الإيمان يزيد وينقص

الإيمان يزيد وينقص | مرابط

الكاتب: ابن عثيمين

503 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

المقدم: عرفنا في لقاءاتنا الماضية -وخاصةً في اللقاء الماضي القريب- عرفنا الإيمان وعرفنا أركان الإيمان الستة، وتحدثتم عنها الحديث الذي نرجو أن يكون فيه البركة للمستمعين، لكن هناك سؤال لا بد من طرحه في هذا اللقاء وهو: هل الإيمان يزيد وينقص؟ ونود أن نعرف بأي شيءٍ تحصل الزيادة؟ وبأي شيءٍ يحصل النقصان؟

 

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

هناك كلمة باقية في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي: أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه؛ لأنك إذا آمنت بأن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره فإنك عند السراء تشكر الله في كل شيء، ولا تعجب بنفسك، ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل، فتزداد بذلك شكرًا لنعمة الله سبحانه وتعالى، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك الله به، وأن لا ترى لنفسك فضلًا على ربك، بل ترى المنة لله سبحانه وتعالى عليك، قال الله تعالى:  يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

 

كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم ولا تندم على ذلك ولا تلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فالإيمان بالقدر فيه راحة للنفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله تعالى:  مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:22-23].

 

والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم ويفتح له الشيطان كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا ما أصابته السراء، لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.

 

حقيقة الإيمان

المقدم: بالنسبة للإيمان..
الشيخ: أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة:

 

وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص؛ وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا؛ ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار: إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة وذكر للجنة والنار يزداد إيمانًا حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين، وعندما تكون غفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه.

 

كذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات ليس كمن ذكر الله مائة مرة، الثاني أزيد بكثير، وكذلك أيضًا من أتى بالعبادة على وجهٍ كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجهٍ ناقص. وكذلك العمل، فإن الإنسان إذا عمل عملًا بجوارحه أكثر من الآخر صار الثاني أزيد إيمانًا من الناقص.

 

أدلة زيادة الإيمان ونقصانه

وقد جاء ذلك في القرآن والسنة أعني: إثبات الزيادة والنقصان، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31]، وقال الله تعالى:  وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125]. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، فالإيمان -إذًا- يزيد وينقص.

 

أسباب زيادة الإيمان

لكن ما سبب الزيادة؟

السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيمانًا بلا شك؛ ولهذا فإن أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيمانًا من الآخرين من هذا الوجه.

 

السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك ازداد إيمانًا، قال الله تعالى:  وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21]، والآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانًا كثيرة.

 

السبب الثالث: كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيمانًا، سواءٌ كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كميةً وكيفية، والصلاة والصوم والحج يزيد الإيمان أيضًا كميةً وكيفية.

 

أسباب نقص الإيمان

أما سبب النقصان فإنه على العكس من ذلك، فالجهل بأسماء الله وصفاته موجب لنقص الإيمان؛ لأن الإنسان ينقصه إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.

 

السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده.

 

السبب الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثارًا عظيمة على القلب والجوارح؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).

 

السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سببٌ لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقصٌ يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة أو واجبة لكن تركها لعذر فإنه نقصٌ لا يلام عليه؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقلٍ ودين، وعلّل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورةٌ بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.

 

الرد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصانه

المقدم: بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن المعصية تكذيب الإيمان، ويكفر الإنسان، كيف يرد على هؤلاء؟

الشيخ: نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل من نصوص الكتاب والسنة والواقع، فإننا نقول لهم: أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال: إن فلانًا قدم البلد اليوم، وهذا المخبر عندكم ثقة، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم، فإذا جاء رجلٌ آخر وأخبركم بذلك أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون: بلى، يزداد إيماننا بذلك، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ازدتم يقينًا أكثر، وهذا أمرٌ لا ينكره أحد، ثم نقول: ما دمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمرٌ معلوم لا ينكر، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.

