الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم

الأخلاق المذمومة عند طلاب العلم | مرابط

الكاتب: الآجري

323 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هُدْبَةُ، أَخْبَرَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ أَشْهَبَ، لَا يُبْصِرُ زَمَانَكُمْ إِلَّا الْبَصِيرُ، إِنَّكُمْ فِي زَمَانِ نَفَخَاتِهِمْ، قَدِ انْتَفَخَتْ أَلْسِنَتُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَطَلَبُوا الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لَا يُوقِعُوكُمْ فِي شَبَكَاتِهِمْ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَأْكُلُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ أَنْتَ تَفْخَرُ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تُكَاثِرْ بِعِلْمِكَ، يَا عَالِمُ، أَنْتَ عَالِمٌ تَسْتَطِيلُ بِعِلْمِكَ، لَوْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ طَلَبْتَهُ لِلَّهِ لَرُئِيَ ذَلِكَ فِيكَ، وَفِي عَمَلِكَ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَصِفْ لَنَا أَخْلَاقَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ عِلْمُهُمْ حُجَّهٌ عَلَيْهِمْ..،

فَمِنْ صِفَتِهِ فِي طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ: يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنَ الْعِلْمِ مَا أَسْرَعَ إِلَيْهِ هَوَاهُ. فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيمَا يَعْبُدُهُ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، إِنَّمَا مُرَادُهُ فِي طَلَبِهِ أَنْ يُكْثِرَ التَّعَرُّفَ أَنَّهُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ، وَلِيَكُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ هَذَّبَ نَفْسَهُ، وَكُلُّ عِلْمٍ إِذَا سَمِعَهُ أَوْ حَفِظَهُ شَرُفَ بِهِ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ، سَارَعَ إِلَيْهِ، وَخَفَّ فِي طَلَبِهِ، وَكُلُّ عِلْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْلَمَهُ فَيَعْمَلَ بِهِ، ثَقُلَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، فَتَرَكَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، مَعَ شِدَّةِ فَقْرِهِ إِلَيْهِ.

يَثْقُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَفُوتَهُ سَمَاعٌ لِعِلْمٍ قَدْ أَرَادَهُ، حَتَّى يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي سَمَاعِهِ، فَإِذَا سَمِعَهُ هَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ، فَلَمْ يُلْزِمْهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا أَلْزَمَهَا السَّمَاعَ فَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ إِنْ فَاتَهُ سَمَاعُ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، أَحْزَنَهُ ذَلِكَ، وَأَسِفَ عَلَى فَوْتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ مِنْهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَى عِلْمٍ قَدْ سَمِعَهُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهِ وَيَتَأَسَّفَ.

يَتَفَقَّهُ لِلرِّيَاءِ، وَيُحَاجُّ لِلْمِرَاءِ، مُنَاظَرَتُهُ فِي الْعِلْمِ تُكْسِبُهُ الْمَأْثَمَ، مُرَادُهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ أَنْ يُعْرَفَ بِالْبَلَاغَةِ، وَمُرَادُهُ أَنْ يُخَطِّئَ مُنَاظِرَهُ، إِنْ أَصَابَ مُنَاظِرُهُ الْحَقَّ أَسَاءَهُ ذَلِكَ. فَهُوَ دَائِبٌ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ الشَّيْطَانَ، وَيَكْرَهُ مَا يُحِبُّ الرَّحْمَنُ، يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ لَا يُنْصِفُ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ يَجُورُ فِي الْمُحَاجَّةِ، يَحْتَجُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ، وَلَا يُقِرُّ بِهِ، خَوْفًا أَنْ يُذَمَّ عَلَى خَطَئِهِ.

يُرَخِّصُ فِي الْفَتْوَى لِمَنْ أَحَبَّ، وَيُشَدِّدُ عَلَى مَنْ لَا هَوَى لَهُ فِيهِ، يَذُمُّ بَعْضَ الرَّأْيِ، فَإِنِ احْتَاجَ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا لِمَنْ أَحَبَّ دَلَّهُ عَلَيْهِ، وَعَمِلَ بِهِ، مَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُ عِلْمًا، فَهِمَّتُهُ فِيهِ مَنَافِعُ الدُّنْيَا، فَإِنْ عَادَ عَلَيْهِ خَفَّ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ لِلدُّنْيَا -وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ الْآخِرَةُ- ثَقُلَ عَلَيْهِ.

يَرْجُو ثَوَابَ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَلَا يَخَافُ سُوءَ عَاقِبَةِ الْمُسَاءَلَةِ عَنْ تَخَلُّفِ الْعَمَلِ بِهِ، يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ عَلَى بُغْضِهِ مَنْ ظَنِّ بِهِ السُّوءَ مِنَ الْمَسْتُورِينَ، وَلَا يَخَافُ مَقْتَ اللَّهِ عَلَى مُدَاهَنَتِهِ لِلْمَهْتُوكِينَ.

يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَخَافُ عَظِيمَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ اسْتِعْمَالَهَا، إِنْ عَلِمَ ازْدَادَ مُبَاهَاةً وَتَصَنُّعًا، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلْمٍ تَرَكَهُ أَنَفًا، إِنْ كَثُرَ الْعُلَمَاءُ فِي عَصْرِهِ فَذُكِرُوا بِالْعِلْمِ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُمْ، إِنْ سُئِلَ الْعُلَمَاءُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُسْأَلْ هُوَ، أَحَبَّ أَنْ يُسْأَلَ كَمَا سُئِلَ غَيْرُهُ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحْمَدَ رَبَّهُ إِذْ لَمْ يُسْأَلْ، وَإِذْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ كَفَاهُ.

