تبريرات عدنانية

تبريرات عدنانية | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1270 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

التحاكم إلى الاستبشاع

ويدفع عدنان كل نص يعارض كلامه الذي يرى أنه يعلو فوق كل اجتهاد تارة بالتضعيف وأخرى بالتأويل، ويبرر تأويله فيقول "هل نحن بحاجة إلى أن نُذكّر أن الهم الكامن وراء سلوك هذا المسلك التأويلي هو تبرير ذلك الاستثناء المحرج من القاعدة الكلية المشيدة -على عدد كبير من النصوص- المقررة لحرية الاعتقاد والضمير، وهو استثناء دموي، لا يتمثل في مجرد حظر ممارسة حرية اختيار المعتقد، لكن في قتل من يتجرأ على فعل ذلك" (1)

فهو هنا يتحاكم إلى الاستبشاع! كونه دمويًا! هل هذا فعل من يريد الحق؟ أن يستبشع شيئًا فيرده، وهل هذا إلا كقوله تعالى "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" فاستعظموا أن يكون بشرًا واستبشعوا أن يكون أتباعه من ضعفاء القوم!

 

الحرية من موانع العقوبات!

وإن جعل الحرية مانعا من موانع العقوبات هو من مواضع المغالطات، فلما يقال: لماذا لا تقع العقوبة على فاعل المعصية الفلانية؟ هل يقال: ﻷنه حر!، هذا تخليط، وإعادة صياغة لموضع السؤال نفسه، إذ لما يقال: (فاعل المعصية) يعني هذا بأنه حر، وإلا لم ينسب إليه الفعل وهو لم يختر حصوله، بل ينسب إلى من أكرهه على الفعل، ولكن لما نسب إليه الفعل قيل هو فاعله، والصحيح أن الحرية شرط لوقوع العقوبات، وليست مانعا لها.

فمن أُكره على معصية لا تقع عليه العقوبة! بخلاف ما لو كان حرا مختارا كمن اغتصب فتاة، يعاقب هو لا هي، فلما كانت العقوبة تقع مع الحرية، لم يصح معارضة عقوبة بوجود حرية!

 

التحاكم إلى الحق الطبيعي

ويتحاكم عدنان إلى (الحق الطبيعي) لتسويغ الردة على أنها عمل عادي فيقول "إنها عمل عادي يعكس استعمال الإنسان لحق من حقوقه الطبيعية في اختيار دينه ومعتقده" (2)

ويشرح هذا الحق الطبيعي بقوله "حال تكوينية، يجد كل إنسان تصديقها من نفسه، ولا يصح تجاوزها، فتجاوزها لا يمكن أن يتم إلا بممارسة ضرب من ضروب الطغيان والاضطهاد بحق الآخرين، وهذه الحال هي التي تسمى بالقانون الطبيعي، وقوامه مجموعة القوانين الثابتة التي يكشف عنها العقل الإنساني ولا يخترعها، ويجب على المشرّع أن يستلهمها فيما يصدره من تشريعات، إذ بقدر ما يراعيها تكون تشريعاته أدنى إلى العدالة. وبموجب القانون الطبيعي تثبت للإنسان الحقوق المعروفة بالحقوق العامة" (3)

وهنا يحسن اقتباس قول برترند راسل في نقد هذا التحاكم "أما الاعتقاد بالطبيعة وبما هو طبيعي فهو مصدر لكثير من الأخطاء.. وكثير من العادات التي أصبحت تبدو (طبيعية) كانت في الأصل غير طبيعية.. فلا يحسب أحد الآن أن العظم المحطّم يمكن رأبه بالسلوك الطبيعي، وأكل الطعام المطهي هو غير طبيعي، وكذلك تدفئة البيوت" (4)

