اجتياحات أزمة الرجولة

اجتياحات أزمة الرجولة | مرابط

الكاتب: أ. سامي الحربي

454 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

إن الحضارة الحديثة هي انحدار من الذكورة إلى الأنوثة
- يوليوس إيفولا

 

ترتبط إشكاليات الاجتياح بإزالة الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية، عبر فرض دلالات ومفاهيم على طرق التفكير وأنماط السلوكيات والصور الثابتة عن الجسد وامتداده وتقسيماته التي تشمل الذكورة والأنوثة، من خلال إزالة الثابت الفطري من معانيها وأشكالها المتجسدة، وإعادة إنتاجها في إطار يتخوف من صورتها الأصلية، وذلك عبر فرض المخاوف من قيم الرجولة والأمومة والطفولة بصفتها قيم اضطهاد وتشويه للحالة الإنسانية، وذلك عبر الأسلوب الحضاري السائد ونمطه البصري الذي يتمركز حول الصورة وعقدة الجمال، وتعميم مفاهيم الجندر ونفوذ حركة الشواذ، وتراجع صورة الآباء وضغط البيئة المساواتية والمشكلة الاقتصادية، وتراجع الرجولة التقليدية المتمركزة حول القوة والشرف والواجب، وسيطرة أنماط الرجولة الحديثة التي تعيد إنتاج ذاتها في أدوار أنثوية.

يمثل الأسلوب الحضارئ السائد مرحلة الغريزة وهي مرحلة تفقد المعاني الدينية فيها وظيفتها الاجتماعية بحيث تصبح عاجزة عن القيام بمهمتها بحسب مالك بن نبي، وهي ذات المرحلة التي يطلق عليها ميشيل مافيزولي مرحلة "سيادة الأسلوب الجمالي". وفقدان المعاني الدينية وسيادة الأسلوب الجمالي تقود إلى ما يطلق عليه إدغار موران "الجماليات المُعمَّمة" وهي أزمة ذوبان الأخلاقي في الجماليات.

تشكل الجماليات المعممة تراجعا لقيم الرجولة، وخصوصًا مسألة الواجب التي تفرضها التقاليد الأخلاقية، مقابل ارتفاع لعقدة الجمال التي لا تعرف الواجب، بل تدور بين التجميل والانخراط في السلوكيات الأنثوية، وإزاحة الترجل الذي يشكل قطيعة مع العالم الأنثوي.

وتتداخل مسألة الجماليات المعممة في التطورات الحديثة لمفاهيم الرجولة من خلال إعادة إنتاج أساليب الجسد الرجولي عبر تأثير الموضة الحديثة، فبحسب "جوان انتويسل" لعب كل من المصورين وخبراء التجميل ومصممي الأزياء من الشواذ دورًا في تغيير التمثيلات الخاصة بالرجولة من خلال جماليات الموضة التي أنتجت جماليات شاذة للجسد الرجولي.

والإشكالية الأخرى في الجماليات المعممة هي أنها حولت الجسد الرجولي من إطار واجب الفعل والمسؤولية الأخلاقية، إلى وجوب العرض والمشاهدة من خلال فكرة الجمال والأزياء، والتي استطاعت إعباد فكرة الإدانة عن الأنشطة غير الرجولية.

وتأثيرات عقدة الجمال الحديثة لا تتوقف عند إشكالية التحرر من الإدانة الأخلاقية للسلوكيات المناهضة للرجولة وإزاحة الترجل، بل تمتد لإشكالية أخرى وهي مشكلة السحاق المعكوس، وهو التفاعل الأنثوي الذي يحرص عليه الشباب مع الإناث لأجل جذبهن، وهي إشكالية تواجه فكرة الرجولة التقليدية لأنها تعيد الصفات الأنثوية عند التفاعل مع الإناث وتقدمها على أنها وسيلة رجولية، ولكنها في أصلها ليست إلا خوفًا من قيم الرجولة التي تتعرض للهجوم والمحاصرة من نمط الحياة الحديثة، وفكرة الرجل الجديد الذي ترافق ظهوره مع الحركة النسوية ومجلات الأناقة والقطاع التجاري الخاص بالمنتجات الجمالية الرجالية.


