وأما ما ورد من آيات الصفات وأحاديثها فالذي يفهم منها هو أن لله جل ذكره مطلق يد ووجه ونحو ذلك مما ورد، أما أن يدل على ماهية أو كيفية ونحوها فلا، بل لو قيل: إن ملكا من الملائكة له رأس لما فهم منه إلا أن له رأسا فحسب، فأما تفصيله فكلا. وذلك أن الماهية والكيفية ونحوها لا تفهم بمجرد ذكر الرأس مثلا، وإنما يحكم الإنسان على الشيء الغائب عنه إذا كان قد عرف نوعه، فالإنسان إذا تصور إنسانا من الغابرين أو الغائبين فإنه لا يحكم عليه إلا بما هو مشترك بين سائر الأناسي فقط.
وذلك للعلم بأنه إنسان من هذا النوع المشاهد، فإن تصور شيئا آخر كطوله وجسامته وبياضه مما لم يثبت اتصافه بها فهذا مجرد تخيل، كما قد يتصور أن له رأس ثور ونحوه.
فأما الملائكة فإن من لم ير أحدا منهم لم يمكنه أن يحكم عليهم بشيء، فإن ورد وصفهم بالأجنحة، فقد يتصور الإنسان أجنحة كأجنحة الطير، ولكنه فضلا عن كونه لا يفهم من الخبر أن رؤوسهم كرؤوس الطير وأرجلهم كأرجل الطير، لا يفهم منه أن أجنحتهم كأجنحة الطير وإن وصفوا بالأجنحة، للعلم بأنهم ليسوا من نوع الطير. وإذا كان هذا في الملائكة الذين هم خلق من خلق الله تعالى، فما بالك بجبار السموات والأرض سبحانه وتعالى؟
ومن المبتدع أيضا: مقابل هذا القول، وهو تأويل ما ورد في الكتاب والسنة من آيات الصفات مطلقا، قالوا: لأن قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾، وقوله: ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ يصرفها عن ظاهرها. فيقال لهم: وما هو ظاهرها؟
فإن قالوا: إن ظاهرها هو أن المراد باليد يد كأيدينا، وبالوجه وجه كوجوهنا ونحو ذلك = فغير مسلم، لما مر أنها لا تفهم إلا مطلق يد ووجه ونحوها مما ورد، فإن تصور الإنسان ماهية أو كيفية أو كمية فهو يعلم أن ذلك تخيل بحت، كما مر في أجنحة الملائكة، ولله المثل الأعلى.
وإن قالوا: إن ظاهرها هو إثبات مطلق اليد والوجه ونحوها مما ورد، وزعموا أن ذلك من أصله محال= فلا ولا كرامة، فإن العليم الخبير أنزل تلك الآيات البينات في كتابه غير جاهل ولا غافل، وقد أنزل القرآن عربيا مبينا، وكلف العرب بما فهمته من كتابه ومن كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
المصدر:
آثار الشيخ المعلمي (٤/ ١٦٠-١٦٢).