موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه

موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

470 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [يوسف:108] أي: أن كل من اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو داعٍ إلى الله، وهو آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر؛ ولهذا كان الصحابة الكرام جميعًا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، وأول وأعظم من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم أعظم أكابر الصحابة في الإيمان والتقوى، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

 

سيدنا عمر رضي الله عنه

عندما تتفكر كيف كان عمر رضي الله عنه يذهب في الليل ليسمع، ويرى، ويتفقد، وإذا امرأة تقول: "كيف السبيل إلى خمر فأشربها" تغزلت في رجل بشعر وهي نائمة، ولا تظن أن أحدًا يسمعها فتقول:

ألا سبيل إلى خمر فأشربها      أو كيف السبيل إلى نصر بن حجاج

فسمع عمر رضي الله تعالى عنه هذا الكلام، وفي اليوم الثاني سأل عمر: من نصر بن حجاج؟

قيل: هو رجل فيه جمال وتُعجَب به من ضُعْف إيمانها, فأمر بأن ينفى من المدينة إلى الكوفة.

سبحان الله! وأما اليوم فما يعرض في وسائل الإعلام من مثيرات الشهوات أضعاف أضعاف هذا الشعر! وذاك في عصر الإيمان والنور، ونحن في القرن الخامس عشر.

فهكذا كانوا هم أعظم القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل كانوا يبدءون بأنفسهم.

دخل عمر رضي الله تعالى عنه يومًا إلى سوق الإبل يتفقد ويستطلع أحوال الناس، إن رأى ضعيفًا أو عاجزًا أعطاه، وإن رأى محرومًا أعطاه، وإن رأى منكرًا غيَّره، فما رأى منكرًا -والحمد لله- فبلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله الصحابة ليس فيهم منكر؛ لكن لفت نظره ذلك اليوم أن إبلًا أسمن من غيرها، ففكر! كيف ذلك وكل الإبل ترعى سواء من المدينة؟!

فسأل لمن هذه الإبل؟

قالوا: هذه لعبد الله بن عمر ثم جيء بعبد الله بن عمر وسأله عمر: [لِمَ يا عبد الله بن عمر هذه الإبل أسمن من غيرها؟ قال: والله يا أمير المؤمنين إن هذه الإبل اشتريتها من مالي، ورعيتها مع المسلمين، واسترعيت لها رعاةً من المسلمين، وهأنذا أريد أن أبيعها فقال عمر: لا. كان الناس يقولون: اسقِ إبل ابن أمير المؤمنين, أورد إبل ابن أمير المؤمنين؛ فلأنك ابن عمر شربت إبلك أكثر، ورعت أكثر، فكانت أسمن من غيرها، لا يا عبد الله: لك رأس مالك, والربح في بيت مال المسلمين قال: سمعًا وطاعةً يا أمير المؤمنين].

فماذا يصنع عبد الله بن عمر أو غيره مع عمر رضي الله تعالى عنه؟! انظروا إلى الحساسية، وكيف بدأ بنفسه في إنكار المنكر، والتعاون على البر والتقوى، ولهذا نصرهم الله ووفقهم.

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كان الواحد منهم يذهب إلى الجهاد، وقد يصل إلى أطراف الأندلس أو إلى السند وهو مطمئن، فلن يضيع أهله؛ لأنه لا توجد مغريات أو مثيرات تجعلهم يرتكبون الفواحش -والعياذ بالله- ولن يضيع أبناؤه فالناس في خير وإلى خير والحمد لله، وكل مسلم يستشعر ويحس بمسئوليته نحو الجميع.

ولذلك لما جاء رسول كسرى إلى المدينة متطلعًا يريد أن يرى قصور المدينة- وقد جاء من عند الإيوان -البيت الأبيض- وكأنه يسأل: أين البيت الأبيض عند عمر؟ لكن عمر لما هز الدنيا كلها ما كان ليكون له بيت أبيض في المدينة، فدخل الرسول وإذا به لم يرَ إلا بيوتًا عادية جدًا, أين أمير المؤمنين، أين عمر؟

قالوا: ابحث عنه في المسجد، فذهب ووجده وحده نائمًا في ظل الشجرة، متوسدًا حجرًا, فما صدَّق أنه عمر! أهذا عمر الذي أرهب كسرى وقيصر؟ فلماذا أوقع الله هيبته في قلوب العالمين يا معشر المؤمنين؟

إنه لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [آل عمران:110].

