احترازات الأذكياء

احترازات الأذكياء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

789 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أم أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة

قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلاف درهم

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعا..

فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب فتفرقنا عليهم ومانعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجا منا حتى بلغنا ما مننا

حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا وترك عليها أترابا كثيرا ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر

حدثني بعض المشايخ أن رجلا يهوديا كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحدا لا زوجته ولا ولدا ولا صديقا فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقا قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك

وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعا فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:

(توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر)

(ومر بوهمي خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر)

قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:

(لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح)

ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:

(تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب)

(ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب)

قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهرا ثم دس إلي خادما ومعه رقعة فيها مكتوب:

(قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي)

(يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي)

(إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب)

فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضربا شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافا بل خوفا وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص148

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج3 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج3


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1145
القوامة.. بين الإسلام والنسوية | مرابط
النسوية المرأة

القوامة.. بين الإسلام والنسوية


لم تعد النسوية محصورة في أصحاب هذا التيار فقط وإنما تم الترويج للأفكار النسوية عبر مضامين ووسائل غير مباشرة فصار مألوفا أن ترى من ظاهرها الاستقامة ولكنها نسوية من الناحية الفكرية تجد ذلك في نظراتها للأمور ومواقفها وطموحاتها وغير ذلك.

بقلم: محمود خطاب
464
هل منع النبي عليا من التعدد؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل منع النبي عليا من التعدد؟


النبي ﷺ لم يمنع عليا من التعدد إنما منعه من أن يعدد من امرأة معينة وفرق بين الأمرين. لذا قال النبي ﷺ: لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد فهو منع من اجتماع ابنته بابنة عدوه لا منع علي من التعدد. وبين أن اجتماعها مع ابنته سيكون فتنة لها في دينها فقد قال ﷺ: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

بقلم: قاسم اكحيلات
264
رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه


هذه المقولة من المقولات الرائجة على ألسنة الناس وهي في الأصل لا إشكال فيها فرحمة الله تعالى ليست في يد أحد من خلقه وليس لأحد أن يتألى على الله تعالى فيها بل هو مقام خطر جدا صح فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك فهي إذن مقولة صحيحة لا غبار عليها إنما الإشكال في بعض السياقات المعينة التي يستعان فيها بهذه المقولة وتتكرر بتكرارها وكم من سياق جعل كلمة حق توهم باطلا ورضي ا...

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1534
الأصول الكلية التي يقوم عليها الإيمان بوجود الله وكماله ج3 | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الأصول الكلية التي يقوم عليها الإيمان بوجود الله وكماله ج3


ليس المراد بالأصول في هذا السياق الأدلة العقلية التي يستند إليها المؤمنون في إثبات وجود الله وكماله وإنما المراد بها المعاني الكلية التي يتأسس من مجموعها الإيمان الصحيح السالم من النقص والعيب في التصديق بأن الله موجود وأنه الخالق للكون المدبر له والمتصرف في شؤونه والمتصف بصفات الكمال والجلال

بقلم: د سلطان العميري
1994
علمنة الأحكام الشرعية | مرابط
فكر مقالات العالمانية

علمنة الأحكام الشرعية


يناقش هذا المقال ظاهرة خطيرة يشهدها واقعنا المعاصر ألا وهي علمنة الأحكام الشرعية حيث يبقى المسمى الشرعي كما هو ولكن يتم تفريغه من مضمونه وتبديله بمضامين أخرى لا تخالف الذائقة العلمانية وقد ضرب الكاتب العديد من الأمثلة بأحكام شرعية مل الردة والربا والجهاد وموضوعات الاختلاط والولاء والبراء وبين كيف تغير معناها الإسلامي إلى معنى علماني مخالف

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2228