تراجع الخيرية

تراجع الخيرية | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

251 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

مَن تأمّل في "تراجع الخيرية" في قرون الإسلام الأولى= علِم أنه كلما ابتعد الناس عن نور النبوة الأولى والتربية النبوية الأخروية فإنه يحصل لبعض المنحرفين في المجتمع الإسلامي من الانبهار بالثقافات المجاورة مالا يحصل لسابقيهم، وهذا كله بسبب ما نقص في قلوبهم من تعظيم الآخرة عمّن سبقهم، وما دخل القلوب من التثاقل الى الأرض.

بل إن مَن تأمّل لحظة ارتطام الفكر الاسلامي بسطوة الحداثة اليونانية في تاريخ الاسلام المبكر وكيف سببت ارتجاجات وفقدان تماسك لدى كثير من العباقرة والأذكياء= علم أن أئمة الاسلام الذين ثبتوا في تلك المحنة لم يتمكنوا من مقاومة تلك الأعاصير الحداثية إلا حين كانت العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم الرسل أعظم في نفوسهم من كل ما سواها، فجزاهم الله عن الاسلام والمسلمين كل خير.

وهذه البراهين السابقة إنما هي مستقاة من دروس القرآن والسنة وهدي القرون المُفضّلة، أما لو شئنا الانتقال إلى "النتائج الواقعية" وعقَدنا مقارنة بين "مخرجات المدرسة التربوية الاسلامية" وبين مخرجات الخطاب الديني المتبنّي لـ"تعظيم الدنيا"= فسنرى البون الشاسع في الفعالية والنجاعة.

فمخرجات المدرسة التربوية الاسلامية عميقة الإيمان بمرجعية الوحي، وشديدة الاعتزاز بسلفها، متشبعة بقيم العمل للإسلام والغيرة على الدين، وراسخة الإيمان بظلامية الثقافة الغربية، وجادَّة في امتلاك الوسائل الحديثة كالتخصصات العلمية والمؤسسات الإعلامية وتوظيف التقنيات البرمجية والإتصالية، وغير ذلك مما هو ظاهر لكل أحد .. فانظر كيف أن اتِّباع منهج الوحي وهدي القرون المفضلة في تعظيم الآخرة لم يقُدها الى الرهبانية كما يزعم غلاة المدنية، بل قادها الى النجاح في تنظيم هرميّة اهتماماتها بشكل صحيح، فكانت تلك المخرجات التربوية أنجح من غيرها في دينها ودنياها ولله الحمد.  

وبالمقابل، قارن ذلك بمخرجات الخطاب الديني المتبني لـ"تعظيم الدنيا"، ستجد مَن يتصالح معه من العلمانيين لم يتزحزح عن علمانيته قيد أنملة، ومَن استمع له من الشباب وتشبّع بمفاهيمه تجد الكثير منهم اضطربت معاييره؛ فنقصت هيبة السلف في نظره، وارتفعت قيمة الكفار، وبدأ يشعر بسذاجة المشروعات الدعوية الإيمانية، ثم خسارة "المكتسبات السلوكية" الراقية التي تربى عليها، وغير ذلك من المظاهر المعروفة.

وأساس الخلل الذي لم يتنبه له خطاب "تعظيم المدنية الدنيوية" هو أنه يمارس دون وعي "إعادة تشكيل داخلي للمعايير" بما يتناقض مع المعايير الإلهية لقيمة المجتمعات والشخصيات والثقافات والأمم.  

وأصدقك القول أيها القارئ الكريم أنني تأملت كثيراً في ظواهر الإنحراف الثقافي في صحافتنا ومنتدياتنا -وخصوصاً في مستوياته الشبابية-، فرأيت أنه إذا تشرّب قلب الشاب "تعظيم المدنية الدنيوية" و"الغلو في الحضارة المادية" بحيث أصبحت "معياره" في تقييم المجتمعات والشخصيات= قاده ذلك "تدريجياً" الى زهاء خمسة عشر كارثة:

التحييد العملي للنص، والإزراء بالقرون المفضلة، والاستخفاف بقيمة علوم الشريعة، واللهج بتعظيم الكفار، والسرور بالحديث الفكري المجرد، والتدهور السلوكي، والعزوف الدعوي، والتحول للمشروعات الفكرية "الشخصية"، واستسذاج الموعظة والخطاب الايماني، والحدة في محاسبة الإسلاميين، والرحابة وحسن الظن تجاه الدراسات المنحرفة، وذبول الحمية لله ورسوله تجاه الكتابات المنتهكة للمُحكمات، والتركيز على زلات المحتسبين بما يفوق عدوان المجاهرين، والتلذذ بمناهضة الفتاوى، والولع برخص العلماء وشذوذات الفقهاء.

