الخوف من الله حقيقته وفضله ج2

الخوف من الله حقيقته وفضله ج2 | مرابط

الكاتب: محمد ناصر الدين الألباني

631 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مشروغية التوسل بالعمل الصالح

قال: (ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم) كما كنا شرحنا هناك يومئذٍ فيه شرعية التوسل بالعمل الصالح (ادعوا الله بأوثق أعمالكم) هناك يقول ابن عمر: إن الرسول عليه السلام قال: (انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً لله فادعوا الله بها) على وزان قول الله تبارك وتعالى في القرآن:  وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [لأعراف:180].

ففي هذا الحديث حديث أبي هريرة زائد حديث ابن عمر نص على شرعية توسل العبد إلى الله تبارك وتعالى بعمل صالح له، وكما تعلمون جميعًا -إن شاء الله- لا يكون العمل صالحًا إلا بشرطين اثنين:

الشرط الأول: أن يكون خالصًا لوجه الله عز وجل، فلو أن مسلمًا صام وقام وصلى في الليل والناس نيام، وهو لا يقصد بذلك وجه الله، وإنما ليقال عنه: إنه متعبد.. زاهد.. صالح، كان عمله هباءً منثورًا؛ لأنه لم يخلص فيه لله عز وجل.

الشرط الثاني: أن يكون العمل الذي أخلص فيه لله عز وجل مشروعًا، ولا يكون مشروعًا إلا إذا كان قد ورد في الكتاب والسنة، وهذا له أدلة كثيرة، ومن الأدلة الجامعة للشرطين قول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

 فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110] أي: على وجه الكتاب والسنة،  وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] أي: لا يقصد بهذا العمل الصالح غير وجه الله عز وجل، وإلا فيكون قد أشرك فيه مع الله، وحينئذٍ يرد عليه، بل ويضرب به وجهه.

فحينما يقول أحدهم وهم في الغار: (فادعوا الله بأوثق أعمالكم) أي: بأخلص عمل صالح فعلتموه، وشعرتم بأنكم فعلتموه وأنتم راغبون به ما عند الله عز وجل.

فإذًا: هذا الحديث فيه شرعية التوسل بالعمل الصالح، والآية السابقة فيها شرعية التوسل باسم من أسماء الله تبارك وتعالى:  وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [لأعراف:180] وهنا ادعوه بعمل صالح لكم.

 

مشروعية توسل المسلم بدعاء أخيه الصالح

وهناك توسل آخر مشروع ثابت في الكتاب والسنة، ألا وهو توسل المسلم بدعاء أخيه الصالح الذي يظن فيه الصلاح، ويأمل أن يستجاب منه الدعاء، فهذا أيضًا مشروع، وما سوى ذلك من التوسلات التي اشتهرت في القرون المتأخرة بتأخرهم عن الكتاب والسنة علمًا وعملًا، فليس لها أصل إطلاقًا، ولم يقل بشيء منها أحدٌ من الأئمة المجتهدين، وقد فصّلت القول على هذه التوسلات المشروعة وغيرها من الغير مشروع في رسالتي الخاصة في التوسل، ويمكن الرجوع إليها لمن شاء التوسع.
استجماع القصة من مجموع الروايات الواردة فيها.

(فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت امرأة تعجبني فطلبتها) في حديث ابن عمر أنها كانت قريبة له: (كان لي ابنة عم) يقول هناك: (أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء) وهذا أوضح من حديث: (تعجبني) ما مبلغ هذا الاستحسان والعجب؟ قال: (أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء) وسيظهر أثر هذا الحب الشديد في خوفه من الله عز وجل حينما أمسك نفسه عنها: (فطلبتها فأبت عليَّ، فجعلت لها جعلًا) أي: تعويضًا في تسليمها نفسها له، فيعطيها مقابل ذلك مالًا، وكان هذا المال مائة دينار كما جاء في بعض طرق حديث ابن عمر.

