
والحقيقة أن الديمقراطية المتعارف عليها عالميا الآن هي المستوحاة من النموذج الأميركي، وما ترك المسلمون للشورى إلا رغبة في محاكاة هذا النموذج بالذات، فلا يوجد تعريف واضح لها يمكن الرجوع إليه لفصل التجربة التاريخية، والتجربة التاريخية الناجحة حاليًا هي الأمريكية، ولا أميركا دون رأسمالية.. والأمريكان يدركون ذلك، فهذا واحد من كبار المعلقين السياسيين الأمريكان يكتب في النيويورك تايمز بعد نهاية الحرب الباردة: انتصار أميركا في الحرب الباردة كان انتصارًا لجملة من المبادئ السياسية والاقتصادية هي الديمقراطية والسوق الحرة، هي مبادئ التوجيه للمستقبل حيث تكون له أميركا الحارس والنموذج المحتذى على السواء، وكما قال كلينتون من قبل: مهمتنا الجديدة هي تعزيز انتصار الديمقراطية والأسواق المفتوحة.
الأمريكان يدركون أنهم النموذج المهيمن عالميا وبالتالي يفرضون نموذجهم الديمقراطي الرأسمالي على الجميع ما أمكن، خاصة الدول الصغرى التي لن تنجو من المسير في الركب وإلا العقاب. لهذا فإن نقد الديمقراطية لا يكون واقعيًا إلا بانتقاد النموذج الأميركي الرأسمالي التضليلي.. هو طرد يسلم للمرسل إليه كما هو!
والرأسمالية دين شبه كامل حتى بمفاهيم الولاء الخاصة به والبراءة ممن لا يتبعه، ولا تفسير لاندماج رجال أعمال عرب في المنظومة الغربية، مثل امتلاك رجال أعمال خليجيين لأندية ومؤسسات أوروبية ليست صغيرة، وإمبراطورية الوليد وغيره.. مع أنهم -نظريًا- يتبعون الديانة الإسلامية ومعروف حجم العداء الغربي لهذه الديانات بالذات، إلا أن هؤلاء قد تبعوا الدينا الرأسمالي بشكله الديمقراطي.. فأصبح دينهم مركب تقبع الرأسمالية الديمقراطية كمكون رئيسي فيه واقتصر الإسلام على جزء ضئيل من العبادات الظاهرية الحياتية أو ربما حتى رداء عربي تراثي!
المصدر:
عمرو عبد العزيز، وطن الراشدين، الطبعة الأولى، ص36