأول


نتعلم في هذه المحاضرة معنى الدفء الذي تعاني كثير من بيوت المسلمين فقده سببه أنهم لا يترسمون خطا النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة النساء وكذلك النساء لا يترسمن خطا أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في ضرب المثل في الوفاء وفي معرفة لماذا خلقت هذه المرأة ومعرفة حدود طاعة الرجل إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أكثر من موقف بل حياته الكريمة كلها مليئة بهذا النموذج العطوف فقد كان يعامل النساء معاملة في غاية الرفق وفي غاية الرفعة وقد أوصانا عليه الصلاة والسلام بالنساء فقال: رفقا بالقوارير وحديث...

بقلم: أبو إسحق الحويني
762
عن الدعاء والتوسل والاستغاثة ج1 | مرابط
تفريغات

عن الدعاء والتوسل والاستغاثة ج1


محاضرة هامة حول مسائل الدعاء والتوسل والاستغاثة.. وهي التي أثار بها علماء السوء جدلا واسعا في الفترة الأخيرة حيث أباحوا ما يفعله العوام عند الأضرحة والقبور وحاولوا الاستدلال ببعض الآثار والأخبار وحاولوا لي أعناق النصوص وهنا توضيح لهذه المسائل ورد على تلك المزاعم وإزالة للإشكال الحادث وتبيين لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسائل.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
497
شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها | مرابط
أباطيل وشبهات الإلحاد

شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها


من الشبهات السخيفة التي يروجها بعض الملاحدة يقولون: هل يستطيع الله أن يخلق صخرة ضخمة لا يستطيع حملها والهدف من السؤال هو الإيقاع بالمسلم بين شقي الرحى فإن قال نعم يستطيع كان ذلك من نواقض كمال الله تعالى وإن قال لا يستطيع كان ذلك من النواقض أيضا ولكن الإجابة السليمة على هذا السؤال سنعرفها في المقال لنقف على الإشكاليات والأخطاء الموجودة في السؤال نفسه وما الرد عليها

بقلم: مجموعة كتاب
4812