تبريرات عدنانية

تبريرات عدنانية | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1187 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

التحاكم إلى الاستبشاع

ويدفع عدنان كل نص يعارض كلامه الذي يرى أنه يعلو فوق كل اجتهاد تارة بالتضعيف وأخرى بالتأويل، ويبرر تأويله فيقول "هل نحن بحاجة إلى أن نُذكّر أن الهم الكامن وراء سلوك هذا المسلك التأويلي هو تبرير ذلك الاستثناء المحرج من القاعدة الكلية المشيدة -على عدد كبير من النصوص- المقررة لحرية الاعتقاد والضمير، وهو استثناء دموي، لا يتمثل في مجرد حظر ممارسة حرية اختيار المعتقد، لكن في قتل من يتجرأ على فعل ذلك" (1)

فهو هنا يتحاكم إلى الاستبشاع! كونه دمويًا! هل هذا فعل من يريد الحق؟ أن يستبشع شيئًا فيرده، وهل هذا إلا كقوله تعالى "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" فاستعظموا أن يكون بشرًا واستبشعوا أن يكون أتباعه من ضعفاء القوم!

 

الحرية من موانع العقوبات!

وإن جعل الحرية مانعا من موانع العقوبات هو من مواضع المغالطات، فلما يقال: لماذا لا تقع العقوبة على فاعل المعصية الفلانية؟ هل يقال: ﻷنه حر!، هذا تخليط، وإعادة صياغة لموضع السؤال نفسه، إذ لما يقال: (فاعل المعصية) يعني هذا بأنه حر، وإلا لم ينسب إليه الفعل وهو لم يختر حصوله، بل ينسب إلى من أكرهه على الفعل، ولكن لما نسب إليه الفعل قيل هو فاعله، والصحيح أن الحرية شرط لوقوع العقوبات، وليست مانعا لها.

فمن أُكره على معصية لا تقع عليه العقوبة! بخلاف ما لو كان حرا مختارا كمن اغتصب فتاة، يعاقب هو لا هي، فلما كانت العقوبة تقع مع الحرية، لم يصح معارضة عقوبة بوجود حرية!

 

التحاكم إلى الحق الطبيعي

ويتحاكم عدنان إلى (الحق الطبيعي) لتسويغ الردة على أنها عمل عادي فيقول "إنها عمل عادي يعكس استعمال الإنسان لحق من حقوقه الطبيعية في اختيار دينه ومعتقده" (2)

ويشرح هذا الحق الطبيعي بقوله "حال تكوينية، يجد كل إنسان تصديقها من نفسه، ولا يصح تجاوزها، فتجاوزها لا يمكن أن يتم إلا بممارسة ضرب من ضروب الطغيان والاضطهاد بحق الآخرين، وهذه الحال هي التي تسمى بالقانون الطبيعي، وقوامه مجموعة القوانين الثابتة التي يكشف عنها العقل الإنساني ولا يخترعها، ويجب على المشرّع أن يستلهمها فيما يصدره من تشريعات، إذ بقدر ما يراعيها تكون تشريعاته أدنى إلى العدالة. وبموجب القانون الطبيعي تثبت للإنسان الحقوق المعروفة بالحقوق العامة" (3)

وهنا يحسن اقتباس قول برترند راسل في نقد هذا التحاكم "أما الاعتقاد بالطبيعة وبما هو طبيعي فهو مصدر لكثير من الأخطاء.. وكثير من العادات التي أصبحت تبدو (طبيعية) كانت في الأصل غير طبيعية.. فلا يحسب أحد الآن أن العظم المحطّم يمكن رأبه بالسلوك الطبيعي، وأكل الطعام المطهي هو غير طبيعي، وكذلك تدفئة البيوت" (4)

فما هو معيار الطبيعي وغير الطبيعي، وهل يلزم من كون الشيء طبيعيًا أن يكون حقًا وصوابًا! ورغم أن عدنان سبق أن تحدث عن "إنجازات الإنسان تلك التي كان سيختار استبقاءها والتخلي عما عداها في حال فُرض عليه ذلك.. على نحو قطع معه مع المواريث المرّة"(5)، إلا أنه هنا يتحدث عن الحق الطبيعي، في حين أن بليخانوف يرى مثلا أن النظرية الماركسية في الاقتصاد السياسي تقدمية أكثر من الحق الطبيعي، يقول "الاقتصاد السياسي يلعب في الوقت الراهن... دورًا يضاهي في أهميته الحق الطبيعي في القرن الثامن عشر" (6)

وهذا متسق مع النظرة الماركسية في التقدم، فنظرية الحق الطبيعي بنظرهم نظرية مثالية قديمة، خدمت البرجوازية في القرن السابع بعشر والثامن عشر، جاء في الموسوعة الفلسفية وهي من وضع لجنة من العلماء والأكاديميين السوفياتيين بإشراف: روزنتال ويودين: "القانون الطبيعي: نظرية عن قانون مثالي لا يتوقف على الحالة موضع النظر، ويؤخذ على أنه مستمد من العقل وطبيعة الإنسان، وقد وضعت أفكار القانون الطبيعي في الأزمنة القديمة (عند سقراط وأفلاطون إلخ) وقد عد القانون الطبيعي في العصور الوسطى ضربًا من ضروب قانون الله (انظر توما الأكويني)، وجرى تناول الفكرة على نطاق واسع في فترة الثورات البرجوازية الغربية (القرنان السابع عشر والثامن عشر) واستخدم دعاة هذا القانون الرئيسيون (جروتيوس وسبنوزا ولوك وروسو ومونتسكيو وهولباخ وكانط وراديشيف هذا المصطلح لنقد الإقطاع وتأكيد أن المجتمع البرجوازي أمر طبيعي، وأمر معقول" (7)

إنهم يرون الحق الطبيعي نظرية مثالية، ساهمت في نقد الإقطاع لخدمة البرجوازية، ثم أضحت البرجوازية رجعية بعد النظرية الماركسية، ويفترض عندهم عدم العودة إلى المواريث المرة بتعبير عدنان.

