احترازات الأذكياء

احترازات الأذكياء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

928 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أم أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة

قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلاف درهم

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعا..

فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب فتفرقنا عليهم ومانعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجا منا حتى بلغنا ما مننا

حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا وترك عليها أترابا كثيرا ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر

حدثني بعض المشايخ أن رجلا يهوديا كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحدا لا زوجته ولا ولدا ولا صديقا فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقا قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك

وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعا فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:

(توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر)

(ومر بوهمي خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر)

قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:

(لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح)

ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:

(تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب)

(ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب)

قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهرا ثم دس إلي خادما ومعه رقعة فيها مكتوب:

(قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي)

(يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي)

(إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب)

فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضربا شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافا بل خوفا وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص148

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
من آفات الدعاء | مرابط
اقتباسات وقطوف

من آفات الدعاء


كما نهتم بمعرفة الطريقة الصحيحة للدعاء وأوقات الإجابة يجب أيضا أن نقف على آفات الدعاء أو ما يمنع ترتب أثر الدعاء عليه فهذا مما قد يخفى على كثير من المسلمين وقد لا يهتم به أحد ثم يتعجب عن سبب تأخر الإجابة أو عدم وجود الإجابة بحال

بقلم: ابن القيم
982
قواعد السلف في مؤلفاتهم | مرابط
مقالات

قواعد السلف في مؤلفاتهم


أحب أن يعلم من لم يكن يعلم أن أسلافنا -رضي الله عنهم- وغفر لهم منذ ألفوا كتبهم وضعوا لها قواعد يعرفها أهل هذا العلم ويجهلها من جنح عن أصولهم وعمى عليه طريقهم. فهم منذ بدأوا يكتبون أسسوا كتبهم على إسناد الأخبار إلى رواتها وبرئوا من عهدة الرواية بهذا الإسناد ولم يبالوا بعد ذلك أن يكون الخبر صحيحا أو ضعيفا أو زائدا أو ناقصا أو موضوعا مكذوبا لأنهم كانو يعلمون حال الرواة ومنازلهم من الصدق والكذب ومن الورع والاستخفاف ومن الأمانة والهوى.وكأنهم أرادوا بهذا أن يجعلوا كتبهم في التاريخ وغير التاريخ سج...

بقلم: محمود شاكر
277
كيف تقرأ كتابا ج3 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج3


من الأمور التي تشد أو تحبب القراءة للشخص أن يحس بالمردود وإذا كان المردود سريعا كان تحبيب القراءة أو حبه للقراءة أكثر فمثلا: لو أن الإنسان قرأ مسألة فقهية ثم تعرض لها فإنه يستأنس جدا لأنه يعرف الجواب مثلا: لو قرأت عن الحج ثم ذهبت إلى الحج سيكون إحساسك بفائدة القراءة كبيرا لو قرأت كتابا في صفة الوضوء أو صفة الصلاة وأنت تطبق ذلك يوميا ستشعر بحب للقراءة لأن الثمرة مرئية ومشاهدة وسريعة

بقلم: محمد صالح المنجد
489
قدرة الإسلام على نشر الأمن بين الناس | مرابط
تفريغات

قدرة الإسلام على نشر الأمن بين الناس


ولقد أثبتت التجربة والتطبيق العملي أن الإسلام قادر على أن يبث الأمن في المجتمعات التي يحكمها وأن الاتجاه نحو العالم الغربي في قوانينه ونظمه وأخلاقه يجذب القلق والدمار ويضيع الأمن فحكومة عبد العزيز آل سعود هي أصدق حكومة في الجزيرة العربية طبق فيها الإسلام وطبق فيها القرآن وكان الناس في الجزيرة قبل تلك الأيام لا يستطيع أحدهم أن يتحرك من بلده إلى بلد آخر آمنا فقد كان أهل الحاج يودعونه على أنه ليس براجع وكان الإنسان يقتل على بصلة أن المجرم يرى جيب الرجل منتفخا فيقتله ظنا منه أنه مال وهو بصل

بقلم: عمر الأشقر
839
خيركم لمن؟ | مرابط
مقالات

خيركم لمن؟


اقرأوا مشاكل الناس شكاوى الزوجات من الإهمال وشكاوى الأزواج أيضا من الإهمال وكيف يؤدي هذا إلى تحطم الأسر وأحيانا إلى الوقوع في الفواحش أو مقدماتها والعياذ بالله بجانب الوقوع في الحقد والحسد والانشغال بالآخرين وانظروا إلى آثار هذا الإهمال على الأولاد والنشء ثم على المجتمع بالتبعية لتستشعروا قدر الخيرية التي يحققها ذلك الحاضن لأسرته المشغول بهم المشغول بهم أي بكل شيء يخصهم وأهمه دينهم وخلقهم ونفسيتهم ونضجهم العقلي والعاطفي وليس فقط مشغولا بأكلهم ولبسهم ومدارسهم.

بقلم: معتز عبد الرحمن
312
ذكر الربا وآكله في السنة | مرابط
تفريغات

ذكر الربا وآكله في السنة


الربا من السبع الموبقات ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر

بقلم: سعيد بن مسفر
384