(فلما قربت نفسها) يقول هناك: (فلما وقعت بين رجليها، قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها) وهنا يقول: (فلما قربت نفسها تركتها) هنا فيه إجمال وهناك تفصيل، وهكذا يمكن استجماع القصة بأكمل وجه من مجموع الروايات التي وردت فيها، قال هذا الداعي الأول يخاطب ربه: (فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك، فافرج عنا) أي: إن كنت تعلم أني أعرضت على هذه الفتاة وزيادة عن ذلك أنني تركت لها المال الذي قدمته إليها في سبيل أن أحظى منها بشهوتي، فتركت ذلك كله لوجهك وخوفًا منك، ولكنه يخشى أن يكون واهمًا في أن يكون ترك ذلك خوفًا من الله.

ولذلك يقول: (فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك، فافرج عنا، فزالت ثلث الحجر) أي: تزحزحت الصخرة التي سدت عليهم فم الغار بمقدار ثلث المسافة التي فيها يمكنهم أن يخرجوا من الغار. (وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا) يصف هنا مدى خدمته لأبويه مهما تطلَّب ذلك صبرًا منه، حتى كان يأتي بالإناء الذي فيه الحليب، فإذا وجدهما نائمين لا يوقظهما محافظةً على راحتهما ونومهما، وإنما يظل قائمًا حتى يستيقظا فيجمعا بين راحة النوم والشرب من الحليب.

في حديث ابن عمر يفصل هذه الفقرة من هذا الحديث فيقول: (فنأى بي ذات يوم الشجر) أي: خرج في طلب المرعى والكلأ والحشيش، فأبعد عن القرية كثيرًا، وهذا خلاف عادته، فما رجع إلا وقد أمسى، قال: (فحلبت كما كنت أحلب، وجئت بالحلاب فوجدتهما قد ناما)، فهذا وصف دقيق جدًا لحالته النفسية بين حق أبويه وحق أولاده، قال: (فوجدتهما قد ناما، فقمت عند رءوسهما أخشى أن أوقظهما من نومهما والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي) فهو متردد بين إيقاظهم من أجل أن يبدأ بإسقائهما قبل الصبيان، وفي هذا إزعاج لهم إذا ما أيقظهم، ومن جهة أخرى فالصبية يصيحون جوعًا، فكأنه يقول: ماذا أفعل؟ أوقظهما؟ لا. لا بد أن يتقدموا على الأولاد، أترك الأولاد؟ الأولاد يصيحون ويبكون، قال في حديث ابن عمر: (فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر) هذا هو جهاد في سبيل إرضاء الوالدين.

يقول في تضرعه وفي مناجاته لربه: (اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا، فزالت ثلث الحجر) أي: الثاني.

وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا يومًا فعمل إلى نصف النهار) في هذا الحديث هذه الفائدة، وهناك في حديث ابن عمر ليس فيه بيان مقدار العمل، هنا يوجد تحديد أنه عمل إلى نصف النهار.. (فأعطيته أجرًا، فسخطه ولم يأخذه، فوفرتها عليه حتى صارت ذلك المال) هنا أيضًا إيجاز واختصار (حتى صارت ذلك المال) ما هو هذا المال؟

جاء بيانه في حديث ابن عمر أنه قال: (فلم أزل أزرعه) أي: أجر ذلك الرجل الذي كان فرقًا من أرز، وعاء صغير اسمه الفرق، كان أجره هذا الفرق من أرز، فلما لم يقبل هذا العامل هذا الأجر وانصرف مغضبًا، قال هذا السيد صاحب الأرض: (فلم أزل أزرعه) أي: ذلك الفرق من الأرز (حتى جمعت منه بقرًا ورعاءها) هذا هو الذي وفره الرجل من ذلك الفرق، وفر وجمع بقرًا ورعيانًا معه، فيقول في حديث ابن عمر: (ثم جاءني فقال: يا عبد الله! أعطني حقي -وحقه الفرق من الأرز- فقلت له: انظر إلى تلك البقر، فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! لا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز) أنت تقولي لي: خذ فرقًا من البقر!: (قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق) يقول هنا في دعائه: (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا).