فإن كانت الإنجازات البشرية في صعيد الفلسفة بما فيها الأخلاقية أمر متطور، فعدنان رجعي بهذه النظرة كونه يتحاكم إلى أفكار قديمة تجاوزتها كثير من الفلسفات العصرية بنظر أتباعها أو من يصحح نقدها، وإن كان يرى أن الصواب لا يشترط أن يكون حديثًا فعلام إذن التعليل بكونها منجزات بشرية يختار استبقاءها وقطع المواريث المرة.

على أن عدنان نفسه يقول في نفس الرسالة "الإنسان بطبيعته لا ينزع إلى الانفتاح والتسامح قدر نزوعه إلى الانغلاق والتعصب" (8) فإن كان الإنسان في طبيعته ينزع إلى ما لا يراه عدنان صوابًا، إذًا لا يصح أن يصف شيئًا بكونه حقًا لكونه طبيعيًا، ولا يمهل عدنان غزله حتى ينقضه.

يقول الجاحظ "ليس قولنا (طُبع الإنسان على حب الإخبار والاستخبار) حجة له على الله، ﻷنه طُبع على حب النساء ومُنع الزنى، وحُبب إليه الطعام ومُنع من الحرام" (9)

 

حجج رد الإجماعات

ويتفتق وعي عدنان عن حجج في رد الإجماعات، ومن ذلك لا يرى أي دليل على التفريق بين الكفر الأصلي والكفر الطارئ فيقول "ضلال الاثنين يدخل في عموم الضلال فالضلال العارض كالأصلي" (10)

فيقال: على منطق عدنان، لا فرق بين الكفر الأصلي والطارئ، ولا فرق بين من لا يريد الزواج وبين من تزوج متى قال: لا أريد الزواج انتهينا، وحاله وقتئذ كحاله قبل الزواج. ثم واحد لا يريد أن يبيع، وباعك ثم عاد في بيعه فحاله نفس الحال الأول.

يذكرني هذا بأحد الطرفاء، سأله أحد الناس: لماذا لا تمارس الرياضة؟ فرد عليه: ألست تتعب بعد كل جولة؟
قال: نعم، قال: وبعدها ترتاح؟ّ! قال: نعم، قال: فأنا مرتاح من البداية، إذن لا فائدة من الرياضة.

ويقال: الكفر من المحارب والمسالم يدخل في عموم الضلال،  إذا على منطقه لا فرق بين المحارب والمسلم بجامع دخولهما في عموم الوصف بالضلال.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حرية الاعتقاد، ص1074
  2. حرية الاعتقاد، ص872
  3. حرية الاعتقاد، ص1125
  4. بحوث غير مألوفة، برتراند راسل، ص107
  5. حرية الاعتقاد، ص36
  6. المؤلفات الفلسفية، جورج بليخانوف، ترجمة فؤاد أيوب، ص337
  7. الموسوعة الفلسفية، وضع لجنة من العلماء الأكاديميين السوفياتيين، ص372
  8. حرية الاعتقاد، ص1246
  9. رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ص145حرية الاعتقاد، ص911

 

المصدر:

يوسف سمرين، تناقضات منهجية: نقد رسالة د. عدنان إبراهيم للدكتوراة، ص36

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عدنان-إبراهيم
اقرأ أيضا
الخطاب باللغة العربية | مرابط
لسانيات

الخطاب باللغة العربية


وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
393
شهادة امرأة غربية | مرابط
اقتباسات وقطوف

شهادة امرأة غربية


كان النساء يعاملن على أنهن كائنات أدنى حتى جاء الإسلام.. في الحقيقة نحن النساء لا زلنا نعاني في الغرب حيث يعتقد الرجال أنهم أرقى من النساء. وهذا أمر من الممكن أن نراه في نظم الترقية والرواتب من عاملات التنظيف إلى النساء في مجالس الإدارة. النساء الغربيات لا زلن يعاملن كسلعة حيث الاستعباد الجنسي في علو وإن كان يتغطى تحت كنايات تسويقية حيث تروج أجساد النساء عبر عالم الإعلانات.

بقلم: إيفوني ردلي
236
قاعدة الجزاء والحساب ج1 | مرابط
تفريغات

قاعدة الجزاء والحساب ج1


إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما لما له من نتائج وخيمة وعواقب أليمة وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة وهنيئا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله فهو يعلم أن هدايته بيد الله وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا لأن الله هو الذي كتبه

بقلم: عمر الأشقر
779
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1294
معرفة مذهب السلف | مرابط
اقتباسات وقطوف

معرفة مذهب السلف


فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين: أحدهما: أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني: أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
534
العجيبة الثامنة ج2 | مرابط
فكر مقالات

العجيبة الثامنة ج2


المكتبة الإسلامية هي عجيبة العجائب ذهب جلها ولم يبق منها إلا قلها وهذا الذي بقى هو الأقل الأقل وهو على ذلك شيء عظيم ففي مكتبات إسطنبول كما نقلوا أكثر من مئتي ألف مخطوطة جلبها العثمانيون من العواصم العربية والإسلامية وفي شمالي إفريقيا مئتا ألف مخطوط في مكتبات القيروان وفاس وحواضر الشمال الإفريقي المسلم وفي مصر ثمانون ألف مخطوط وفي موريتانيا واليمن وغيرهما

بقلم: علي الطنطاوي
826