فما هو معيار الطبيعي وغير الطبيعي، وهل يلزم من كون الشيء طبيعيًا أن يكون حقًا وصوابًا! ورغم أن عدنان سبق أن تحدث عن "إنجازات الإنسان تلك التي كان سيختار استبقاءها والتخلي عما عداها في حال فُرض عليه ذلك.. على نحو قطع معه مع المواريث المرّة"(5)، إلا أنه هنا يتحدث عن الحق الطبيعي، في حين أن بليخانوف يرى مثلا أن النظرية الماركسية في الاقتصاد السياسي تقدمية أكثر من الحق الطبيعي، يقول "الاقتصاد السياسي يلعب في الوقت الراهن... دورًا يضاهي في أهميته الحق الطبيعي في القرن الثامن عشر" (6)

وهذا متسق مع النظرة الماركسية في التقدم، فنظرية الحق الطبيعي بنظرهم نظرية مثالية قديمة، خدمت البرجوازية في القرن السابع بعشر والثامن عشر، جاء في الموسوعة الفلسفية وهي من وضع لجنة من العلماء والأكاديميين السوفياتيين بإشراف: روزنتال ويودين: "القانون الطبيعي: نظرية عن قانون مثالي لا يتوقف على الحالة موضع النظر، ويؤخذ على أنه مستمد من العقل وطبيعة الإنسان، وقد وضعت أفكار القانون الطبيعي في الأزمنة القديمة (عند سقراط وأفلاطون إلخ) وقد عد القانون الطبيعي في العصور الوسطى ضربًا من ضروب قانون الله (انظر توما الأكويني)، وجرى تناول الفكرة على نطاق واسع في فترة الثورات البرجوازية الغربية (القرنان السابع عشر والثامن عشر) واستخدم دعاة هذا القانون الرئيسيون (جروتيوس وسبنوزا ولوك وروسو ومونتسكيو وهولباخ وكانط وراديشيف هذا المصطلح لنقد الإقطاع وتأكيد أن المجتمع البرجوازي أمر طبيعي، وأمر معقول" (7)

إنهم يرون الحق الطبيعي نظرية مثالية، ساهمت في نقد الإقطاع لخدمة البرجوازية، ثم أضحت البرجوازية رجعية بعد النظرية الماركسية، ويفترض عندهم عدم العودة إلى المواريث المرة بتعبير عدنان.

فإن كانت الإنجازات البشرية في صعيد الفلسفة بما فيها الأخلاقية أمر متطور، فعدنان رجعي بهذه النظرة كونه يتحاكم إلى أفكار قديمة تجاوزتها كثير من الفلسفات العصرية بنظر أتباعها أو من يصحح نقدها، وإن كان يرى أن الصواب لا يشترط أن يكون حديثًا فعلام إذن التعليل بكونها منجزات بشرية يختار استبقاءها وقطع المواريث المرة.

على أن عدنان نفسه يقول في نفس الرسالة "الإنسان بطبيعته لا ينزع إلى الانفتاح والتسامح قدر نزوعه إلى الانغلاق والتعصب" (8) فإن كان الإنسان في طبيعته ينزع إلى ما لا يراه عدنان صوابًا، إذًا لا يصح أن يصف شيئًا بكونه حقًا لكونه طبيعيًا، ولا يمهل عدنان غزله حتى ينقضه.

يقول الجاحظ "ليس قولنا (طُبع الإنسان على حب الإخبار والاستخبار) حجة له على الله، ﻷنه طُبع على حب النساء ومُنع الزنى، وحُبب إليه الطعام ومُنع من الحرام" (9)

 

حجج رد الإجماعات

ويتفتق وعي عدنان عن حجج في رد الإجماعات، ومن ذلك لا يرى أي دليل على التفريق بين الكفر الأصلي والكفر الطارئ فيقول "ضلال الاثنين يدخل في عموم الضلال فالضلال العارض كالأصلي" (10)

فيقال: على منطق عدنان، لا فرق بين الكفر الأصلي والطارئ، ولا فرق بين من لا يريد الزواج وبين من تزوج متى قال: لا أريد الزواج انتهينا، وحاله وقتئذ كحاله قبل الزواج. ثم واحد لا يريد أن يبيع، وباعك ثم عاد في بيعه فحاله نفس الحال الأول.

