الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم

الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم | مرابط

الكاتب: الآجري

390 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هُدْبَةُ، أَخْبَرَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ أَشْهَبَ، لَا يُبْصِرُ زَمَانَكُمْ إِلَّا الْبَصِيرُ، إِنَّكُمْ فِي زَمَانِ نَفَخَاتِهِمْ، قَدِ انْتَفَخَتْ أَلْسِنَتُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَطَلَبُوا الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لَا يُوقِعُوكُمْ فِي شَبَكَاتِهِمْ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَأْكُلُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ أَنْتَ تَفْخَرُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تُكَاثِرْ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَسْتَطِيلُ بِعِلْمِكَ، لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ طَلَبْتَهُ لِلَّهِ لَرُئِيَ ذَلِكَ فِيكَ، وَفِي عَمَلِكَ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَصِفْ لَنَا أَخْلَاقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ عِلْمُهُمْ حُجَّهٌ عَلَيْهِمْ..،

فَمِنْ صِفَتِهِ فِي طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ: يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنَ الْعِلْمِ مَا أَسْرَعَ إِلَيْهِ هَوَاهُ. فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيمَا يَعْبُدُهُ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، إِنَّمَا مُرَادُهُ فِي طَلَبِهِ أَنْ يُكْثِرَ التَّعَرُّفَ أَنَّهُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ، وَلِيَكُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ هَذَّبَ نَفْسَهُ، وَكُلُّ عِلْمٍ إِذَا سَمِعَهُ أَوْ حَفِظَهُ شَرُفَ بِهِ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ، سَارَعَ إِلَيْهِ، وَخَفَّ فِي طَلَبِهِ، وَكُلُّ عِلْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْلَمَهُ فَيَعْمَلَ بِهِ، ثَقُلَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، فَتَرَكَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، مَعَ شِدَّةِ فَقْرِهِ إِلَيْهِ.

يَثْقُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعٌ لِعِلْمٍ قَدْ أَرَادَهُ، حَتَّى يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي سَمَاعِهِ، فَإِذَا سَمِعَهُ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ، فَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا أَلْزَمَهَا السَّمَاعَ فَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ إِنْ فَاتَهُ سَمَاعُ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، أَحْزَنَهُ ذَلِكَ، وَأَسِفَ عَلَى فَوْتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ مِنْهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَى عِلْمٍ قَدْ سَمِعَهُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهِ وَيَتَأَسَّفَ.

يَتَفَقَّهُ لِلرِّيَاءِ، وَيُحَاجُّ لِلْمِرَاءِ، مُنَاظَرَتُهُ فِي الْعِلْمِ تُكْسِبُهُ الْمَأْثَمَ، مُرَادُهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ أَنْ يُعْرَفَ بِالْبَلَاغَةِ، وَمُرَادُهُ أَنْ يُخَطِّئَ مُنَاظِرَهُ، إِنْ أَصَابَ مُنَاظِرُهُ الْحَقَّ أَسَاءَهُ ذَلِكَ. فَهُوَ دَائِبٌ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ الشَّيْطَانَ، وَيَكْرَهُ مَا يُحِبُّ الرَّحْمَنُ، يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ لَا يُنْصِفُ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ يَجُورُ فِي الْمُحَاجَّةِ، يَحْتَجُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ، وَلَا يُقِرُّ بِهِ، خَوْفًا أَنْ يُذَمَّ عَلَى خَطَئِهِ.

يُرَخِّصُ فِي الْفَتْوَى لِمَنْ أَحَبَّ، وَيُشَدِّدُ عَلَى مَنْ لَا هَوَى لَهُ فِيهِ، يَذُمُّ بَعْضَ الرَّأْيِ، فَإِنِ احْتَاجَ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا لِمَنْ أَحَبَّ دَلَّهُ عَلَيْهِ، وَعَمِلَ بِهِ، مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُ عِلْمًا، فَهِمَّتُهُ فِيهِ مَنَافِعُ الدُّنْيَا، فَإِنْ عَادَ عَلَيْهِ خَفَّ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ لِلدُّنْيَا -وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ الْآخِرَةُ- ثَقُلَ عَلَيْهِ.

يَرْجُو ثَوَابَ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَلَا يَخَافُ سُوءَ عَاقِبَةِ الْمُسَاءَلَةِ عَنْ تَخَلُّفِ الْعَمَلِ بِهِ، يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ عَلَى بُغْضِهِ مَنْ ظَنِّ بِهِ السُّوءَ مِنَ الْمَسْتُورِينَ، وَلَا يَخَافُ مَقْتَ اللَّهِ عَلَى مُدَاهَنَتِهِ لِلْمَهْتُوكِينَ.

يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَخَافُ عَظِيمَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ اسْتِعْمَالَهَا، إِنْ عَلِمَ ازْدَادَ مُبَاهَاةً وَتَصَنُّعًا، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلْمٍ تَرَكَهُ أَنَفًا، إِنْ كَثُرَ الْعُلَمَاءُ فِي عَصْرِهِ فَذُكِرُوا بِالْعِلْمِ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُمْ، إِنْ سُئِلَ الْعُلَمَاءُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُسْأَلْ هُوَ، أَحَبَّ أَنْ يُسْأَلَ كَمَا سُئِلَ غَيْرُهُ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْمَدَ رَبَّهُ إِذْ لَمْ يُسْأَلْ، وَإِذْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ كَفَاهُ.

