التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الثاني

التصور الإسلامي للنسوية: الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: د وضحى بنت مسفر القحطاني

2194 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

القاعدة الثالثة:

 

الإسلام أكرم المرأة بتأكيد براءتها من التهم الموجهة إليها من رجال الديانات المحرّفة، وكشف زيف ادّعاءاتهم، ويدل لذلك جميع النصوص القرآنية التي تبيّن أن الخطيئة لم تقع من حواء فقط -كما يدّعي محرفو الكتاب المقدس- بل جاءت تؤكد أن الشيطان أزل آدم عليه السلام وزوجه حواء جميعًا، كما في قوله تعالى "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" وقوله تعالى "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا"، بل ورد ذكر آدم عليه السلام وحده في سياق آخر لقصة الغواية، في قوله سبحانه "وعصى آدم ربه فغوى" وقوله قبل ذلك "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى".

وهنا لفتة لطيفة، وهي أن الله سبحانه لم يقل فتشقيا، وقد ذكر العلماء رحمهم الله لذلك حِكمًا، منها: أن الرجل قيّم المرأة فشقاؤه يتضمن شقاءها، كما أن سعادته تتضمن سعادتها، ومنها: أن الخروج من الجنة سيؤدي به إلى الشقاء في طلب الرزق وإصلاح المعاش، وهذه -من حيث الأصل- وظيفة الرجل دون المرأة.
 
لذا كان للرجل نصف الميراث لأنه المسؤول عن النفقة المالية على الزوجة، ومع ذلك ليس دائمًا أن الأنثى ترث نصف الذكر ففي حالات عدة ترث الضعف، وأحيانا تتساوى معه، وأحيانا ترث المرأة دون الرجل، وتفصيل هذه المسائل في كتب الفرائض التي عنيت بتقسيم الإرث. ويدخل في ذلك دعوى الطعن في شهادة المرأة، وقد أجاد د. سعد في رد هذه الشبهة في نقاط عدة:

 

النقطة الأولى:

 

يجب أن يُعلم أن الشهادة ليست حقًا، فلو أُعفيت المرأة منها بالمرة، لما كان في ذلك انتهاك لحق من حقوقها، بل إن في ذلك رفقًا بالمرأة، وإبعادا لها عن أسباب الخصومة، لتتفرغ لرسالتها العظمى في الحياة، دون التزامات أو قلق نفسي. بيانه: أن الشهادة تكليف يأثم من كتمه "وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ والله بما تعملون عليم" وتخفيف الشريعة للتكاليف عن المرأة رحمة بها، وإكرام لها.

ﻷن التخفيف من الأعباء فيه راحة للمرأة، ورفع مشقة عنها، ولا سيما أن الشهادة كثيرًا ما تعقبها نتائج سيئة على الشاهد وسمعته، وقد تُعرّضه لآلام معنوية قد تسبّب له عقدًا نفسية، وخاصة إذا كان رقيق القلب، قوي العاطفة، شديد الحساسية من النقد، كغالب جنس النساء، وهذا ملحوظ في من هذه حاله حتى من الرجال. ومن الملاحظ أن الرجال ربما تهرّبوا من الشهادة لتبعاتها، ولكن لا بد من إحقاق الحقوق، ولذلك جاء النهي الواضح "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا" ومسؤولية يتهرب منها الرجال، ما قيمة ملاحقة المرأة لها؟

 

والنقطة الثانية: أن شهادة النساء أنواع:

 

نوع تقبل فيه النساء منفردات، ويمثل له الفقهاء: بما لا يطّلع عليه غيرهن، ويعبّر عنه بعضهم، بـ: ما لا تجوز فيه إلا شهادة النساء، كالولادة والبكارة، وعيوب النساء ونحو ذلك. وأحيانا ربما يكتفي بشهادة امرأة واحدة، كالولادة إذ تقبل فيها شهادة قابلة واحدة، وكذلك الرضاع، كما تقبل شهادة النساء منفردات في صور أخرى، منها: شهادة النساء في الوصية إذا لم يحضرها إلا النساء. ونوع تقبل فيه شهادتهن مع الرجال، ويدخل فيه المسألة محل التلبيس.
 
ونوع تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة في مقابل شهادة الرجل الواحد، سواء بسواء، بنص القرآن الكريم، في قوله سبحانه وتعالى: في شهادات اللعان -التي تطلب في حال قذف الرجل زوجه مع عدم وجود شهود "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" وهي من القضايا التي يستبعد أن تضل فيها المرأة.

