الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني

الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: حسن حسين الوالي

2452 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الفطرة السليمة والعقيدة الإسلامية

هذه الدعوات والبرامج مهما كانت أهدافُها وغاياتها، إلاَّ أنَّها تتنافَى والفطرةَ التي خلق الله عليها الإنسان رجلًا وامرأة، وتصطدم -وبشكل سافر- بعقيدتنا ودِيننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أنَّ الإنسان الذي خَلقَه الله ربُّ العالمين مِن زوجين اثنين؛ آدم وحواء - جزءٌ من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والذي يحقِّق بها التوازن، والثبات والأعمار.
 
هذه الحقيقة التي أقرَّها الله في شريعته، وأنزلها على أنبيائه الذين علَّموها للبشر، شرائع ونواميس تنظِّم الحياة الإنسانية، وتُحافِظ على إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله، وأمر الملائكة بالسجود له، وتتكفَّل له بطريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة؛ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
 

العلاقة بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي نؤمِن به رجالًا ونساءً جَعَل العلاقة بينهما علاقةَ مودة ورحمة وسكن، تُبنَى فيه الأُسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرْد والمجتمع، والدولة والأمَّة، ونؤمِن بأنَّ كل ما جاء به هذا الدِّين هو حقٌّ، وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- له فيه حِكمة قد لا ندركها كبَشَر في مكانٍ ما وزمان ما؛ قال -سبحانه وتعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، فهم قوَّامون على النساء، ولكن بضوابط وضَعَها الشرع؛ حفاظًا على هذه المرأة، التي هي مخلوقة من مخلوقات ربِّ العالمين، حالُها كحال الرجل، فكيف يظلم الله مخلوقًا خَلَقه؟!
 
فإذا كان الرجل قوَّامًا على المرأة، فإنَّ النساء كُرِّمن بسورة خاصَّة بهنّ، فيها من الضوابط والأحكام ما فيه؛ حفاظًا على كرامة المرأة وإنسانيتها، وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والشرعيَّة.
 
ما أتمنَّاه لكلِّ امرأة معذَّبة مضللة، تسعى نحو وهمٍ كاذب في الحرية التي فيها عبوديتها وهلاكها، حالها حال الفراشة الحائمة حولَ نور المصباح.
 
إنَّ رب العالمين خصَّ مريم بنتَ عمران بتكريم ربَّاني، وتطهير وتزكية، وهي امرأة.
 

الاختلاف بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلاف ليس تفضيلًا للرجل على المرأة، بل تفضيل لكلٍّ منهما على الآخر في كلِّ مجال من مجالات الاختلاف؛ قال تعالى {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
 
هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلافات بين الرِّجال والنساء، ونهانا عنها تربيةً لنا رجالًا ونساء؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لَعَن الله المتشبهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساء بالرجال)).
 
وهذا الدِّين الذي أوصانا بالنِّساء خيرًا، فجعل مَن يكرمهنَّ هو الكريم، وأمرنا بالرِّفق بالقوارير، فقد كان آخِرُ كلام نبينا الحبيب -صلوات الله عليه وسلم-: ((أوصيكم بالنِّساء خيرًا)).
 

الدعوات الكاذبة

فإذا كانت الدعوات الكاذبة لأصحاب الفِكر الفاسد، والقلوب الخَرِبة، والنفسيات المشوهة، ذكورًا وإناثًا، وإن حاولوا أن يُغلِّفوها بغلاف من الزيف، ويُزيِّنوها بدعوات كاذبة، وشعارات رنانة؛ بدعوى السعي للدِّفاع عن حرية المرأة، أو تخليصها مِن ظُلم يقع عليها، أو تفعيل دورها في المجتمع....إلخ، وهي دعواتٌ كاذبة، تُغطَّى بستار من الضلالة، الغاية النهائية للمروِّجين والمروِّجات لأفكار (الجندر) بكل ما يحمل من تقليعات ومسميات من جندرة اللغة، وجندرة السياسة، وجندرة الأدب، وجندرة الأُسرة، وجندرة الاقتصاد...إلخ، مما أفرزته العقلياتُ المريضة، والنفسيات المشوهة المسيطرة في مؤتمرات بِكين والقاهرة، وصنعاء وروما، من أفكار رفضتها معظمُ الدول المشارِكة في هذه المؤتمرات؛ لأنَّها تتنافَى والفطرة.
 
ونرفضها نحن بقلوبنا، بعقولنا، بألسنتنا، وبكلِّ ما أوتينا من قوَّة؛ لأنها إذا كانت تتنافى مع الفطرة، فهي تصطدم بمعتقداتنا ودِيننا الإسلامي، وقِيَمِنا الأصيلة.
 
وهو رفضٌ لا يحمل شبهةَ الوقوف في وجه حقوق المرأة؛ بل هو رفضٌ يحافظ على المرأة، ويضعها في المكانة السامية التي اصطفاها لها ربُّ العالمين، بأقدس رسالة، وهي الأمومة التي رفعتْ درجتَها في الدِّين والدنيا ثلاثة أضعاف درجةِ الرجل؛ ((قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أبوك))، هذا الاصطفاء الذي لم يقف عائقًا في وجه المرأة لأن تكونَ شاعرة وفارسة وممرِّضة..

