شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج1

شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج1 | مرابط

الكاتب: سامي عامري

1419 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة

يردّد المبغضون للحجاب من العالمانيين والمنصّرين أنّ الحجاب الحقيقي هو (حجاب القلب) ، وليس هو (مجرّد) قطعة قماش (تلقى) على الرأس!

الجواب:

هذه الشبهة سائرة على كثير من الألسن، ولا يخفى عل منصف بطلانها، بل وتناقضها الشنيع.. والردّ من أوجه:

 

المرأة ليست مجرد أداة للمتعة

أولًا/ إنّ الإسلام يقود المرأة إلى أن تعلم أنّها ليست مجرّد (أداة للمتعة) بل هي (إنسان) موفور الاعتبار الأدبي، والحظ الإنساني في الاحترام.. وإنّ المسلمة العاقلة تعلم أنّ مَن يلحّ عليها أن تنزع حجابها بدعوى الحريّة؛ إنّما هو يريد أن يتلصّص بعينيه الآثمتين على لحمها المغطّى، وأنّ رغبته في تجريدها من ستر العفّة ولباس الحشمة، لم تنبع إلاّ من حرصه على التنفيس عن الشهوة المتأججة في صدره، وإن كان يُلبس دعواه ثوب النصح والرغبة في (تحرير) المرأة من الظلم والقهر!!!!

إنّ الذي يدعو المرأة إلى السفور، لا يراها في الحقيقة في غير مقام الصاحبة والعشيقة.. أمّا ذاك الذي يدعوها إلى الستر؛ فليست هي في ذهنه إلاّ أمًا أو أختًا أو ابنة.. جزء من كيانه، وقطعة من روحه.. لا يرى نفسه إلا نصيرًا لها، يؤذيه أن تُعامل كدمية ملوّنة جوفاء؛ يلهو بها اللاهون، ثمّ يلقون بها إلى سلّة المهملات إذا ذهبت ألوانها بعوامل الزمن القاسي!!

 

الحجاب ليس مجرد قطعة قماش

ثانيا/ إنّ الحجاب ليس قطعة قماش تضعها المرأة على رأسها، وإنما هو غطاء مسبل، ونهج في الكلام والمعاملة والإحساس متقن.. إنّه منظومة عقدية وسلوكيّة وشعورية.. وإنّ الظنّ أنّه (مجرّد) قطعة قماش تستر بها المرأة شعرات من رأسها؛ لهو قصور في تصوّر هذه الشريعة وأبعادها وأهدافها!!!

 

طهر الباطن والظاهر

ثالثا/ يبدو أنّ الذي يتحدّث عن الحجاب وأنّه مجرّد قشرة، وأنّ الحجاب الممثّل للعفّة هو في القلب فقط، يؤمن أنّ طهر الباطن لا يلزم أن يلتقي مع طهر الظاهر.. أمّا نحن فنرى أنّ طهر الظاهر لا بدّ أن يقترن بطهر الباطن؛ فهما متلازمان لا يفترقان، متّصلان لا ينفصمان.. فإذا غطت المرأة رأسها، ولم تصلح باطنها؛ فإنّها ليست في الإسلام بذات دين، وإنما هي منافقة تخادع الناس وتخدع نفسها قبل ذلك!!

إنّ العفّة، ليست في القلب فقط، بل هي في القلب والجسد.. ولا يمكن أن تكون في القلب مع فساد الجوارج!!

أيستطيع المخالف أن يزعم أنّ الرجل قد يكون طاهر القلب، لكنّه لصّ يسرق وينهب، أو زان يعتدي على أعراض الناس، أو كذّاب يخادع من أمّنوه؟!!!

إن قال لا يلتقي طهر القلب مع فساد العمل؛ فكذلك نقول: لا تكون عفّة القلب مع كشف المرأة لما أمر الربّ سبحانه بتغطيته!

إنّ العفّة، نبتة عظيمة؛ أصلها وجذرها في القلب، وثمرتها بادية على الجوارح!!

وإنّ من فسد قلبها وغطّت جسدها، فإنّما هي تضع ثمارًا مزيّفة لم ترتوِ من نهر الطهر الجاري في قلبها!

 

بين الظاهر والباطن

رابعا/ إنّ المنصّر أمام ثلاثة حلول لا رابع لها:

1-لا يجتمع صلاح الباطن مع صلاح الظاهر.

