الشبهات هي شبهات عظيمة في ذاتها، وشبهات هي يسيرة في ذاتها، ولكنها عظيمة في قلب الإنسان؛ لقلة معرفته بالحق، فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان طريقًا مختصرًا بينًا يميز به الإنسان الخير من الشر، ويجعل هذا الطريق هو طريق الفيصل بين الطرق كلها، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عبد الله بن مسعود قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، وخط عن يمينه وشماله خطوطًا, فقال: هذا الصراط المستقيم، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم تلا قول الله جل وعلا: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" [الأنعام:153]).
ذكر الله عز وجل في هذه الآية أن الصراط صراط واحد، وأما السبل فهي متعددة؛ لأن طريق الحق هو طريق واحد كحال العافية، فالعافية واحدة، وأما الأمراض فمتعددة، وهذا طريق الحق دائمًا يكون واحدًا لا يتعدد، وهذا هو الحق في مذهب أهل الحق من أهل السنة والجماعة على خلاف من أهل العقل من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إن الحقيقة في ذاتها تتعدد، وأن الصواب يتعدد، وهذا فيه نظر، ولكن نقول: إن أجر الإنسان في حال اجتهاده يتعدد، إما أن يكون من أجر أو أجرين، أما الحقيقة في ذاتها فإنها لا تكون إلا حقيقة واحدة، كذلك الطريق المستقيم هو طريق واحد، ولهذا الإنسان الذي يريد أن يسلك طريقًا من مكة إلى المدينة، فإن الطريق المعتدلة على خط مستقيم هذا هو الطريق الحق الصواب الذي لا يشوبه ميلان، وإن كان ثمة شيء من التعرجات وغير ذلك، هذا طريق فيه حق كبير، وكلما كان تعرجه في ذلك بعد عن الحق، وأما من رأى أنه يصل إلى الغاية, ويحتج بأن هذا أوصله إلى الغاية فيلزم من ذلك التساوي في الصحة، نقول: إن الوصول إلى الغاية لا يعني تساوٍ في الصحة عند العقلاء في كثير من المدركات إذا أراد الإنسان أن ينظر إليها من الأمور المعنوية والحسية.
المصدر:
محاضرة الشبهات وأثرها في الثبات