الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني

الجندر: المفهوم والحقيقة والغاية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: حسن حسين الوالي

2101 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الفطرة السليمة والعقيدة الإسلامية

هذه الدعوات والبرامج مهما كانت أهدافُها وغاياتها، إلاَّ أنَّها تتنافَى والفطرةَ التي خلق الله عليها الإنسان رجلًا وامرأة، وتصطدم -وبشكل سافر- بعقيدتنا ودِيننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أنَّ الإنسان الذي خَلقَه الله ربُّ العالمين مِن زوجين اثنين؛ آدم وحواء - جزءٌ من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والذي يحقِّق بها التوازن، والثبات والأعمار.
 
هذه الحقيقة التي أقرَّها الله في شريعته، وأنزلها على أنبيائه الذين علَّموها للبشر، شرائع ونواميس تنظِّم الحياة الإنسانية، وتُحافِظ على إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله، وأمر الملائكة بالسجود له، وتتكفَّل له بطريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة؛ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
 

العلاقة بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي نؤمِن به رجالًا ونساءً جَعَل العلاقة بينهما علاقةَ مودة ورحمة وسكن، تُبنَى فيه الأُسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرْد والمجتمع، والدولة والأمَّة، ونؤمِن بأنَّ كل ما جاء به هذا الدِّين هو حقٌّ، وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- له فيه حِكمة قد لا ندركها كبَشَر في مكانٍ ما وزمان ما؛ قال -سبحانه وتعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، فهم قوَّامون على النساء، ولكن بضوابط وضَعَها الشرع؛ حفاظًا على هذه المرأة، التي هي مخلوقة من مخلوقات ربِّ العالمين، حالُها كحال الرجل، فكيف يظلم الله مخلوقًا خَلَقه؟!
 
فإذا كان الرجل قوَّامًا على المرأة، فإنَّ النساء كُرِّمن بسورة خاصَّة بهنّ، فيها من الضوابط والأحكام ما فيه؛ حفاظًا على كرامة المرأة وإنسانيتها، وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والشرعيَّة.
 
ما أتمنَّاه لكلِّ امرأة معذَّبة مضللة، تسعى نحو وهمٍ كاذب في الحرية التي فيها عبوديتها وهلاكها، حالها حال الفراشة الحائمة حولَ نور المصباح.
 
إنَّ رب العالمين خصَّ مريم بنتَ عمران بتكريم ربَّاني، وتطهير وتزكية، وهي امرأة.
 

الاختلاف بين الرجل والمرأة

هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلاف ليس تفضيلًا للرجل على المرأة، بل تفضيل لكلٍّ منهما على الآخر في كلِّ مجال من مجالات الاختلاف؛ قال تعالى {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
 
هذا الدِّين الذي أقرَّ الاختلافات بين الرِّجال والنساء، ونهانا عنها تربيةً لنا رجالًا ونساء؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لَعَن الله المتشبهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبهاتِ من النساء بالرجال)).
 
وهذا الدِّين الذي أوصانا بالنِّساء خيرًا، فجعل مَن يكرمهنَّ هو الكريم، وأمرنا بالرِّفق بالقوارير، فقد كان آخِرُ كلام نبينا الحبيب -صلوات الله عليه وسلم-: ((أوصيكم بالنِّساء خيرًا)).
 

الدعوات الكاذبة

فإذا كانت الدعوات الكاذبة لأصحاب الفِكر الفاسد، والقلوب الخَرِبة، والنفسيات المشوهة، ذكورًا وإناثًا، وإن حاولوا أن يُغلِّفوها بغلاف من الزيف، ويُزيِّنوها بدعوات كاذبة، وشعارات رنانة؛ بدعوى السعي للدِّفاع عن حرية المرأة، أو تخليصها مِن ظُلم يقع عليها، أو تفعيل دورها في المجتمع....إلخ، وهي دعواتٌ كاذبة، تُغطَّى بستار من الضلالة، الغاية النهائية للمروِّجين والمروِّجات لأفكار (الجندر) بكل ما يحمل من تقليعات ومسميات من جندرة اللغة، وجندرة السياسة، وجندرة الأدب، وجندرة الأُسرة، وجندرة الاقتصاد...إلخ، مما أفرزته العقلياتُ المريضة، والنفسيات المشوهة المسيطرة في مؤتمرات بِكين والقاهرة، وصنعاء وروما، من أفكار رفضتها معظمُ الدول المشارِكة في هذه المؤتمرات؛ لأنَّها تتنافَى والفطرة.
 
ونرفضها نحن بقلوبنا، بعقولنا، بألسنتنا، وبكلِّ ما أوتينا من قوَّة؛ لأنها إذا كانت تتنافى مع الفطرة، فهي تصطدم بمعتقداتنا ودِيننا الإسلامي، وقِيَمِنا الأصيلة.
 
وهو رفضٌ لا يحمل شبهةَ الوقوف في وجه حقوق المرأة؛ بل هو رفضٌ يحافظ على المرأة، ويضعها في المكانة السامية التي اصطفاها لها ربُّ العالمين، بأقدس رسالة، وهي الأمومة التي رفعتْ درجتَها في الدِّين والدنيا ثلاثة أضعاف درجةِ الرجل؛ ((قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أمك، ثم مَن؟ قال: أبوك))، هذا الاصطفاء الذي لم يقف عائقًا في وجه المرأة لأن تكونَ شاعرة وفارسة وممرِّضة..

