
سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو غيره من المحرمات المنكرة؛ باتفاق أئمة المسلمين، لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين، فإن أحدًا منهم ما كان يقول -إذا نزلت به تِرة أو عرضت له حاجة- لميت يا: سيدي فلان أنا في حسبك، أو اقض حاجتي!!، كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين
ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته؛ ولا بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها!! وقد كانوا يقفون تلك المواقف العظام في مقابلة المشركين في القتال، ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون، ومع هذا لم يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين، بل ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلًا، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء، ولا الصلاة عندها.
وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لنفسه، وذكروا أن هذا من البدع التي لم يفعلها السلف. وأما ما يروى عن بعضهم أنه قال: قبر معروف الترياق المجرب، وقال بعضهم: فلان يدعى عند قبره، وقول بعض الشيوخ لمريده: إذا كانت لك حاجة إلى الله، فاستغث بي أو قال: استغث عند قبري ونحو ذلك، فإن هذا وقع فيه كثير من المتأخرين وأتباعهم، وكثير من هؤلاء إذا استغاث بالشيخ رأى صورته؛ وربما قضى بعض حاجته فيظن أنه الشيخ نفسه، أو أنه ملك تصور على صورته؛ أو أن هذا من كراماته، فيزداد به شركًا ومغالاة، ولا يعلم أن هذا من جنس ما تفعله الشياطين بعُبّاد الأوثان، حيث تتراءى أحيانًا لمن تعبدها، وتخاطبهم ببعض الأمور الغائبة، وتقضي لهم بعض الطلبات، ولكن هذه الأمور كلها بدع محدثة في الإسلام بعد القرون الثلاثة المفضلة.
المصدر:
الاستغاثة في الرد على البكري 1/ 331