يذكرني هذا بأحد الطرفاء، سأله أحد الناس: لماذا لا تمارس الرياضة؟ فرد عليه: ألست تتعب بعد كل جولة؟
قال: نعم، قال: وبعدها ترتاح؟ّ! قال: نعم، قال: فأنا مرتاح من البداية، إذن لا فائدة من الرياضة.

ويقال: الكفر من المحارب والمسالم يدخل في عموم الضلال،  إذا على منطقه لا فرق بين المحارب والمسلم بجامع دخولهما في عموم الوصف بالضلال.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حرية الاعتقاد، ص1074
  2. حرية الاعتقاد، ص872
  3. حرية الاعتقاد، ص1125
  4. بحوث غير مألوفة، برتراند راسل، ص107
  5. حرية الاعتقاد، ص36
  6. المؤلفات الفلسفية، جورج بليخانوف، ترجمة فؤاد أيوب، ص337
  7. الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء الأكاديميين السوفياتيين، ص372
  8. حرية الاعتقاد، ص1246
  9. رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ص145حرية الاعتقاد، ص911

 

المصدر:

يوسف سمرين، تناقضات منهجية: نقد رسالة د. عدنان إبراهيم للدكتوراة، ص36

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عدنان-إبراهيم
اقرأ أيضا
من علوم اللغة: النحو | مرابط
تفريغات لسانيات

من علوم اللغة: النحو


الشافعي رحمه الله لم يشتغل بدراسة العلم حتى جلس في قبيلة هذيل وحتى حفظ عشرين ألفا من أشعارهم ونحو هذا كثير جدا في حال سلفنا فمن لم يكن ذا سلاح من علم النحو لا يمكن أن يفهم ولا أن يفتي في كثير من المسائل

بقلم: محمد الحسن الشنقيطي
383
الدفاع عن السنة الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الثاني


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
688
هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد | مرابط
أباطيل وشبهات

هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد


يقول بعض المشككين أن القرآن لم ينقل كله بالتواتر بدليل أن زيد بن ثابت لم يجد خاتمة سورة براءة إلا مع خزيمة الأنصاري وهو صحابي واحد إذ يقول زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم إلى آخرهما وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
1040
شبح الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تاريخ مقالات

شبح الحروب الصليبية الجزء الأول


إذا أردنا أن نقف على الأسباب الحقيقية للعداء البغيض الذي تحمله أوروبا ويحمله الغرب تجاه الإسلام علينا أن نرجع عدة خطوات إلى الخلف إلى الماضي الذي شكل معالم المدنية الأوروبية وتشربه الرجل الأبيض وتوارثه مع مرور الوقت سنقف هنا أمام الحروب الصليبية لندرك أثرها على الهوية الأوروبية فيما يخص الإسلام فكما يقول المؤلف: يمكننا أن نقول من غير أن نوغل في المبالغة أن أوروبة ولدت من روح الحروب الصليبية لقد كانت ثمة قبل ذلك الزمن أنكلو سكسون وجرمان وفرنسيون ونورمان وإيطاليون ودنماركيون وسلاف ولكن في أثن...

بقلم: محمد أسد
2171
الدعاة.. بين الزينة والوقار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الدعاة.. بين الزينة والوقار


ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته كثير الأشعار والإشارات والحركات وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن الفساد فيه أكثر من الصلاح ويتبين ذلك منه بقرائن أحواله بل لا ينبغي أن يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين

بقلم: أبو حامد الغزالي
556
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا | مرابط
اقتباسات وقطوف

ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا


ما أكثر الأوقات التي تضيع على من غفل عن ذكر الله تضيع بلا فائدة وأنت إذا رأيت من نفسك أن أوقاتك ضائعة بلا فائدة فيجب عليك أن تلاحظ قلبك فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذكر الله ولو رأيت أو لو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء ما أنتجوا من المؤلفات

بقلم: ابن عثيمين
629