فتحتَ جناح هذا الدِّين ترعرعت النِّساء، وسجلنَ للتاريخ أسمى أمثلة، وفي شتَّى المجالات، في التمريض كانت الصحابية رُفيدة، ونَسِيبة بنت كعب الفارسة، عنها يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شِمالًا إلاَّ وأراها تقاتل دوني))، وفي الطبِّ كانت الطبيبة المداوية   الشِّفاء بنت عبدالله، وعلى هُدَى القرآن الكريم ودَرْب المصطفى إلى يومِنا هذا، كم مِن نَسيبة بنت كعب، وكم من الشفاء بنت عبدالله، ترعرعن في كنف أُسرة قامتْ على أساس مِنَ السكن والسكينة، وكان بين ركنيها - الرجل والمرأة - المودة والرحمة، وليس الصِّراع القائم على مفاهيمَ تناحرية مِن منطلق اعتقاد المرأة بأنَّ دورها في الأسرة عِبارةٌ عن اضطهاد لها، ويجب أن تُصارِع مضطهدَها؛ لتنتصرَ عليه، وإن لزم الأمرُ تبحث عن القوَّة والتمكين من خارج الأُسرة، والجندريون جاهزون!!
 
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدِّين، يحترم آدميتَنا، ويُخرجنا من عبادة العِباد إلى عبادة ربِّ العباد، وأكرمنا بأن جعلنا مسلمين موحدين، وشرَّفَنا بأشرف الخَلْق محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - النبي الأمين، وشرَّفنا بالقرآن الكريم؛ حُجَّة على الكافرين والفاسقين إلى يوم الدِّين.
 
وكرَّمنا فلسطينيِّين على هذه الأرض المقدَّسة، ساحل من سواحل الشام، أو بيت المقدس وأكنافه، نعيش مرابطين محتسبِين، ونقضي شهداء - بإذن الله

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط
تفريغات

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل


إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل المحبة الخوف الرجاء وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح السجود لغير الله سؤال غير الله التضرع لغير الله كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه لأنه عرف شيئا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم

بقلم: عبد العزيز الطريفي
120
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1


من الكلمات الجميلة جدا يقول صلى الله عليه وسلم: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع يعني: عندما تأتي لطلب العلم تقابلك الملائكة في الطريق -وأنت لا تراها لكن هي تراك- فتضع أجنحتها لك تواضعا لك وتعظيما لك وتكريما وتبجيلا لك تقف لك الملائكة في الطريق هكذا لأنك تذهب إلى مجلس علم تلتمس علما انظر إلى عظم الأمر تغيرات كونية هائلة تنزل الملائكة وتضع أجنحتها لا تحرسك فقط بل تتواضع لك وتبجلك وتعظمك

بقلم: د راغب السرجاني
354
بين الإمام أحمد والكرابيسي | مرابط
مناظرات فكر مقالات

بين الإمام أحمد والكرابيسي


من باب المباحثة مع إخوتي الكرام حول قصة الإمام أحمد مع حسين الكرابيسي المشهورة وشدة موقف الإمام أحمد منه كما جاء ذلك عنه بروايات كثيرة وهنا في هذه الخاطرة القصيرة محاولة لتسليط المجهر حول هذه القصة وتداعياتها والبحث عن ملابساتها وواقعها الزمني قبل الحكم عليها

بقلم: عبد اللطيف بن عبد الله التويجري
1765
المجتمع الديموقراطي | مرابط
اقتباسات وقطوف الديمقراطية

المجتمع الديموقراطي


إذا وقفنا على مفهوم المجتمع الديموقراطي سنجد أكثر من تعريف ويبدو أن هناك طرفين أساسيين يتجاذبان تعريف هذا المجتمع الأول هو الغارق في المثالية المطلقة التي لا تعرف للواقع طريقا والثاني هو الواقعي المستمد من حياة الأنظمة الحاكمة وبين يديكم مقتطف للكاتب نعوم تشومسكي يوضح فيه هذين التعريفين

بقلم: نعوم تشومسكي
439
زهرة الدنيا وزينتها | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

زهرة الدنيا وزينتها


هذا الذي يخشاه الرسول عليه السلام ما سيفتحه الله عز وجل من مغانم ومكاسب تأتي بسبب اتساع الدعوة الإسلامية وهذا ما وقع ولذلك كان بعض الصحابة يخشون على أنفسهم أن يكونوا قد فتنوا بزهرة الدنيا وزينتها حينما جاءتهم الأموال فكان الواحد منهم يعمل طيلة النهار ليحصل على قوت يومه

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
212
التمركز حول الأنثى | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

التمركز حول الأنثى


وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية وأهم المؤسسات التي يحتفظ الإنسان من خلالها بذاكرته التاريخية وهويته القومية ومنظومته القيمية

بقلم: عبد الوهاب المسيري
258