كان من دعاء أحد الأعراب: الحمد لله على نوم الليل، وهدوء العروق، وسكون الجوارح، وكف الأذى، والغنى عن الناس.
ألا ما أعمق هذا الدعاء على وجازته!
فنعمة هدوء العروق وسكون الجوارح من الأملاك الخفية التي لا تعرف قيمتها إلا حين فقدها، ومن جميل حكم أبي الدرداء قوله: كم من نعمة لله في عرق ساكن
نعم، إن التهاب عصب يتجرع المرء معه غصصا من الآلام تجعل الحياة جحيمًا لا تطاق، حينها يُدرك المرء قيمة هدوء العروق وسكون الجوارح.
- الابن الصغير الذي يملأ البيت حيوية وضجيجًا، حين يتسلل إليه المرض ويجعله طريح الفراش أمر شاق على الأب، ولكن! هل استشعر الأب نعمة صحته وعافيته عندما كان يلهو بين أترابه؟
- الستر الذي يكتنفنا، والأمن الذي يحوطنا، والغنى عن الناس، والنوم بلا مهدئات، والمشي على الأقدام، وقاء الحاجة بلا استعانة بأحد؛ نعم كبرى تستوجب اللهج بحمد الله.
- نعمة الإسلام والسنة ونعيم اليقين، والنجاة من جحيم الإلحاد وقلق الأسئلة الكبرى، منح عظيمة نتفيأ ظلالها، وهي -وربي- نعيم معجل غفل عنه كثير من الناس.
هل تفكرت يومًا: أنه في الساعة التي تصلي فيها، مستمتعا بمناجاة الله في هدأة من الليل هناك ملحد في أقاصي الأرض منكر لوجود الله، يتقلب على فراشه، ولهيب الهم يوقد صدره من غير خبو، ويذيب حشاه من غير هدنة، تنهشه كلاليب الحيرة والشك والاضطراب، لا يعرف ربا يلجأ إليه، ويبث إليه شكواه
وأنت إذا حزبك أمر فزعت إلى ربك الكريم، فرأيت الفرج يتسلل إليك كنور الفجر.
ما أجمل أن نجعل هذه المعاني دوما نصب أعيننا، فلسنا بحاجة إلى أن تصيبنا القوارع حتى نستشعر ما نحن فيه من عافية ونعمة، الكثير منا لديه الدنيا وما يشعر بقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"