فتحتَ جناح هذا الدِّين ترعرعت النِّساء، وسجلنَ للتاريخ أسمى أمثلة، وفي شتَّى المجالات، في التمريض كانت الصحابية رُفيدة، ونَسِيبة بنت كعب الفارسة، عنها يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شِمالًا إلاَّ وأراها تقاتل دوني))، وفي الطبِّ كانت الطبيبة المداوية   الشِّفاء بنت عبدالله، وعلى هُدَى القرآن الكريم ودَرْب المصطفى إلى يومِنا هذا، كم مِن نَسيبة بنت كعب، وكم من الشفاء بنت عبدالله، ترعرعن في كنف أُسرة قامتْ على أساس مِنَ السكن والسكينة، وكان بين ركنيها - الرجل والمرأة - المودة والرحمة، وليس الصِّراع القائم على مفاهيمَ تناحرية مِن منطلق اعتقاد المرأة بأنَّ دورها في الأسرة عِبارةٌ عن اضطهاد لها، ويجب أن تُصارِع مضطهدَها؛ لتنتصرَ عليه، وإن لزم الأمرُ تبحث عن القوَّة والتمكين من خارج الأُسرة، والجندريون جاهزون!!
 
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدِّين، يحترم آدميتَنا، ويُخرجنا من عبادة العِباد إلى عبادة ربِّ العباد، وأكرمنا بأن جعلنا مسلمين موحدين، وشرَّفَنا بأشرف الخَلْق محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - النبي الأمين، وشرَّفنا بالقرآن الكريم؛ حُجَّة على الكافرين والفاسقين إلى يوم الدِّين.
 
وكرَّمنا فلسطينيِّين على هذه الأرض المقدَّسة، ساحل من سواحل الشام، أو بيت المقدس وأكنافه، نعيش مرابطين محتسبِين، ونقضي شهداء - بإذن الله

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
الإسلام الوسطي المعتدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الإسلام الوسطي المعتدل


يتردد على ألسنة كثير من الناس في عصرنا مصطلح الإسلام الوسطي أو الإسلام المعتدل ويقصدون به أننا نتمسك بالإسلام وفق رؤية معتدلة لا غلو فيها ولا تطرف وهذا المعنى من حيث هو ليس محل إشكال فالتمسك بالإسلام باعتدال ونبذ الغلو والتطرف أو التحلل والتفريط مسلك حسن ولا يختلف عليه أحد لكن التعامل مع هذه المقولة لا ينبغي أن يكون بهذه السهولة وأنها مجرد تعبير عن ضرورة التمسك بالإسلام ونبذ الانحراف عنه بالغلو أو الجفاء بل نحن أمام سياقات ومضمرات تتضمنها هذه المقولة لا بد من فحصها وإظهار ما فيها من مشكلات

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2073
الانتفاع بالقرآن الكريم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الانتفاع بالقرآن الكريم


كثيرا ما يحدث أن يقرأ المسلم القرآن الكريم ويشعر أنه لا ينتفع به وهذا لوجود عدد من الحوائل التي تمنع ذلك وبين يديكم نصيحة غالية من الإمام ابن القيم منتقاة من كتاب الفوائد يضع أمامنا طريقا لاحبا للانتفاع بالقرآن الكريم فإذا أردت أن تنتفع بالقرآن اقرأ هذه النصيحة النفيسة وتمسك بها

بقلم: ابن القيم
831
لئن كان قال ذلك لقد صدق | مرابط
تعزيز اليقين

لئن كان قال ذلك لقد صدق


المتأمل لما قاله أبو بكر رضي الله عنه لئن كان قال ذلك لقد صدق يدرك أن هناك قاعدة تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه فهذه العبارة ليست عشوائية ولم تأت اعتباطا لو كان النبي قال كذا فقد صدق إذن أيا كان الذي قاله النبي إنه صادق في كل ما يقول المهم أن يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال ما قال إنه التسليم المطلق للوحي ولمثل هذا كان أبو بكر هو الصديق فالتسليم هو محض الصديقية كما يقول ابن القيم رحمه الله وهذه هي القاعدة التي تأسس عليها إيمان الصديق رضي الله عنه

بقلم: محمود خطاب
817
إبراهيم عليه السلام يحاجج النمرود | مرابط
اقتباسات وقطوف

إبراهيم عليه السلام يحاجج النمرود


لم يكن إبراهيم بذلك الرجل يناقش الضعفاء والعامة ويترك الأقوياء والكبراء وإنما كان يثبت الحق عند الجميع لم يكن ليخاف في الله لومة لائم ولذلك لما وصلت القضية إلى النمرود قام إبراهيم لله بالحجة بين يديه فأمره ونهاه وقام لله بالحجة على هذا الطاغية

بقلم: محمد المنجد
618
النهي عن تمني الموت والإجتهاد في الطاعة قبل مجيئة | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

النهي عن تمني الموت والإجتهاد في الطاعة قبل مجيئة


خرج الترمذي من حديث يحيى بن عبيد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون إزداد وإن كان مسيئا ندم أن يكون نزع وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هشام الرفاعي حدثنا حفص بن غياث عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر دفن حديثا فقال: لركعتان خفيفتان مما تحقرون أو تنفلون يراهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم

بقلم: ابن رجب الحنبلي
1211
أهل العزة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أهل العزة


إن العزة قد تكون في الحق فيكون صاحبها عزيزا ولو كان ضعيفا مستضاما لا يذل للخلق ولا يتنازل عن شيء من دينه.. عزيز بعزة الله تعالى لأنه قد شرف بعبوديته له والانتساب لدينه والفخر بإسلامه وتطبيق شريعته ولو سخر منه الساخرون واستهزأ به المنافقون

بقلم: د. إبراهيم بن محمد الحقيل
432