ولقد ناظرت بعض علماء النصارى معظم يوم، فلما تبين له الحق بهت، فقلت له وأنا وهو خاليين: ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟ فقال لي: إذا قدمت على هؤلاء الحمير -هكذا لفظه- فرشوا لنا الشقاف تحت حوافر دابتي، وحكموني في أموالهم ونسائهم، ولم يعصموني فيما آمرهم به، وأنا لا أعرف صنعة، ولا أحفظ قرآنا ولا نحوًا ولا فقهًا، فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس فمن الذي يطيب نفسًا بهذا؟ فقلت: هذا لا يكون، وكيف تظن بالله أنك إذا آثرت رضاه على هواك يخزيك ويذلك ويحوجك، ولو فرضنا أن ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق، والنجاة من النار، ومن سخط الله وغضبه فيه أتم العوض عما فاتك، فقال: حتى يأذن الله، فقلت: القدر لا يحتج به، ولو كان القدر حجة لكان حجة لليهود على تكذيب المسيح، وحجة للمشركين على تكذيب الرسل، ولا سيما أنتم تكذبون بالقدر فكيف تحتج به؟ فقال: دعنا الآن من هذا، وأمسك
المصدر:
- ابن القيم، هداية الحيارى، 119