الرد على المفوضة الجزء الأول

الرد على المفوضة الجزء الأول | مرابط

الكاتب: الشيخ الألباني

803 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

الرد على المفوضة

وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات، ونسبتها إلى أهل السنة، وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف، أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق.

وعلى هذا فقد بين الشيخ هذه القضية في معرض الرد على بعض الأسئلة، مفندًا بعض هذه الشبه

[فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة لا على المجاز]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

نفتتح الليلة مباشرة بتلقي الأسئلة المتوفرة عند بعض إخواننا، ونجيب عليها -إن شاء الله- بما يسر الله لنا، ثم نختصر الجلسة بقدر الإمكان لظروف عارضة، وهي وإن كانت عارضة فليس فيها ما يزعج، وإنما نحن معكم إلى الساعة العاشرة والنصف، وبالكثير إلى الحادية عشرة، فتوكلوا على الله، وهاتوا ما عندكم.

هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول: إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات: نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟

نحن نعكس السؤال، ثم نجيب عن هذا السؤال فنقول: هل هناك صحابيٌ تأول تأويل الخلف؟ ونريد على ذلك مثالًا أو مثالين؟ السائل: يذكرون أحيانًا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى.

الشيخ: إذا كان قد تأول، فما الذي حمله على التأويل؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين؟ فجوابًا على السؤال الأول نقول: إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار، والمثال السابق يشبه تمامًا ما لو قال قائل: أعطونا مثالًا واحدًا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل، وهذا مفعول به، وهذا مفعول للتمييز، وهذا للحال إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة، وبعد السلف؛ لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل؛ فلن نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو، ووضعوا قواعد الصرف، وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه، ومنها أصول الحديث إلى آخره؛ ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربًا أقحاحًا، فلم يكونوا بحاجة إلى أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح؛ ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات، وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.

المهم أن الأصل ليس هو التأويل، بل الأصل هو عدم التأويل، وهذا الأصل أمر متفق عليه عند جميع العلماء، حتى الذين يؤولون أي كلام عربي سواءً أكان متعلقًا بآيات الصفات، أو أحاديث الصفات، أو متعلقًا بأي خبرٍ عربي، فكلهم يتفقون فيقولون مثلًا: الأصل في كل جملة عربية أن تحمل على الحقيقة، وليس على المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة حينئذٍ يقولون: نصير إلى المجاز.

ففي هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف، نحن نقول: إن العرب الأولين -الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص- سائرون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلًا عن السلف.

فإذًا حينما قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة -مثلًا- من كلمة (جاء الملائكة) ؟ هل يفهم المعنى المؤول، أم يفهم المعنى الحقيقي؟ لاشك أن الجواب سيكون: إنه يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له: أعطنا نصًا على أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي، فلن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدًا! لماذا؟ لأن الأمر واضح لديهم، فهم يسيرون على قاعدة علمية مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضًا، فما كان جوابهم عن هذا المثال السهل البسيط، فهو نفس جوابنا على السؤال الذي وجهته آنفًا.

الحق أن نقول: إن هؤلاء المعطلة متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرًا أصحابه من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع، فحينما يوردون هذا السؤال، معنى ذلك: أنه ليس هناك ضابطٌ لفهم نصوص الشريعة إطلاقًا؛ لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم، سواءً كان سلفيًا أو كان خلفيًا لا بد له من أن يفسر نصًا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفًا، وهي: الأصل الحقيقة، وليس المجاز، فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء، ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما، نسأله قائلين: ما هو مستندك في هذا التفسير؟ هل عندك نص عن الصحابة عن التابعين عن أتباع التابعين؟ فسيضطر إلى أن يعود إلى أصل اللغة، وحينئذ نقول: هذه حجتنا عليكم، لماذا تتأولون النصوص التي لا تعجبكم ظواهرها ولا إشكال فيها؟ إنما جاء الإشكال -كما هو الأصل- من التكييف والتشبيه.

لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه، فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجئوا إلى التأويل، فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وكذلك سورة الصمد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لو أنهم وقفوا عند هذا النص لما احتاجوا إلى التأويل؛ لأن الذي دفعهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.

فإذا قلنا: (جاء ربك) أي: كما يليق بجلاله، كذلك الملائكة خلقٌ من خلق الله، لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر، بل الجن الذين خلقوا من نار، مجيئهم، وذهابهم، وإيابهم، لا يشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر، فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن، أو المجيء المتعلق بالملائكة، أم نقول: إن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات؟ هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة، أي: على القاعدة العربية: الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز، فهذا جواب ذلك السؤال.