 

المقدم: لكن حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟

الشيخ: هذا يرجع إلى حال المنكر، إن كان أنكر ذلك تكذيبًا وجحدًا فهو كافر بتكذيبه وجحده لما جاء في القرآن، وإن كان تأويلًا فإن التأويل له درجات قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول: أنا لا أقول: إن الإيمان يزيد وينقص متأولًا، فإنه على حسب التأويل.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإيمان
اقرأ أيضا
الإمبريالية والإنسان الاقتصادي الجسماني | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإمبريالية والإنسان الاقتصادي الجسماني


تقوم الإمبريالية النفسية من خلال الإعلام بترويج صورة الإنسان الاقتصادي الجسماني وهذا يتضح بجلاء في الإعلانات التليفزيونية هدف الإعلان التليفزيوني اقتصادي استهلاكي بيع سلعة ما ولكنه يوظف الجنس للترويج لهذه السلعة أي أن الإمبريالية النفسية لا ترى الإنسان إلا من خلال هذين البعدين الاقتصادي والجنسي

بقلم: عبد الوهاب المسيري
517
أهل العزة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أهل العزة


إن العزة قد تكون في الحق فيكون صاحبها عزيزا ولو كان ضعيفا مستضاما لا يذل للخلق ولا يتنازل عن شيء من دينه.. عزيز بعزة الله تعالى لأنه قد شرف بعبوديته له والانتساب لدينه والفخر بإسلامه وتطبيق شريعته ولو سخر منه الساخرون واستهزأ به المنافقون

بقلم: د. إبراهيم بن محمد الحقيل
443
مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية | مرابط
مناقشات

مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية


بعد خمسة عشر قرنا من استقرار أحكام الإسلام في نصوص الوحي وآثار الصحابة والتابعين وتقريرات المذاهب الأربعة تفاجأ المسلمون بالتفوق المادي للمجتمعات الغربية وتعلق الناس بثقافتها التي تمركز الحرية الليبرالية وتفاجأ المعنيون بأمر الإسلام أمام هذا السؤال أعني سؤال الموقف من الثقافة الليبرالية الغالبة فجماهير الفقهاء والدعاة مالوا إلى ضرورة التمسك بنص الإسلام كما أنزل وكما فهمته القرون المفضلة مع الأخذ بالأسباب والوسائل المادية المعاصرة وذهبت طوائف من العلمانيين إلى رفض أحكام الإسلام ببجاحة وضرورة...

بقلم: إبراهيم السكران
733
من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أشراط الساعة: التباهي بالمساجد


ومن أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من التباهي بالمساجد والمراد بالتباهي بالمساجد بتشييدها وعمرانها على مبان مختلفة حتى يتباهى الأغنياء كما يتباهون في بيوتهم: ذاك مسجد فلان وذاك مسجد فلان وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا وشيد فلان مسجدا على هيئة كذا أو ما يقال أن مسجد فلان أكبر من مسجد فلان أو مسجد فلان أجمل وأفضل أو أكثر تحسينا من مسجد فلان

بقلم: عبد العزيز الطريفي
683
أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر | مرابط
فكر

أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر


ماذا غير استجابة الدعاء؟ هذه ليلة عظيمة لها فضائل عظيمة وكل كلمة من الطاعة وكل فعل فيها له أجر عظيم مضاعف لا يخطر ببالك. قراءة القرآن والصلاة والصدقة وذكر الله بالثناء عليه والطلب منه بالدعاء والتذلل له والإلحاح عليه وإظهار الفقر والحاجة لله تبارك وتعالى.

بقلم: خالد بهاء الدين
649
كيف كسرت باريس القذرة قلبي وحطمت توقعاتي! | مرابط
مقالات

كيف كسرت باريس القذرة قلبي وحطمت توقعاتي!


ربما كنت أشاهد الكثير من الأفلام الحالمة الغير واقعية أو ربما كنت أعيش في عالم طوباوي مواز للعالم.. ولكن باريس -بالتأكيد- ليست كما كنت أتصورها إنها قذرة حرفيا ومجازا كل ما أعرفه هو أن ما رأيته نجح فقط في كسر قلبي!

بقلم: براتيك دام
299