فأولئك عملوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكان حقًا عليه أن ينصرهم، قال تعالى: "ومن أوفى بعهده من الله" [التوبة:111] فنصرهم ورفعهم على العالمين، فوالله ما خسروا شيئًا، بل إنهم ربحوا الربح الأكبر، ولنفترض أنهم جمعوا أموال الدنيا فقد جاء بعدهم مَنْ جمعها، ولكن أين هي؟

أبو الدرداء رضي الله عنه كان يقول: [[يا أهل دمشق، يا أهل دمشق:، مالي أراكم تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون... يا أهل دمشق، إنه قد بلغنا أن عادًا قد بنوا لَبنة من ذهب ولَبنة من فضة، فمن منكم يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟]] لن يدفعها أحد، فأين عاد؟ ذهبت وانتهت.

وكذلك الآن ونحن بعد قرون، لو عُرض على أحد أن يشتري تركة أكبر إنسان ثري في العالم اليوم وبنوكه بدرهمين، فلن يشتريها أحد لأنها ذهبت، ولكنه عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى موقوف يحاسب على كل صغيرة وكبيرة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الأمر-بالمعروف #عمر-بن-الخطاب
اقرأ أيضا
السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية | مرابط
تفريغات

السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية


قالسفيان الثوريوغيره من العلماء: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها ومن أظهر الدلائل على أن إبليس لا يكترث بالمعصية حديثجابرالذي رواه الإماممسلمفي صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء فهو يضع عرشه أي: الكرسي ثم يجلس عليه وبعد ذلك يعطي للأبالسة خط سير كل واحد يذهب إلى بني آدم: يرسل سراياه تترى إلى بني آدم تترى: بعضها خلف بعض إنهم لا يكلون ولا ينامون ولا يهدءون فإبليس لا يحاسب رأس كل شهر ولا أسبوع إبليس يحاسب كل يوم ي...

بقلم: أبو إسحق الحويني
770
العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان


بالنسبة للعلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان إذا أطلق الإسلام في نص شرعي دون اقترانه بالإيمان فهو يدل على كل الدين وإذا أطلق الإيمان في نص شرعي مستقل عن الإسلام فهو يطلق على كل الدين لكن إذا اجتمعا في نص واحد يصبح معنى الإسلام الأعمال الظاهرة من صلاة وصيام وحج وزكاة ويصبح الإيمان بمعنى الأعمال الباطنةكالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وغيرها

بقلم: عبد الرحيم السلمي
1349
رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية | مرابط
النسوية

رائدة النسوية بين التنظير والحياة الواقعية


هذه الرائدة النسوية المتمردة والتي كانت تدعو نساء العالم للتمرد على الرجل كانت تكتب لحبيبها الأمريكي نيلسون ألغرين -في لحظة شفقة وتية وعشق هائم بعد أن هجرها عشيقها الأول جان بول سارتر لبعض الوقت وذهب لمن هي أصغر سنا- وتقول له: سأكون مطيعة لك مثل زوجة عربية.

بقلم: د. عائض الدوسري
287
الرسول والرسالة | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

الرسول والرسالة


حوار ماتع يدور بين متشكك ومتيقن الأول هو أبو الحكم والثاني هو الكاتب حسام الدين حامد وفي هذا المقال المقتطف من كتابه المفيد لا أعلم هويتي يدور الحديث حول إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بطريق ميسورة وبسيطة حيث يخاطب الكاتب العقل مباشرة مع عرض الأدلة بشكل مباشر

بقلم: د حسام الدين حامد
2023
الميزان العقلي ومنطق اليونان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الميزان العقلي ومنطق اليونان


مقتطف فيه رد شيخ الإسلام ابن تيمية على كلام الغزالي الذي جانب الشرع في تفسير معنى الميزان الوارد في القرآن الكريم والسماء رفعها ووضع الميزان وذلك في كتابه المسمى القسطاس المستقيم حيث أرجع موازين القرآن إلى ثلاثة أصول: ميزان التعادل وميزان التلازم وميزان التعاند وهذا هو عين المنطق اليوناني

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2203
عن الخطرات | مرابط
مقالات

عن الخطرات


وأما الخطرات: فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخير والشر ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة

بقلم: ابن القيم
365