ثم يخطر في بالي شيءٌ آخر وهو: أن هذا السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة والذين يتظاهر هؤلاء بالتمسك بعلمهم وبفهمهم، بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنًا إطلاقًا، مع أن الأئمة هم الذين اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات، وتفسير الأحاديث.

لذلك كان كثير من علماء السلف يحذرون عامة الناس من أن يجالسوا أهل الأهواء؛ لأنهم أهل شبهات، وطرح إشكالات، ومع الأسف لا يستطيع كثيرٌ من أهل العلم أن يجيبوا جوابًا مقنعًا موافقًا للكتاب والسنة من جهة، ومتابعًا للعقل الصحيح من جهة أخرى، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يقدموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع؛ لذلك حسموا الأمر، ونهوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المفوضة
اقرأ أيضا
السعادة الحقيقية | مرابط
تفريغات

السعادة الحقيقية


أغلب الناس وكل واحد منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيدا مرتاحا مطمئنا أبحث عن شيء يسمى السعادة والراحة كل الناس يلهث ويتعب وراءها وينصب من أجلها من أجل أن يعيش سعيدا في هذه الحياة الدنيا. انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين .. العمارات .. العقارات .. والأرصدة لا يعدها ولا يستطيع حسابها هل حصل على السعادة؟!

بقلم: نبيل العوضي
510
وأتوا البيوت من أبوابها | مرابط
اقتباسات وقطوف

وأتوا البيوت من أبوابها


الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن ينظر في حالة المأمور ويستعمل معه الرفق والسياسة التي بها يحصل المقصود أو بعضه. والمتعلم والمعلم ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله يحصل به مقصوده وهكذا كل من حاول أمرا من الأمور وأتاه من أبوابه وثابر عليه فلا بد أن يحصل له المقصود بعون الملك المعبود.

بقلم: عبد الرحمن السعدي
287
النسبية المعرفية والأخلاقية | مرابط
اقتباسات وقطوف

النسبية المعرفية والأخلاقية


في محاولة تفسير هذه الظاهرة وجدت أن النسبية المعرفية والأخلاقية التي كان من المفروض فيها أنها ستحرر الإنسان وتفسح له المجال لتأكيد فرديته أدت إلى العكس فالنسبية تنزع القداسة عن العالم الإنسان والطبيعة وتجعل كل الأمور متساوية

بقلم: عبد الوهاب المسيري
374
كيف دخلت العالمانية العالم العربي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

كيف دخلت العالمانية العالم العربي


يحاول كثير من المستشرقين والعالمانيين العرب نسبة بدايات العالمانية في العالم العربي إلى رصيد من التراث الإسلامي الموروث وقد آثر أكثرهم ابن رشد ليكون رائد العالمانية في ثوبها العربي أو حتى الغربي وهي دعوى لا تملك أدنى الشروط التاريخية والموضوعية للصمود أمام النقد وفي هذا المقال يوضح لنا الكاتب كيف دخلت العلمانية العالم العربي ويرد على دعوى نسب العلمانية لابن رشد

بقلم: د سامي عامري
2381
تحدي الإله ومعناه | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

تحدي الإله ومعناه


من أنباء الملاحدة الماركسيين أن أحدهم وقف في إحدى محطات الإذاعة فنادى الله: إنه ليتحداه إن كان موجودا لينسفن هذا البلد وليمحون تلك الدولة أو فليعلم الناس جميعا أنه خرافة ليس لها وجود فهذا الملحد الماركسي لا يعقل أن يوجد الإله ويقدر على كل شيء ثم يترك من يتحداه سليما بعد ذلك طرفة عين دون أن ينكل به ويعجل برد تحديه إليه

بقلم: عباس محمود العقاد
1970
فاحكم بينهم أو أعرض عنهم | مرابط
فكر مقالات أباطيل وشبهات

فاحكم بينهم أو أعرض عنهم


يناقش هذا المقال قول من استدل بالآية فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم على أن من رفض أن يحكم بالشريعة فلا يلزم بها فلا بد أن يختارها ويؤمن بها وحين لا يكون مؤمنا بها لا يكون ملزما كما خير الله في هذا الآية نبيه صلى الله عليه وسلم في أن يحكم بينهم أو يعرض عليهم ولو كان الحكم ملزما لما حصل اختيار

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2392