وباختصار شديد: إن خطاب الغلو المدني يبدأ بالتجديد وينتهي بالتجديف!!


المصدر:
إبراهيم السكران، مآلات الخطاب المدني، ص308

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#مآلات-الخطاب-المدني
اقرأ أيضا
الفرح بالله | مرابط
اقتباسات وقطوف

الفرح بالله


والفرح بالله وبأعمال الإيمان التي تقرب إلى الله جاءت الإشارة إليه في آيات متعددة بلفظ الفرح وبلفظ الاستبشار وغيره ولذلك قال ابن القيم فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين

بقلم: إبراهيم السكران
723
من حياة عمر بن عبد العزيز ج1 | مرابط
تفريغات

من حياة عمر بن عبد العزيز ج1


ملأ الأرض عدلا بعد أن كادت تملأ جورا إيه يا عمر قد عشت عمرك زاهدا في كل ما جمع البشر أتعبت من سيجيء بعدك في الخلافة يا عمر بعد كل صلاة ينادي مناديه: أين الفقراء أين المحتاجون فيقدم لهم الطعام والأموال فلا والله ما تنساه البطون الجائعة ولا الأكباد الظمأى ما دام في الأرض بطن جائعة أو كبد ظمأى

بقلم: خالد الراشد
486
بناء الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

بناء الإسلام


مقتطف للأستاذ محمود شاكر يعلق فيه سريعا على بناء الإسلام ومهمة المسلمين الأولى ثم يناقش بناء الاجتماع من الناحية الاجتماعية ومن الناحية السياسية ويقف على الشاغل الأول الذي لا يجب أن يفارق رجال الإسلام وهو إنقاذ المجتمعات الإسلامية من أسباب ضعفها

بقلم: محمود شاكر
1733
التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث: نموذج محمد عبده | مرابط
مقالات

التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث: نموذج محمد عبده


كانت إحدى غايات محمد عبده الرئيسية أن يظهر إمكان التوفيق بين الإسلام وبين الفكر الحديث وأن يبين كيفية تحقيق ذلك وقد اشترك في مناقشتين حول هذا الموضوع إحداها مع المورخ الفرنسي هانوتو والأخرى مع اللبناني المستمصر فرح أنطون كان الجدل من مقومات فكره غير أن الجدل له أخطاره ففي الدفاع عن النفس قد يصبح المجادل أقرب إلى خصمه مما كان يظن.

بقلم: ألبرت حوراني
363
المؤامرة على المرأة المسلمة ج3 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج3


ثم ما الذي ينتج إذا عملت المرأة كما هو واضح إذا عملت المرأة أولا تنافس الرجال في الوظائف الدولة التي عندها عشرة آلاف وظيفة مثلا وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة إنها ستعطي خمسة آلاف منهن خمسة آلاف وظيفة فيتعطل خمسة آلاف شاب فيتحولون إلى مجرمين وإلى لصوص وإلى مدمني مخدرات وإلى ما لا يحتاج إلى أن يذكر لمعرفته في الإحصائيات العالمية

بقلم: سفر الحوالي
747
ثمن الكرة الذهبية! | مرابط
فكر

ثمن الكرة الذهبية!


في لاعب مشهور اسمه زلاتان إبراهيموفتش ويقال أنه كان يستحق يفوز بالكرة الذهبية في وقت ما.. لكنه لم يفز بها.. اللاعب ده صرح بإن الكرة الذهبية لا يفوز بها إلا mr. nice guy .. ويقصد بها الأشخاص المرضي عنهم! .. ألا يذكرك هذا بصورة ميسي وهو يرتدي القبعة الصهيونية ويقف أمام حائط المبكى

بقلم: علي محمد علي
413