
لماذا ضعفت أحوالُ كثيرٍ منَّا -معاشرَ طلاب العلم- وصرنا لا نرى فيما نقوله ونكتبه تحقيقًا وتحريرًا؟
لذلك أسباب عدة، غير أني أرى من أعظمها تأثيرًا أن الجادَّ منَّا قليل، ثم إن الجادَّ منَّا الحازمَ فينا يسلط غالب اهتمامه على "المطالعة" دون "الدراسة"، فيكون نتاجه في آخر المطاف خزينة "معلوماتية" لا "علمية"، بخلافه لو كان دارسًا. وذلك أن كثير القراءة واسع المعلومات، وأما كثير الدراسة فواسع العلم، وشتان ما بينهما!
ولا أحب أن أفرض بين الأمرين تمانعًا، فالكمال أن يكون الطالب كثيرَ الدرس والقراءة، لكني أحكي عن حالٍ لمستُها فيَّ وأبصرتُها في كثيرٍ من طلاب العلم حولي.
المعرفة الحقَّة هي التي جمعت إلى حيازة المعلومات المتصلة بها: القدرةَ على العبارة عنها وكشفها، والبصرَ بمشكلاتها، والتمكنَ من المحاماة عنها ودرء الاعتراضات الموجهة إليها.
والشأن كما يقول محمد الخضر حسين: (من يقضي زمنًا في طلب علمٍ ينفصل عنه وهو لا يستطيع أن يدفع عن أصوله شبهًا، أو يضرب له من العمل مثلًا = ذهب وقته ضائعًا، وبقي اسم الجهل عليه واقعًا).
فالله الله في الدرس والمدارسة، ولا تستكثر ساعاتٍ تقضيها في دراسة قليلٍ من المسائل، فالقليلُ المتعمَّقُ فيه عما قريبٍ يكون كثيرًا محقَّقًا، وهو خيرٌ من كثيرٍ مستعجَلٍ مهلهل.