الجنس الثالث

الجنس الثالث | مرابط

الكاتب: محمد محمد حسين

256 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أحسن ما قرأته في وصف النساء المترجِّلات، اللاتي يأبين إلَّا الخروج على فطرتهن، والزجَّ بأنفسهن في ميادين الرجال، تسميةُ أحد كتاب الإِنجليز لهن "الجنس الثالث". فالواقع أن هذه التسمية وصف صادق كل الصدق لهذه الطبقة الجديدة من النساء التي برزت مشكلتها في المجتمع الأوروبي منذ أواخر القرن الميلادي الماضي، بعد أن تكاثر عددها فيه وطغى سيلها. ذلك لأنهن قد فقدن أنوثتهن فلم يعدن نساء، وابتذلن أجسادهن وأرْخَضْن مفاتهن حتى عافها الرجال وانصرفوا عنها. ثم إن فطرتهن وخلقتهن تأبى عليهن من بعدُ أن يَدْخلن في عِدَاد الرجال. من أجل ذلك سماهن ذلك الكاتب الإنجليزي الحصيف “الجنس الثالث”.

بعد أن أخرجن أنفسهن من عداد النساء واستحال عليهن أن يدخلن في عداد الرجال، فهن يخالفن الرجال طبيعة وتركيبًا، ويخالفن النساء وظائف وأعمالًا. “وقد درس هذا الأستاذ أحوالهن درسًا مدققًا فوجد أنهن يتركن الزواج. وبانتزاعهن أنفسهن من وظائفهن الطبيعية كالأمومة وما يتبعها قد تغيرت إحساساتهن عن إحساسات بنات جنسهن، وصرن في حالة من الكآبة تشبه أعراض الماليخوليا”

أساءت المرأة إلى نفسها وأساء إليها الذين ظاهروها وأعانوها ممن يزعمون أنهم أنصارها. فقد كانت ريحانة تشَمّ، فأصبحت مشكلًا يتطلب الحل، وكانت عِرْضًا يصان وأمانة تحفظ، فأصبحت حملًا ثقيلا يضيق به الأب والأخ ويتحتم معه على المرأة أن تعمل لتعيش. نشأ الجيل السابق على أن يكفلها ويكفيها حاجتها، وكان هذا التقليد عقيدة مركوزة في أعماق كل نفس، يحرسها الإجماع عليها, ولا يخطر لأب أو ابن أو أخ أو زوج أن يتخلى عنه ويخرج من عهدته، فلما عملت المرأة لنفسها وشاع ذلك في المجتمع ماتت هذه العادة، وماتت معها الروءة التي كانت تدفع إليها.

والغيرة التي كانت سببًا في المحافظة عليها، وأصبحت المرأة إذا لم تبحث عن العمل من نفسها دفعها وليها إليه دفعًا وألزمها به إلزامًا. بل لقد أصبح القانون يلزمها بالعمل في النظام الشيوعي، وأصبح الواقع يلزمها به في النظام الرأسمالي. وأصبحت التي لا تعمل في أيامنا لا تجد اللقمة ولا تجد الزوج, لأن الرجال إن عدموا ذوات المال من الزوجات بحثوا عن الكادحات الكاسبات. وكاد ذلك يصبح قانونًا من قوانين حياتنا يقضي على المستعففات بالبوار والهلاك. فهل هذا هو ما يسميه الخادعون والمخدوعون والخادعات والمخدوعات "حقوق المرأة"؟

وفي الوقت الذي يتجرع فيه الغرب آثار خروج المرأة على فطرتها ووظيفتها، كان بعض كتابنا ومفكرينا ينادون بأن نأخذ في ذلك الطريق الذي انتهى بالغرب إلى ما هو فيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية هزت دعائم مجتمعه هزًَّا عنيفًا أفقده استقراره واتزانه وعرَّض سلامته وكيانه لأشد الأخطار.

ولقد يبدو للدارس المتأمل أن المرأة لا توضع الآن حيث تدعو الحاجة - صحيحة كانت أو مزعومة - إلى أن توضع، ولكنها توضع لإِثبات وجودها في كل مكان، ولإِقحامها على كل ما كان العقل والعرف ينادي بعدم صلاحيتها له.

فليس المقصود بتوظيفها في هذه الأيام سد حاجة موجودة، ولكن المقصود هو مخالفة عرف راسخ، وتحطيم قاعدة قائمة مقررة، وإقامة عرف جديد في الدين وفي الأخلاق وفي الذوق، وخلق المبررات والمقومات التي تجعل انسلاخنا من إسلامنا وعروبتنا وشرقيتنا أمرًا واقعًا، كما تجعل دخولنا في دين الغرب ومذاهب الغرب وفسق الغرب أمرًا واقعًا كذلك.

وأخطر ما في هذه الدعوة وأمثالها مما يراد به حملنا على كل فاسد من مذاهب الغرب أن أصحابها يريدون إقحامها على إسلامنا زاعمين أنها لا تعارضه. وقد كان قاسم أمين هو أول من جرَّأ الناس على تحريف النصوص حين طلع علينا بطائفة من المزاعم التي تقوم على المجازفة، ومن النصوص الحرفة عن مواضعها والمخلوعة من سياقها خلعًا يخرجها عن مدلولها، وحين تصيَّد من كتب التاريخ ورواياته - على اختلاف درجاتها ودرجات مؤلفيها - كلَّ شاذ غريب فحشدها في حيِّز واحد وضمَّ بعض أشتاتها إلى بعض، حتى خيَّل إلى قارئها أنها - على شذوذها وقلتها - شيء مألوف كثير الوقوع.