أما قوله تعالى " فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُل وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاء أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" فالمعنى: أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلّت، أي أخطأت لعدم ضبطها؛ فتكون شهادة إحداهما متممة لشهادة الأخرى.
 
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في معنى الآية:

 

"فيه دليل على استشهاد امرأتين مكان رجل، إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله "وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل"... فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات: إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة أو الاستهلال أو الارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة".

 

ومما لحظه العلماء: أن الأمور التي تكون شهادة المرأة فيها في مقابل نصف شهادة الرجل، هي في الغالب من الأمور التي ليس من شأن المرأة الاشتغال بها، كالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة، لقلة اشتغالها بها، بينما تكون قوية الحفظ والضبط في الأمور المنزلية التي هي شغلها الأنسب، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل، وذلك أن من طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوي تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها.
 

العلم الحديث يؤيد حديث النبي

ما ينبغي الالتفات إليه هنا، أن العلم الحديث كشف عن جانب علمي ربما كان له صلة بالمعنى الذي أشار إليه النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله:  وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل.. الذي رواه مسلم؛ فقد نشرت مجلة العلوم الأمريكية عدد 5 مايو 1994 دراسة للباحثة في الأسس العصبية والهرمونية: دورين كيمورا، تحت عنوان "الفوارق في الدماغ بين الزوجين" تؤكد فيها وجود فروق بين الجنسين في الدماغ، منها ما يتعلق بالكيفية التي يحل بها كل منهما المشكلات الفكرية، وتثبت أن هذه الفروق لا ترجع إلى مجرد النقص في الخبرة لدى النساء فقط، لأن الدلائل تشير إلى أن آثار الهرمونات الجنسية في تنظيم الدماغ تحدث في مرحلة مبكرة من الحياة.

وأن الدراسات السلوكية والعصبية والهرمونية أوضحت العمليات المؤدية إلى حدوث الفوارق في الدماغ بين الجنسين، وأن الفوارق الجوهرية تكمن في الطرز المختلفة للمهارات الفكرية الخاصة. وعلى كل حال، فنقص عقل المرأة يظهر في الحالات التي تغلب عاطفتها عقلها في كثير من الأحيان، وتحدث لها هذه الحالة اكثر مما يحدث عند الرجل ولا يُنكر هذا إلا مكابر.
 

أحكام الإسلام قامت على العدل

 

وهكذا ندرك أن أحكام الإسلام قامت على العدل والتكامل في أحكامها فلا ينبغي النظر إلى تعامل الإسلام مع المرأة دونما النظر إلى تعامله مع الرجل، فقد أعطى المرأة نصف الميراث في بعض الحالات، وألزم الرجل بالنفقة في كل الحالات، وجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل في بعض الحالات والتي يغلب فيها أن تكون من شأن الرجل، واكتفى بشهادة المرأة وحدها دون الرجل فيما يخص المرأة وأبطل بشهادتها شهادة الرجل فيما تختص هي به كشهادتها في اللعان، وراعى الإسلام تكوين المرأة العاطفي فأعطاها حق الصحبة الحسنة مضاعفًا من الأبناء لأنه جعل وظيفتها الأولى العناية بهم.
 
وجعل للرجل والذي يزيد بحسب تكوينه العقلي القوامة، ولم تكن تشريفًا لكنها تكليفًا، يستلزم منها النفقة والمسؤولية الكاملة عن المرأة وأبنائها، ولأن الرجل يزداد بسطة في الجسم عن المرأة كان الكدح في الأرض من اختصاصه وهو الأولى به، ولو قبلنا مبدأ المساواة التي تنادي به النسويات فهذا يقتضي أن تتصدر المرأة للقتال وللدفاع عن الحمى وهذا الذي لا تطيقه المرأة عاطفة وجسمًا، بل جعل الله الرجل الذي يقاتل حماية عنها في منزلة الشهيد "من قتل دون عرضه فهو شهيد"
 
فأي إعزاز للمرأة أعزها الله به! وأي كرامة تتحلى بها ولكن هذه الكرامة والتكريم خاص بأهل الإيمان الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، فـ "حظ الإنسان من الكرامة والسلامة من الإهانة بحسب حظه من الإيمان قولا واعتقادا وعملا، فمن طلب العزة بغير الدين ذل، ومن رام الكرامة بغير الإسلام أهين"
 
ولكن مناط إدراك هذا التكريم تحقيق العبودية بمعناها العميق الممتد لله فيما خفى وظهر، والتسليم لله والرضا بحكمة "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
 