2-صلاح الظاهر ليس شرطًا لصلاح الباطن.

3-صلاح الباطن شرط لصلاح الظاهر.

القول الأوّل يرفضه النصراني، ولا يقول به أشدّ الناس انحرافًا وفسادًا؛ إذ هو يعني أنّه لا بدّ أن تقع في الموبقات الأخلاقيّة؛ حتى تكون طاهر القلب من الخبائث!

القول الثاني لا يمكن أن يستقيم؛ لأنّه يشطر الكائن البشري إلى كيانين غير متمازجين ضرورة، وإنما قد يجتمعان وقد يفترقان.. فقد يكون الإنسان روحًا محلّقة في عالم الطهر، وجوارح غارقة في عالم الوحل..!! وإذا كانت الروح لا تغادر الجسد، وكانت الأحاسيس مرتبطة بالأفكار، وكان الفعل ناتجًا عن فكر ورغبة؛ فإنّه يغدو من السذاجة تصوّر النفس الإنسانيّة على أنها حزمة مشتتة متفرقة من الأفكار والأشواق والحوافز والأعمال، وأنّها لا تلتقي؛ لأنّها كيانات متباعدة متنافرة!

ولم يبق عندها إلا القول الثالث؛ وهو قول المسلمين الذي يقرّر التلازم بين الظاهر والباطن، والعلاقة الديالكتيكيّة بين داخل الإنسان وظاهره، وأنّه من الخطأ المحض الظنّ أنّ الإنسان قد يعيش بقلبه في عالم وبجسده في آخر؛ إذ العقل والواقع ينفيان الزعم بإمكانيّة أن يكون قلب المرء قطعة من نور، وجسده متمرّغًا في حمأة الفساد؛ ومادام الأمر محالاً؛ فإنّه لا بدّ من ستر ما يثير عوامل الإثارة عند الرجال والنساء؛ من عري يكشف اللحم الحرام، وملابس ضيّقة تكشف تفاصيل القوام، مع تطهير القلب من المحفّزات للمعصية ودواعي الفتنة؛ باستحضار علم الله بالمظهر والمخبر، والسرّ وأخفى، وتذكير النفس بما أخبر به الوحي من ثواب على الإحسان، وعقاب على الإفساد.

 

هل المرأة التي تعصي ربها سرًا حجة على الحجاب؟

خامسا/ لماذا تكون المرأة المحجّبة التي تعصي ربّها في الخلوات، حجّة على الحجاب؟!!

إنّ الحجاب هو دليل ظاهر على العفّة إن لم يخالطه فعل قبيح نراه بأعيننا.. أمّا الباطن وحقيقة القلوب فلا يعلمهما إلا الله جلّ وعلا.. وهو نفس قول النصارى في الراهبات مثلاً؛ إذ هم يرون الرهبنة دليلاً ظاهريًا على العفّة، وليس هناك من سبيل لمعرفة باطن الراهبات غير النظر في أعمالهن..

إنّ من عُلِم أنّها ترتدي الحجاب، لكنّها تأتي أبواب الفساد؛ فتلك منافقة ذات وجهين، وليس العيب في لباسها، وإنما في أنها لم تلتزم بقية الأحكام التي ترتبط بالحجاب ارتباطًا عضويًا لازمًا..

إنّ العيب الذي يطال من ترتدي الحجاب وتأتي أبواب الفساد، هو نفس العيب الذي يطال من يؤدّي الصلاة ولا ينتهي عن كثير من أبواب الحرام! فلماذا يعاير الحجاب إذا وُجدت (محجّبة) تحتال على الشرع، ولا تعاير الصلاة إذا وجد (مُصَلٍّ) غير ملتزم بعامة تعاليم دينه؟!!

 

الحجاب سبيل العفة

سادسا/ إنّ قضية المسلمة هي أنّ الحجاب سبيل إلى العفّة، فلا تشغل نفسها بالنظر إليه على أنّه دليل على العفّة.. إنّ غايتها هي أن تمنع بفعلها أسباب الفتنة ودواعيها، لا أن تبحث من خلال لباسها عمّن يقول عنها إنّها عفيفة..!