إِنْ بَلَغَهُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَخْطَأَ، وَأَصَابَ هُوَ، فَرِحَ بِخَطَأِ غَيْرِهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَسُوءَهُ ذَلِكَ. إِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَرَّهُ مَوْتُهُ، لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ، إِنْ سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنِفَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ، حَتَّى يَتَكَلَّفَ مَالَا يَسَعُهُ فِي الْجَوَابِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ كَرِهَ حَيَاتَهُ، وَلَمْ يُرْشِدِ النَّاسَ إِلَيْهِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَتُوبِعَ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ لَهُ بِهِ رُتْبَةٌ عِنْدَ مَنْ جَهِلَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَنِفَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ خَطَئِهِ، فَيَثْبُتُ بِنَصْرِ الْخَطَأِ، لِئَلَّا تَسْقُطَ رُتْبَتُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ.

يَتَوَاضَعُ بِعِلْمِهِ لِلْمُلُوكِ، وَأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، لِيَنَالَ حَظَّهُ مِنْهُمْ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ، وَيَتَكَبَّرُ عَلَى مَنْ لَا دُنْيَا لَهُ مِنَ الْمَسْتُورِينَ وَالْفُقَرَاءِ، فَيَحْرِمُهُمْ عِلْمَهُ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ. يَعُدُّ نَفْسَهُ فِي الْعُلَمَاءِ، وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ السُّفَهَاءِ، قَدْ فَتَنَهُ حُبُّ الدُّنْيَا وَالثَّنَاءِ وَالشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، يَتَجَمَّلُ بِالْعِلْمِ كَمَا تَتَجَمَّلُ بِالْحُلَّةِ الْحَسْنَاءُ لِلدُّنْيَا، وَلَا يُجَمِّلُ عِلْمَهُ بِالْعَمَلِ بِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْخِصَالَ، فَعَرَفَ أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ، وَأَنْ يُسْرِعَ الرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ


المصدر:
الآجري، أخلاق العلماء ص96

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#طلب-العلم #الأخلاق
اقرأ أيضا
واحذر اللحن | مرابط
لسانيات

واحذر اللحن


ابتعد عن اللحن في اللفظ والكتب فإن عدم اللحن جلالة وصفاء ذوق ووقوف على ملاح المعاني لسلامة المباني: فعن عمر رضي الله عنه أنه قال: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن

بقلم: بكر أبو زيد
286
حكم الزيادة في الدين | مرابط
تفريغات

حكم الزيادة في الدين


إن العبد إذا علم شر منقلب أهل البدع لم يلجأ إلى التأويل الذي تأوله أهل البدع إنما نريح أنفسنا بذكر هذه المقدمة لأن الموضوع إذا نوقش فيه بطريقة الجدل النظري لا نصل فيه إلى نتيجة إذا: لا بد من دخول المعنى الإيماني في المناقشة ليست المسألة نظرية بحتة كما يفعل أهل البدع في النقاش إنما نتكلم عن خير الهدي وخير الهدي من أعظم الخوارم فيه: البدع إذا: لا بد من دخول المعنى الإيماني أثناء المناقشة ولا يكون هذا إلا بذكر سوء منقلب أهل البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
783
دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول


نعلم أن سهام منكري السنة تتوجه في الغالب إلى السنة النبوية ذاتها سواء في متنها أو سندها أو حتى حجيتها من الأساس فهم لا يؤمنون بأنها وحي من عند الله وفي المقابل يدعون الإيمان بالقرآن وما جاء فيه ومن هنا ندرك أهمية الوقوف على حجية السنة النبوية من نصوص القرآن الكريم وفي هذا المقال يقدم لنا الكاتب أحمد يوسف السيد أدلة قرآنية تثبت أن السنة النبوية هي وحي من عند الله

بقلم: أحمد يوسف السيد
2473
منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية | مرابط
مقالات

منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية


من جميل إشارات ابن تيمية قوله: كثير من خطأ بني آدم من تفريطهم في طلب الحق لا من العجز التام جامع الرسائل 2411 ومن أنواع هذا التفريط عدم سؤال الله الهداية بصدق ﻷن من سأل الله الهداية صادقا هاه وإذا فرط العبد في سؤال الله الهداية خذل وأسلمه الله إلى هواه.

بقلم: د. طلال الحسان
337
مع نظرية المصلحة عند نجم الدين الطوفي | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

مع نظرية المصلحة عند نجم الدين الطوفي


تعتبر مقولة نجم الدين الطوفي الشهيرة: تقديم المصلحة على النص من أشهر المقالات الفقهية والفكرية فى هذا العصر لأنه تم توظيفها بمهارة لتكون بساطا يسير عليه أي تحريف معاصر يرغب في تخطي بعض النصوص الشرعية ومع الجهود العلمية الحثيثة في توضيح هذه القضية وبيان الشذوذ والخلل فيها إلا أن المقالة الطوفية ما تزال حاضرة في أي مشهد ثقافي يرغب في حذف بعض أحكام الشريعة

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1653
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج1


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
570