أما الانهبار بدعوى النسويات من انتكاسة الفطرة ومصادمة السنن الكونية فلن يثمر إلا الشوك، وللأسف لا يدمي سوى أكف النساء والتي ظهرت الحركة تدعي نصرتهن "يتطرق كتّاب للتدهور الخطير في النظر للمرأة ومحاولة سلبها أنوثتها وخصوصيتها التي فطرها الله عليها مما دفع مئات المنظمات النسائية ليس في العالم الإسلامي فقط، بل في معظم بلدان الغرب للوقوف ضد نشر الجندر"
 

وضع المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية


ويظهر تقرير U.S.A TODAY الذي تحدث عن الوضع في الولايات المتحدة أن:
 
80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاما هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن
75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي.
80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد.
87% يرين أنه لو عادت عجلة الحياة للوراء لاعتبرن المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة وقاومت اللواتي يرفعن شعاراتها.

 


 

المصدر:

  1. د. وضحى بنت مسفر القحطاني، النسوية في ضوء منهج النقد الإسلامي، ص39
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية
اقرأ أيضا
أخبار الأنبياء والرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

أخبار الأنبياء والرسل


تعليق لشيخ الإسلام ابن تيمية على تواتر أخبار الرسل التي وصلتنا من طرق مختلفة فجميع أهل الأرض الآن يعلمون أنه كان هناك رسل وهؤلاء الرسل كان لهم أتباع ومخالفون وأن الله في النهاية نصر الفريق الأولى من اتبعوا الرسل وأخزى الفريق الآخر ونقل هذه الأخبار يؤسس معرفية يقينية حتمية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2231
هل شك إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل شك إبراهيم عليه السلام


يقول بعض الطاعنين في القرآن الكريم أن بعض الآيات صورت سيدنا إبراهيم بغير ما يليق به وهذا دليل على أن القرآن ليس وحيا من عند الله ويستندون في ذلك إلى مسألة ربوبية الشمس والقمر وإلى طلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يشهد عملية الإحياء والرد على هذا الزعم الباطل في المقال الذي بين يدينا بقلم الدكتور منقذ السقار

بقلم: د منقذ محمود السقار
2485
الضباب العقلي | مرابط
ثقافة

الضباب العقلي


إن قضاء الكثير من الوقت أمام شاشة التلفزيون يصيب العقل بنوع من الخمول فالشخص الذي يكثر من مشاهدة التلفزيون تجده ثقيلا بطيء الحركة ويميل بشدة إلى أحلام اليقظة ويتعب من إعماله لعقله وسرعان ما يفقد التركيز

بقلم: محمد علي فرح
444
نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الثاني | مرابط
تاريخ مقالات

نابليون والمهمة الحضارية: سأستعمر مصر الجزء الثاني


الحملة الفرنسية التي حملت الكثير من التناقضات وكشفت الوجه الحقيقي والقبيح لفرنسا كحركة استعمارية تقوم على السلب والنهب والعداء الصريح للإسلام رغم ذلك أحاطها المؤرخون وغلفها الكتاب بكتلة من مساحيق التجميل حتى تبدو خلاف ما هي عليه وكما يقول المؤلف: رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التي صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية إلى يومنا هذا فإن نابليون كان صريحا وواضحا في تحديد مهمته في مصر عندما قال: سأستعمر مصر

بقلم: محمد جلال كشك
2107
مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الأول


بعدما وصلت الموجة العلمية كل العالم تقريبا والتحديثات قد طالت كل شيء في الحياة ظهرت بعض الأدعياء يقولون أن هذا العالم الجديد لا مكان للدين فيه بل ظهرت نظرية جديدة في الطرف المقابل مضمونها أن الأديان وإن كانت عريقة في القدم لكن تقدمها الزماني لا يكسبها صفة الثبات والخلود بل هو بالعكس يطبعها بطابع الشيخوخة والهرم وينذر بأن مصيرها إلى الاضمحلال والفناء وفي هذا المقال بجزئيه رد على هذه النظرية وتلك الأباطيل

بقلم: محمد عبد الله دراز
2144
الإنسان في تصوير الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين فكر اقتباسات وقطوف

الإنسان في تصوير الإسلام


الإنسان في تصوير الإسلام هو ذلك الكائن المزدوج الطبيعة المكون من قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله ممتزجتين مترابطتين غير منفصلتين ومن ثم لا يكون قبضة طين خالصة فيهبط كالجماد أو الحيوان ولا نفخة روح خالصة فيؤله أو يتأله

بقلم: محمد قطب
2411