ومع أن هذا الذي جمعه هو خلاصة ما في الكتب - صحيحها وسقيمها - من غرائب الأخبار والآراء التىِ تصور حالات شاذة نادرة لا تنهض بها حجة ولا يَبْطُلْ بها عرف، ومع أن كثيرًا من النصوص التاريخية أو الفقهية التي اقتطفها ناقصة الدلالة غامضة العبارة، فقد استطاع أن يروج ذلك كله بين الناس بمرور الأيام، بفضل قوة حزبه الذي كان يسميه اللورد كرومر. حزب الشيِخ مُحَمَّدْ عبده حتى أصبحت هذه النصوص مِنْ بعدُ - على فساد الاستدلال بها - هي البضاعة المشتركة لمتابعي دعوته ومطوِّريها.

وذلك كله هو الذي دعا الشاعر شوقي - رحمه الله - إلى أن يتساءل عن حقيقة صنيع قاسم أمين: أهو غيرة المدافع عن النصوص الإِسلامية، أم هو إغارة المحرف لها عن مواضعها؟. وذلك من قصيدة له ألقاها سنة ١٩٢٨ م، وعرض فيها للباقته في الاستدلال، وبراعته في الجدال، فقال:

ولك البيان الجَزْلُ في ... أثنائه العلم الغزير
في مطلبٍ خشنٍ كثيـ ... رٍ في مزالقه العثور
ما بالكتاب ولا الحديث ... إذا ذكرتهما نكير
حتى لنسأل: هل تغا ... ر على العقائد أم تغير؟

وقد لا تكون هناك نصوص صريحة في القرآن أو في الحديث تمنع المرأة من العمل في خارج البيت لكسب عيشها حين تدعو إلى ذلك ضرورة، ولكن من المؤكد أن اتخاذ هذه السنة أصلًا من أصول التنظيم الاجتماعي يخالف روح الشريعة ويناقض كثيرًا من نصوصها ويتعارض مع كثير من شرائعها وحدودها تعارضًا واضحًا.


المصدر:
محمد محمد حسين، حصوننا مهددة من الداخل

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
تجريم التعظيم | مرابط
مقالات

تجريم التعظيم


الغضب لله أصبح في مجتمعات المسلمين مجرما تجرمه القوانين بل ويجرمه كثير من النخب والرموز الدعوية والهيئات الإسلامية حتى صارت ثقافة تجريم التعظيم شائعة في المسلمين وساعد في نشر هذه الثقافة وجود ممارسات سيئة من بعض الجماعات الإسلامية فكردة فعل عليها هرب الناس من رمضاء الغلو إلى نار التهاون في حق الله وحق رسوله وحق دينه وهذا التهاون لا يقل خطورة أبدا عن خطورة الغلو

بقلم: إياد قنيبي
612
العلمانية الجزء الثاني | مرابط
العالمانية

العلمانية الجزء الثاني


مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر

بقلم: الندوة العالمية للشباب الإسلامي
2058
يا بلال قم فناد بالصلاة | مرابط
اقتباسات وقطوف

يا بلال قم فناد بالصلاة


فائدة منتقاة من فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بخصوص حديث النبي صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة فيدور الحديث هنا على حجية القيام وعلى المقصود بالمناداة والمراد منها ويعرض لنا آراء السلف في ذلك

بقلم: ابن حجر العسقلاني
594
منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

منزلة السنة من الكتاب الكريم الجزء الأول


إن القرآن روح الإسلام ومادته وفي آياته المحكمة شرع دستوره وبسطت دعوته وقد تكفل الله بحفظه فصينت به حقيقة الدين وكتب لها الخلود أبد الآبدين والرجل الذي اصطفاه الله لإبلاغ آياته وحمل رسالاته كان قرآنا حيا يسعى بين الناس كان مثالا لما صوره القرآن من إيمان وإخبات وسعي وجهاد وحق وقوة وفقه وبيان فلا جرم أن قوله وفعله وتقريره وأخلاقه وأحكامه ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين إن الله اختاره ليتحدث باسمه ويبلغ عنه فمن أولى منه بفهم مراد الله فيما قال ومن أولى منه بتحديد المسلك الذي...

بقلم: محمد الغزالي
1493
وسائل حفظ الوقت عند المرأة | مرابط
تفريغات المرأة

وسائل حفظ الوقت عند المرأة


سأذكر إن شاء الله تعالى الأشياء التي تعين المرأة على حفظ وقتها وأيضا مجالات قضاء الوقت أوكيف تقضي المرأة وقتها؟ أما الأشياء المعينة على قضاء الوقت فكثيرة: منها الخوف من الله وشعور المرأة بواجبها ومعرفة الأمكنة والأزمنة الفاضلة والمفضولة وغير ذلك مما سيتم تفصيله

بقلم: سعيد بن مسفر
394
الدين والعبادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الدين والعبادة


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من رسالة العبودية يتحدث فيها عن المعنى الحقيقي للعبادة وكيف أنها تستلزم الحب والذل في آن واحد وكذلك يشملهما معنى الدين وما هو المعنى العام للدين ومراحل أو درجات الحب وجدير بالمسلمين أن يدركوا هذه المعاني جيدا حتى تصفى عبادتهم لله

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2128