وسل نفسك لو أنك رجعت إلى بيتك، ووجدت أن البيت قد كسر، وأن المتاع قد سرق، أو وضعت يدك في جيبك، فوجدت أن ما تحتفظ به من نقود، وأوراق، ووثائق قد نشلت، وسرقت، أو خرجت إلى سيارتك، فإذا هي قد كسرت، وأخذ ما بها، ونثر زجاجها على قارعة الطريق، ماذا تصنع؟
هل تدعو على هذا الفاعل السارق المجرم، بأن يشل الله يده، ورجله، ويأخذ بصره، وسمعه، ويجمد الدم في عروقه، وأن يجعله يتمنى الموت، ثم لا يجده، هكذا نفعل أحيانًا..
أما ابن مسعود، ومن كان على شاكلته من أصحاب النفوس الكبيرة فلم يكن يصنع ذلك، خرج من بيته، ووضع النقود في طية من طيات عمامته، وجلس عند بائع فاشترى منه طعامًا، ثم قال بيده هكذا: فوجد أن النقود قد سرقت، فقال ابن مسعود: لقد جلست، وإنها لمعي استغرب، وفوجئ فتجمع مجموعة من الناس كالعادة لمناصرته، والتفاعل معه، وإبداء المشاعر، والأحاسيس التي يوافقونه، أو التي يواسونه بهذا المصاب الذي وقع له، فجعلوا يدعون على هذا السارق، اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا، اللهم افعل به كذا، وجلس كل واحد منهم يدعو.
أما ابن مسعود فقال: "اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة، فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب، فاجعله آخر ذنوبه" فليس فيها لا اقطع يده، ولا رجله، ولا شل أركانه، ولا خذ بصره، وسمعه، ولا اجعله يتمنى الموت، ولا يجده، ولا تجميد الدم في العروق، ولا شيء من ذلك إطلاقًا، دعا له بهذه الدعوات الطيبة، دعا له، ولم يدع عليه.
فما موقفك لو أنك دخلت، أو خرجت فصادفك إنسان لم يحفظ لك حقًا، ولم يراع لك حرمة، فوجه إليك سهمًا من لسانه فشتمك، وأسمعك ما تكره ماذا تصنع؟ ترد عليه بالمثل فتنتقم، ويتحول إلى عدو، إن أصحاب النفوس الكبيرة في هذا الموقف يتذكرون قول الله عز وجل: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [فصلت: 34] فهذا شعارهم.