
حدث مثل الزلازل وآثاره من القتلى والمصابين والخسائر، رحم الله موتى المسلمين وخفف عن الناس؛ يكشف لك بوضوح محدودية قيمة العلم وتهافت دعاوى تعظيمه ومقارنته بـ الدين ..
لاحظ مثلًا دور العلم والإنسانوية وقيم التنوير المزعومة في مثل هذه الكوارث، وكيف أنها في غاية الحقارة؟! فلا هي نفعت الناس وجنبتهم المصائب أو عصمتهم نتائجها، ولا هي لها أي دور وجداني يُذْكَر في الناس!
لكن انظر للدين في مثل هذه الأزمات.. تجده يوضح لك من البداية كيف أن الإنسان عُرضة لهذه المصائب؟! إما ابتلاءً وإما عقوبة.. وفي الحالتين يوضح لك كيف تتعامل معها؛ إما رضًا وصبرًا واحتسابًا، وإما إعادةً للنظر في تصورات الإنسان والأُمة، بالأوبة والتوبة والاعتبار..
لأن الدنيا أصلًا ليست مستقرة بطبيعتها، وما هي إلا قنطرة لحياة أخرى أكبر وأرحب!
ثم إن الدين في كل الأحوال، لا يتركك دون أن يُعيد تشكيل نظرتك ويُذْكَرك بفطرتك، ويشحن وجدانك بمعانٍ يستحيل على العلم الوصول لها؛ حمدًا وشكرًا واستغفارًا وتسبيحًا وذكرًا.. فلا يتركك فريسةً للهم والكرب والأسى والحزن وحيرة العقلانية، بل يُعيد لك توازنك ويصحح مسارك..
لأن النفس أكثر احتياجًا من الجسد، لذلك كان تركيبها أحد أبهر آيات وجود الله عز وجل، فأقسم بها تعالى "ونفسٍ وما سواها" وهو لا يُقسم إلا بعظيم.. فإن لم تُقابَل بما يُراعيها فيما لا تقدر عليه؛ تجرعت مرارة ذلك ألمًا وضيقًا وتعاسةً وشعورًا بالخسارة والحرمان..
كم أُشفق والله على المحرومين الذين تبجحوا بعقولهم على دين الله، وحادوا الله بنعمه عليهم..
قال ابن تيمية: "من اتكّل على نظره وعقله ومعرفته؛ خُذل".