الرد على المفوضة الجزء الأول

الرد على المفوضة الجزء الأول | مرابط

الكاتب: الشيخ الألباني

856 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

الرد على المفوضة

وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات، ونسبتها إلى أهل السنة، وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف، أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق.

وعلى هذا فقد بين الشيخ هذه القضية في معرض الرد على بعض الأسئلة، مفندًا بعض هذه الشبه

[فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة لا على المجاز]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

نفتتح الليلة مباشرة بتلقي الأسئلة المتوفرة عند بعض إخواننا، ونجيب عليها -إن شاء الله- بما يسر الله لنا، ثم نختصر الجلسة بقدر الإمكان لظروف عارضة، وهي وإن كانت عارضة فليس فيها ما يزعج، وإنما نحن معكم إلى الساعة العاشرة والنصف، وبالكثير إلى الحادية عشرة، فتوكلوا على الله، وهاتوا ما عندكم.

هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول: إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات: نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟

نحن نعكس السؤال، ثم نجيب عن هذا السؤال فنقول: هل هناك صحابيٌ تأول تأويل الخلف؟ ونريد على ذلك مثالًا أو مثالين؟ السائل: يذكرون أحيانًا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى.

الشيخ: إذا كان قد تأول، فما الذي حمله على التأويل؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين؟ فجوابًا على السؤال الأول نقول: إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار، والمثال السابق يشبه تمامًا ما لو قال قائل: أعطونا مثالًا واحدًا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل، وهذا مفعول به، وهذا مفعول للتمييز، وهذا للحال إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة، وبعد السلف؛ لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل؛ فلن نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو، ووضعوا قواعد الصرف، وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه، ومنها أصول الحديث إلى آخره؛ ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربًا أقحاحًا، فلم يكونوا بحاجة إلى أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح؛ ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات، وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.

المهم أن الأصل ليس هو التأويل، بل الأصل هو عدم التأويل، وهذا الأصل أمر متفق عليه عند جميع العلماء، حتى الذين يؤولون أي كلام عربي سواءً أكان متعلقًا بآيات الصفات، أو أحاديث الصفات، أو متعلقًا بأي خبرٍ عربي، فكلهم يتفقون فيقولون مثلًا: الأصل في كل جملة عربية أن تحمل على الحقيقة، وليس على المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة حينئذٍ يقولون: نصير إلى المجاز.

ففي هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف، نحن نقول: إن العرب الأولين -الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص- سائرون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلًا عن السلف.

فإذًا حينما قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة -مثلًا- من كلمة (جاء الملائكة) ؟ هل يفهم المعنى المؤول، أم يفهم المعنى الحقيقي؟ لاشك أن الجواب سيكون: إنه يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له: أعطنا نصًا على أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي، فلن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدًا! لماذا؟ لأن الأمر واضح لديهم، فهم يسيرون على قاعدة علمية مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضًا، فما كان جوابهم عن هذا المثال السهل البسيط، فهو نفس جوابنا على السؤال الذي وجهته آنفًا.

الحق أن نقول: إن هؤلاء المعطلة متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرًا أصحابه من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع، فحينما يوردون هذا السؤال، معنى ذلك: أنه ليس هناك ضابطٌ لفهم نصوص الشريعة إطلاقًا؛ لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم، سواءً كان سلفيًا أو كان خلفيًا لا بد له من أن يفسر نصًا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفًا، وهي: الأصل الحقيقة، وليس المجاز، فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء، ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما، نسأله قائلين: ما هو مستندك في هذا التفسير؟ هل عندك نص عن الصحابة عن التابعين عن أتباع التابعين؟ فسيضطر إلى أن يعود إلى أصل اللغة، وحينئذ نقول: هذه حجتنا عليكم، لماذا تتأولون النصوص التي لا تعجبكم ظواهرها ولا إشكال فيها؟ إنما جاء الإشكال -كما هو الأصل- من التكييف والتشبيه.

لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه، فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجئوا إلى التأويل، فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وكذلك سورة الصمد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لو أنهم وقفوا عند هذا النص لما احتاجوا إلى التأويل؛ لأن الذي دفعهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.

فإذا قلنا: (جاء ربك) أي: كما يليق بجلاله، كذلك الملائكة خلقٌ من خلق الله، لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر، بل الجن الذين خلقوا من نار، مجيئهم، وذهابهم، وإيابهم، لا يشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر، فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن، أو المجيء المتعلق بالملائكة، أم نقول: إن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات؟ هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة، أي: على القاعدة العربية: الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز، فهذا جواب ذلك السؤال.

ثم يخطر في بالي شيءٌ آخر وهو: أن هذا السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة والذين يتظاهر هؤلاء بالتمسك بعلمهم وبفهمهم، بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنًا إطلاقًا، مع أن الأئمة هم الذين اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات، وتفسير الأحاديث.

لذلك كان كثير من علماء السلف يحذرون عامة الناس من أن يجالسوا أهل الأهواء؛ لأنهم أهل شبهات، وطرح إشكالات، ومع الأسف لا يستطيع كثيرٌ من أهل العلم أن يجيبوا جوابًا مقنعًا موافقًا للكتاب والسنة من جهة، ومتابعًا للعقل الصحيح من جهة أخرى، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يقدموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع؛ لذلك حسموا الأمر، ونهوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المفوضة
اقرأ أيضا
مقام العبودية | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقام العبودية


والعبودية هي أشرف شيء أشرف وصف للإنسان هو العبودية لله فالإنسان إنما يشرف بانتسابه للرب العظيم سبحانه وتعالى فكلما كان الإنسان عبدا لله كان أقرب إليه ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: واسجد واقترب

بقلم: عمرو الشرقاوي
386
موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه | مرابط
تفريغات

موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه


إن كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو داع إلى الله وهو آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولهذا كان الصحابة الكرام جميعا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وأول وأعظم من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم أعظم أكابر الصحابة في الإيمان والتقوى كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما

بقلم: سفر الحوالي
546
آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: نهاية الإنسان


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2592
محاورة دينية اجتماعية الجزء الأول | مرابط
مناظرات مقالات الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الأول


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1854
الشخصية الغربية وعداء الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الشخصية الغربية وعداء الإسلام


يبدو أن العداء الصريح للإسلام كان هو السمة التي ترسخت في الشخصية الجمعية الغربية وجاء ذلك نتاج الحروب الصليبية التي لم تتوقف على الصدام العسكري المسلح فقط وإنما نتج عنها الكثير من التشوهات الفكرية والثقافية التي ظلت باقية في المخيلة والعقلية الأوروبية فيما بعد

بقلم: محمد أسد
2163
أخطاء لغوية شائعة | مرابط
لسانيات

أخطاء لغوية شائعة


مقتطفات من كتاب التدقيق اللغوي للكاتبة أسماء رزق نجد هنا عرضا سريعا لبعض الكلمات الشائعة التي يستخدمها الكتاب والناس بشكل عام وتبين لنا الكاتبة الصواب من الناحية اللغوية ومثال ذلك: يقولون: مبروك النجاح والصواب أن يقال: مبارك النجاح

بقلم: د أسماء رزق
560