 

الافتتان بالمرأة

سابعا/ الغاية الأولى للحجاب، هي منع الرجل من الافتتان بالمرأة؛ وبالتالي فإنّ القول إنّ حجاب المرأة هو في القلب، يغدو بلا معنى؛ لأنّ الحجاب ليس مجرّد رمز بلا وظيفة، أو شكل بلا مضمون فاعل، وإنّما وظيفته تغطية مفاتن المرأة حتّى لا يتسلل الهوى الشيطاني إلى قلب الرجل، ويسوقه إلى الزنى وتوابعه.

 


 

المصدر:

سامي عامري، الحجاب فريضة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية، ص49

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-الحجاب
اقرأ أيضا
أخطاء شائعة في تعدي حروف الجر | مرابط
لسانيات

أخطاء شائعة في تعدي حروف الجر


بين يديكم مجموعة من الأخطاء الإملائية الشائعة في حروف الجر مقتبس من كتاب التدقيق اللغوي للكاتبة أسماء رزق توضح لنا الخطأ الشائع وما هو الصواب استنادا إلى قواعد اللغة العربية وتقسم الكلمات إلى عمودين الصواب والخطأ

بقلم: د أسماء رزق
421
معنى الثقافة في التاريخ | مرابط
اقتباسات وقطوف

معنى الثقافة في التاريخ


لا يمكن لنا أن نتصور تاريخا بلا ثقافة فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه. والثقافة -بما تتضمنه من فكرة دينية انتظمت الملحمة الإنسانية في جميع أدوارها من لدن آدم- لا يسوغ أن تعد علما يتعلمه الإنسان بل هي محيط يحيط به وإطار يتحرك داخله

بقلم: مالك بن نبي
352
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج2


المحور الثالث: الدعوة إلى الله عز وجل لا تكون الدعوة إلى الله عز وجل إلا عن علم فلابد للمرأة أن تتعلم شيئا وتنقله فلا تنقل شيئا عن جهل فتضر من تنقل إليه سواء كان هذا العلم علما شرعيا أو علما حياتيا يعني: إذا كنت متقنة لشيء في العلوم الشرعية: متقنة للتجويد متقنة لبعض الأمور الفقهية متقنة للرقائق والأخلاق أو غير ذلك فانقلي هذه العلوم إلى غيرك: بلغوا عني ولو آية

بقلم: د راغب السرجاني
634
الحفاظ على الهوية | مرابط
فكر

الحفاظ على الهوية


ولا ريب أن العالم اليوم يعج بالتنوع والاختلاف ويتسم بالتغير الدائم وندرة الأرضيات الثابتة في ميدان الفكر مما يجعل غياب الهوية مصيبة تنذر بانحراف جسيم كما أن الانغلاق التام على هوية تقليدية غير مؤصلة من الناحية العلمية يمكن أن يؤدي إلى إعاقة التقدم المنشود وتخيل نوع اكتفاء يمحو الحاجة إلى التطور.

بقلم: البشير عصام المراكشي
378
الربوبية والوعي المبتور | مرابط
فكر

الربوبية والوعي المبتور


والربوبي -في حقيقة الأمر- شر حالا من الملحد إذ الملحد لا يرى في الوجود غير ركام من الأشياء بلا غاية وآكام من النظم مبعثرة فيبني على ذلك أن الكون عبث بلا هدف بلا حكمة وأما الربوبي فيرى الحكمة في خلق الذرة والمجرة ويدرك مظاهر العظمة فيها ثم هو ينتكس بعد ذلك إلى مذهب الملحد نفسه فلا يرى في الوجود غير أشياء تسير إلى حتفها رغم أنفها. والربوبية -على الصواب- مظهر من مظاهر الكسل المعرفي ﻷنها وقوف على تخوم الإيمان والإلحاد فلا الباحث أكمل المسير إلى نهاية الغاية من الخلق ولا هو أدبر إلى نقطة الإنكار...

بقلم: د. سامي عامري
251
لمحات من سيرة البخاري | مرابط
اقتباسات وقطوف

لمحات من سيرة البخاري


قال البخاري: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء يعني: أصحاب الرأي وبين يديكم مقتطف بديع من مقدمة فتح الباري المسماة هدي الساري لابن حجر العسقلاني ينقل فيها بعض الأخبار عن سيرة الإمام البخاري رضي الله عنه

بقلم: ابن حجر العسقلاني
682