المصدر:
مجلة أوج، العدد الحادي عشر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية #الرجولة
اقرأ أيضا
من مقومات المجتمع المسلم: حسن الخلق | مرابط
تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: حسن الخلق


هناك مقوم آخر مهم من مقومات المجتمع المسلم وهو حسن الخلق بين المسلمين ونحن طلبة العلم أحوج ما نكون إلى حسن الخلق فقد كان صلى الله عليه وسلم كما وصفته أم المؤمنين عائشة: كان خلقه القرآن وكما قال صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك فضلا: إن الرجل ليبلغ درجة الصائم القائم بحسن خلقه فبحسن الخلق مع الأخ والزوجة والابن ومع الصديق والعدو يبلغون تلك الدرجة العظيمة

بقلم: سفر الحوالي
458
الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية | مرابط
فكر الإلحاد ثقافة

الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية


الإعلام الترفيهي سلاح فكري ذو أثر شديد في نفوس المتلقين وفاعلية هذا الأثر تنجم من كونه يأتي من غير مظنته فليس هذا النوع من الإعلام مقصودا لمتطلب الأفكار الموافقة أو المخالفة ولم يكن حتى عهد قريب سوى آلة قتل للوقت وإلهاء عن الواقع وملء للفراغ ومن ثم تعود المتلقي أن يفتح حصونه أمامه مطمئنا لكونه يروح عن نفسه بما لا يستحق منه كثير تأمل ونظر وبما لا يتحد أفكاره ومسلماته فيفتح طواعية نوافذ لاوعيه لسيل دفاق من المؤثرات السمعية والبصرية

بقلم: ماهر أمير
618
من أعمال الحملة الفرنسية: نشر السفور والتبرج والبغاء | مرابط
تاريخ اقتباسات وقطوف المرأة

من أعمال الحملة الفرنسية: نشر السفور والتبرج والبغاء


لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن.

بقلم: عبد الرحمن الجبرتي
595
التوبة الصادقة | مرابط
تفريغات

التوبة الصادقة


أخي العزيز! يا من أذنبت وعصيت أتعلم أن الله يفرح بتوبتك تقول: أنا الذي أقلب المجلات وأنظر إلى الصور وطالما إذا صليت التهيت بالدنيا وطالما أفتح التلفاز للأغاني والمسلسلات وطالما اغتبت الناس وفعلت وفعلت.. هل إذا رجعت إلى الله عز وجل يفرح؟

بقلم: نبيل العوضي
537
أسلوب الوصاية | مرابط
فكر مقالات

أسلوب الوصاية


والوصاية ضد الشبهات التي تسبب رقة التدين مطلب شرعي سواء كان الذي يشيع هذه الشبهات زنديق علماني أو من متفقهة التغريب الذين يغرسون في الناس النظرة المادية للحياة ويهونون من تعظيمهم للنص باسم الخلاف ويشحنون الناس ضد المحتسبين والدعاة دوما بالسذاجة والتهور وضيق الأفق وقلة الوعي وأنهم يغرقون في كأس ماء ونحوها من العبارات التي يتشربها المستمع فتؤثر في نظرته لأهل العلم والدعاة بعامة ويجمدون مشاعر الغيرة والحمية باسم الرزانة والحكمة والهدوء ونحو ذلك

بقلم: إبراهيم السكران
2216
ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا | مرابط
تفريغات

ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبا


الإيمان بالإسلام كتابا وسنة هو الذي يوفق أفق المؤمن وعقله وتفكيره والعكس بالعكس تماما لهذا نحن ندعو دائما وأبدا إلى اتباع الكتاب والسنة ليس على طريقة التأويل -هذه الطريقة التي ابتدعها الخلف- وإنما على طريقة التسليم التي سلكها السلف ولذلك نكرر دائما وأبدا: نحن لا ندعو إلى الكتاب والسنة فقط بل إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
620