قبل ذلك يقول: (فقلت: خذ هذا كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول) هذه نكتة مهمة جدًا، الرجل ترك عنده أجره الذي هو الفرق من أرز، ولم يتفق معه على أن ينميه له ويزرعه له، لكن هو كرم منه وسخاء، فزرع هذا الفرق من الأرز، والله بارك، فحصد وزرع واشترى بقرًا، الله أعلم بالمدة، مع بركة الله عز وجل في هذا المال، ثم جاء هذا يطلب حقه، ما هو الحق؟ فرق من أرز، يقول: فأعطيته كل الذي وفرته بسبب هذا الفرق، ولو شئت لم أعطه إلا حقه، أي: هذا الفرق، أي: إنه قادر على ألا يعطيه ما وفره إياه في هذه المدة الطويلة، ولكنه رأى من كرم نفسه أن يقدم له كل ذلك الحاصل من المال الأول، فيقول: (فإن كنت تعلم أنني فعلت ذلك.. هناك يقول: ابتغاء مرضاتك، وهنا يقول: رجاء رحمتك وخشية عذابك- فافرج عنا، فزالت الحجر وخرجوا يتماشون) رواه ابن حبان في صحيحه بهذا اللفظ، وفيه كما رأيتم بعض الفوائد التي لا تذكر في حديث ابن عمر، وفي الدرس الآتي -إن شاء الله- أحاديث أخرى في هذا الباب، فنكتفي بهذا المقدار، والحمد لله رب العالمين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الرجاء-والخوف
اقرأ أيضا
محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع | مرابط
مناظرات فكر الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الرابع


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1857
تحمل مسؤولية التكليف | مرابط
مقالات

تحمل مسؤولية التكليف


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته.

بقلم: أحمد يوسف السيد
194
بين الحق والباطل | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الحق والباطل


مقتطف للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يلفت فيه الأنظار إلى ما دواخل النفس الإنسانية للمسلم وكيف يتصارع الحق والباطل ولماذا تنتهي المعركة أحيانا بفوز الباطل وأحيانا أخرى بفوز الحق ويشير إلى حقيقة هذا الصراع وتجلياته في القرآن الكريم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2137
الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي


إننا نقبل العلم الطبيعي كوسيلة بحث ولا نقبله كفلسفة شاملة ننظر من خلالها للحياة worldview ﻷن تبني هذه النظرة يجعلك متبعا للمذهب الطبيعي متبعا لفلسفة تنظر بها للعالم وتفسره من خلالها وأنت في اتباعك هذه الفلسفة لا تبني اتباعك على طريقة العلم الطبيعي والتجريب بل تبني اتباعك على طريقة فلسفية

بقلم: د. حسام الدين حامد
337
قصص وعبر للنساء ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

قصص وعبر للنساء ج2


تفريغ لمحاضرة تأتي ضمن سلسلة من الرسائل النسائية يبدأها الدكتور نبيل العوضي بالرسالة الأولى بعنوان: قصص وعبر وكل قصة من هذه القصص تحمل عبرة فإن من النساء بل من الناس عموما من تمر عليه القصص فلا يعتبر والسعيد من اتعظ بغيره نبدأ هذه القصص لا للتسلية ولا لقضاء الأوقات ولا للطرف ولا للهزل إنما نقص هذه القصص للعبرة

بقلم: د نبيل العوضي
386
السياسة الرشيدة في الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

السياسة الرشيدة في الإسلام


أتى على العالم حين من الدهر وهو يتخبط في جهل وشقاء ويتنفس من نار البغي الطاغية على أنحائه الصعداء حتى نهض صاحب الرسالة الأعظم - صلوات الله عليه- بعزم لا يحوم عليه كلال وهمة لا تقع إلا على أشرف غرض فأخذ يضع مكان الباطل حقا ويبذر في منابت الآراء السخيفة حكمة بالغة وما لبثت الأمم أن تقلدت آدابا أصفى من كواكب الجوزاء وتمتعت بسياسة يتجلى بها العدل في أحسن رواء وأرفع سناء

بقلم: محمد الخضر حسين
1054