إِنْ بَلَغَهُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَخْطَأَ، وَأَصَابَ هُوَ، فَرِحَ بِخَطَأِ غَيْرِهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَسُوءَهُ ذَلِكَ. إِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَرَّهُ مَوْتُهُ، لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ، إِنْ سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنِفَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ، حَتَّى يَتَكَلَّفَ مَالَا يَسَعُهُ فِي الْجَوَابِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ كَرِهَ حَيَاتَهُ، وَلَمْ يُرْشِدِ النَّاسَ إِلَيْهِ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَتُوبِعَ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ لَهُ بِهِ رُتْبَةٌ عِنْدَ مَنْ جَهِلَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَنِفَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ خَطَئِهِ، فَيَثْبُتُ بِنَصْرِ الْخَطَأِ، لِئَلَّا تَسْقُطَ رُتْبَتُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ.

يَتَوَاضَعُ بِعِلْمِهِ لِلْمُلُوكِ، وَأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، لِيَنَالَ حَظَّهُ مِنْهُمْ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ، وَيَتَكَبَّرُ عَلَى مَنْ لَا دُنْيَا لَهُ مِنَ الْمَسْتُورِينَ وَالْفُقَرَاءِ، فَيَحْرِمُهُمْ عِلْمَهُ بِتَأْوِيلٍ يُقِيمُهُ. يَعُدُّ نَفْسَهُ فِي الْعُلَمَاءِ، وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ السُّفَهَاءِ، قَدْ فَتَنَهُ حُبُّ الدُّنْيَا وَالثَّنَاءِ وَالشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، يَتَجَمَّلُ بِالْعِلْمِ كَمَا تَتَجَمَّلُ بِالْحُلَّةِ الْحَسْنَاءُ لِلدُّنْيَا، وَلَا يُجَمِّلُ عِلْمَهُ بِالْعَمَلِ بِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْخِصَالَ، فَعَرَفَ أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ، وَأَنْ يُسْرِعَ الرُّجُوعَ إِلَى الْحَقِّ


المصدر:
الآجري، أخلاق العلماء ص96

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#طلب-العلم #الأخلاق
اقرأ أيضا
لماذا يختلف العلماء | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

لماذا يختلف العلماء


إذا كان الوحي موجود محفوظ بين يدي العلماء فلماذا ينشأ بينهم الخلاف وماذا يجب على المسلم أن يفعل تجاه هذه الخلافات وكيف يتعامل معها كل هذه التساؤلات تدور في أذهاننا بين الفينة والأخرى وفي المقال إجابة عليها جميعا للكاتب أحمد يوسف السيد

بقلم: أحمد يوسف السيد
2153
هل نهى النبي عن تدوين السنة مطلقا؟ | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات أبحاث

هل نهى النبي عن تدوين السنة مطلقا؟


نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تدوين السنة ليس نهيا مطلقا ولكنه متعلق بعلة علم ذلك من النصوص الصحيحة الأخرى التي أباح فيها النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة وكذلك نهى بعض الصحابة عن التدوين كان لنفس العلة علم ذلك من سماح بعض الناهين عن التدوين بالتدوين في بعض الأحيان التي أمنوا فيها وقوع العلة بل وقيامهم هم أنفسهم بذلك وكذلك من مواقف الصحابة الآخرين الذي كانوا يبيحون التدوين ويحثون عليه.

بقلم: معتز عبد الرحمن
304
الآثار السلبية للانفلات من الشريعة | مرابط
فكر مقالات المرأة

الآثار السلبية للانفلات من الشريعة


فبأي ذنب يتم إسقاط ملايين الأجنة سنويا بعمليات الإجهاض التي تسببت بها علاقات غير شرعية وإذا كانت الروح قد نفخت في كثير من هذه الأجنة فبأي ذنب قتلت أليس لهذا الجنين حق الحياة أم أن حرية الشهوة مقدمة وإدا كان مصير هذه الأرواح البريئة القتل والإزهاق فلماذا يتم تسهيل العلاقات التي تسببت في تكوينها من الأصل

بقلم: أحمد يوسف السيد
460
تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق | مرابط
تاريخ

تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق


والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعا عظيما بدلا من خفضها خلافا للمزاعم المكررة على غير هدى والقرآن قد منح المرأة حقوقا إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية كما أثبت ذلك حينما بحثت في حقوق الإرث عند العرب أجل أباح القرآن الطلاق كما أباحته قوانين أوربة التي قالت به ولكنه اشترط أن يكون للمطلقات متاع بالمعروف...

بقلم: جوستاف لوبون
236
قياس إبليس | مرابط
اقتباسات وقطوف

قياس إبليس


اعلم أن أول من قاس قياسا فاسد الاعتبار ابليس حيث عارض النص الصريح الذي هو السجود لآدم بأن قياس نفسه على عنصره وقاس آدم على عنصره فأنتج من ذلك أنه خير من آدم وأن كونه خيرا من آدم يمنع سجوده له المنصوص عليه من الله.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
329
حاجة الأمة إلى الرجال | مرابط
تفريغات

حاجة الأمة إلى الرجال


قد تمر بالإسلام أزمات قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات قد يمر بالمسلمين عسر شديد تنقطع بهم السبل فيتحير الناس ويضطربون ويميدون ويحيدون عن شرع الله فترى الناس متفرقين شذر مذر لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه حيرتهم فتن الحياة الدنيا فاضطربوا اضطرابا شديدا وتبعثروا وتفرقوا فمن الذي يثبت في هذه الحالة؟ ومن الذي يقوم بواجب التثبيت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟

بقلم: محمد المنجد
436