
إن الحضارة الحديثة هي انحدار من الذكورة إلى الأنوثة
- يوليوس إيفولا
ترتبط إشكاليات الاجتياح بإزالة الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية، عبر فرض دلالات ومفاهيم على طرق التفكير وأنماط السلوكيات والصور الثابتة عن الجسد وامتداده وتقسيماته التي تشمل الذكورة والأنوثة، من خلال إزالة الثابت الفطري من معانيها وأشكالها المتجسدة، وإعادة إنتاجها في إطار يتخوف من صورتها الأصلية، وذلك عبر فرض المخاوف من قيم الرجولة والأمومة والطفولة بصفتها قيم اضطهاد وتشويه للحالة الإنسانية، وذلك عبر الأسلوب الحضاري السائد ونمطه البصري الذي يتمركز حول الصورة وعقدة الجمال، وتعميم مفاهيم الجندر ونفوذ حركة الشواذ، وتراجع صورة الآباء وضغط البيئة المساواتية والمشكلة الاقتصادية، وتراجع الرجولة التقليدية المتمركزة حول القوة والشرف والواجب، وسيطرة أنماط الرجولة الحديثة التي تعيد إنتاج ذاتها في أدوار أنثوية.
يمثل الأسلوب الحضارئ السائد مرحلة الغريزة وهي مرحلة تفقد المعاني الدينية فيها وظيفتها الاجتماعية بحيث تصبح عاجزة عن القيام بمهمتها بحسب مالك بن نبي، وهي ذات المرحلة التي يطلق عليها ميشيل مافيزولي مرحلة "سيادة الأسلوب الجمالي". وفقدان المعاني الدينية وسيادة الأسلوب الجمالي تقود إلى ما يطلق عليه إدغار موران "الجماليات المُعمَّمة" وهي أزمة ذوبان الأخلاقي في الجماليات.
تشكل الجماليات المعممة تراجعا لقيم الرجولة، وخصوصًا مسألة الواجب التي تفرضها التقاليد الأخلاقية، مقابل ارتفاع لعقدة الجمال التي لا تعرف الواجب، بل تدور بين التجميل والانخراط في السلوكيات الأنثوية، وإزاحة الترجل الذي يشكل قطيعة مع العالم الأنثوي.
وتتداخل مسألة الجماليات المعممة في التطورات الحديثة لمفاهيم الرجولة من خلال إعادة إنتاج أساليب الجسد الرجولي عبر تأثير الموضة الحديثة، فبحسب "جوان انتويسل" لعب كل من المصورين وخبراء التجميل ومصممي الأزياء من الشواذ دورًا في تغيير التمثيلات الخاصة بالرجولة من خلال جماليات الموضة التي أنتجت جماليات شاذة للجسد الرجولي.
والإشكالية الأخرى في الجماليات المعممة هي أنها حولت الجسد الرجولي من إطار واجب الفعل والمسؤولية الأخلاقية، إلى وجوب العرض والمشاهدة من خلال فكرة الجمال والأزياء، والتي استطاعت إعباد فكرة الإدانة عن الأنشطة غير الرجولية.
وتأثيرات عقدة الجمال الحديثة لا تتوقف عند إشكالية التحرر من الإدانة الأخلاقية للسلوكيات المناهضة للرجولة وإزاحة الترجل، بل تمتد لإشكالية أخرى وهي مشكلة السحاق المعكوس، وهو التفاعل الأنثوي الذي يحرص عليه الشباب مع الإناث لأجل جذبهن، وهي إشكالية تواجه فكرة الرجولة التقليدية لأنها تعيد الصفات الأنثوية عند التفاعل مع الإناث وتقدمها على أنها وسيلة رجولية، ولكنها في أصلها ليست إلا خوفًا من قيم الرجولة التي تتعرض للهجوم والمحاصرة من نمط الحياة الحديثة، وفكرة الرجل الجديد الذي ترافق ظهوره مع الحركة النسوية ومجلات الأناقة والقطاع التجاري الخاص بالمنتجات الجمالية الرجالية.
المصدر:
مجلة أوج، العدد الحادي عشر