العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر

العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر | مرابط

الكاتب: إبراهيم الدويش

417 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

اسمع لابن الجوزي وهو يقول في صيد الخاطر كلامًا نفيسًا جميلًا: إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذرًا من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالًا له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو، وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، أو على قدر مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب ويتفاوت تفاوت العود.

 

فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص، وألسنتهم تمدحه ولا يعرفون لم، ولا يقدرون على وصفه لبعدهم عن حقيقة معرفته، وقد تمتد هذه الأراييح بعد الموت على قدرها، فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم يُنسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدًا، وعلى عكس هذا..

 

من هاب الخلق ولم يحترم خلوته بالحق، فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب، فإن قلّ مقدار ما جنى قلّ ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه، وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه، ورب خالٍ بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة، وكأنه قيل له: ابق بما آثرت، فيبقى أبدًا في التخبيط، فانظروا إخواني إلى المعاصي أثرت وعثرت.

 

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر].

 

فتلمحوا ما سطرته واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم، فإن الأعمال بالنية والجزاء على مقدار الإخلاص. انتهى كلامه من صيد الخاطر رحمه الله تعالى.

 

فيا أيها المعلمون والمعلمات! ويا طلاب وطالبات العلم! الله الله في السرائر وإصلاح الباطن، (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) . كما في حديث أبي هريرة عند مسلم .

 

إننا نحرص على أشكالنا ومظاهرنا كثيرًا، ونغفل عن الاهتمام بقلوبنا، وصلاح القلب هو ثمرة العلم والتعلم.

 

فهل حصلنا على هذه الثمرة؟ هل حصلنا على صلاح القلب وهل نسعى له؟! نرجو ذلك.

 


 

المصدر:

محاضرة عشرون كلمة في العلم وفضله، إبراهيم الدويش

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلم
اقرأ أيضا
مستقبل الثقافة وماضيها | مرابط
مقالات

مستقبل الثقافة وماضيها


إن هذا الجيل الجديد من أبنائنا واقف في مفترق طرق لا يدري أيها يسلك وقد فتح عينيه على زخارف تستهوي من الثقافة الغربية وقد أصبحت هذه الثقافة أقرب إلى عقله وذوقه لما مهد أهلها ودعاتها من المسالك إلى النفوس ولما تنطوي عليه من المغريات والمعاني الحيوانية ولما فيها من موجبات التحلل والانطلاق ولما تزخر به من الشهوات وحظوظ الجسد ولما يشهد لأهلها من شهود العلم وهو يفتح عينيه كل يوم منها على جديد.

بقلم: البشير الإبراهيمي
307
فرية تسمية الصحابة لمعاوية بالطاغية: الرد على عدنان إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

فرية تسمية الصحابة لمعاوية بالطاغية: الرد على عدنان إبراهيم


ادعى عدنان إبراهيم في محاضرة بعنوان طليعة التبيان وهي الأولى من سلسلة معاوية في الميزان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلقبون سيدنا معاوية بن أبي سفيان بالطاغية واستدل بما رواه الإمام الطبري في تاريخه وفي المقال الذي بين يدينا رد على هذه الشبهة وبيان الأخطاء التي وقع فيها عدنان

بقلم: أبو عمر الباحث
1257
القدر والأسباب | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

القدر والأسباب


الإيمان بالقدر لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها وبين يديكم مقتطف سريع لابن عثيمين يدور حول هذه المسألة

بقلم: ابن عثيمين
374
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج2 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج2


وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يقول: العابد الذي يعبد الله على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح من أجل هذا قدم الصالحون العلماء ورفعوا قدرهم بصرف النظر عن النسب وعن الشكل وعن السن وعن القبيلة لا توجد اعتبارات لهذه الأشياء مطلقا في عرف الفاهمين العلماء هم أعلى الأمة لا سلطان ولا صاحب مال ولا أي شيء آخر أعلى من العلماء

بقلم: د راغب السرجاني
597
للمبتدعة اليد الطولى في ابتلاء العلماء والدعاة | مرابط
تفريغات

للمبتدعة اليد الطولى في ابتلاء العلماء والدعاة


إن البدعة في منتهى الخطورة على الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لفظها باللفظ الكلي الواضح الذي ما دخله تخصيص قط كل بدعة ضلالة وهذه الجملة من أفضل الجمل فلفظة كل تفيد الشمول والعموم والتي ليس لها مخصص وليس فيها زجر فهي جملة كلية مثبتة لنأخذ بها للدلالة: كل بدعة ضلالة

بقلم: أبو إسحق الحويني
854
اكتساب الهمة | مرابط
ثقافة

اكتساب الهمة


لا شك أن قابلية اكتساب الهمة والعزم كبيرة فالله جل وعلا كلف العباد جميعا - إلا من استثنى الله منهم - بتكاليف متساوية في الجملة وكل هذه التكاليف تفتقر إلى الهمة وصدق العزم كالصلاة والصيام والإنفاق والحج وترك الشهوات المحرمة والمنكرات الفاحشة وإذا كانت الهمة غير مكتسبة ومستطاعة التحصيل لكانت التكليفات ظلما لطائفة من العباد تعالى الله عن ذلك. والحياة تدفع لنا كل يوم صورا عظيمة لأناس هزموا اليأس وتغلبوا على أنفسهم وصاروا من أصحاب الهمم العالية كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.

بقلم: كريم حلمي
340