حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية

حدود النظر إلى المخطوبة أثناء الرؤية | مرابط

الكاتب: قاسم اكحيلات

261 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

السؤال:
هل يجوز للخاطب رؤية شعر المخطوبة في الرؤية الشرعية؟ وما يحل له رؤيته؟

الجواب:
نظرا لكثرة الأسئلة حول هذا الموضوع وما يلحقه من استغلال فالأفضل أن نبين أحكام النظر الخاص بالخاطب والمخطوبة:

فالأصل أن الخاطب رجل أجنبي لا يحل له من المرأة شيء، وهو داخل في عموم قول ربنا: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ‌يَغُضُّوا ‌مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]. لكن الشرع استثنى مريد الخطبة وأباح له النظر لمن يريدها، لأن هذا يحقق دوام الألفة مستقبلا ويكون سببا للزواج من عدمه، عن أنس بن مالك، أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة، فقال له النبي ﷺ: «اذهب فانظر إليها، فإنه ‌أحرى ‌أن ‌يؤدم بينكما». (1) وقوله (يؤدم بينكما) أي يوفق ويؤلف.
وهذا مما لا خلاف فيه أصلا، قال ابن قدامة: «لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ‌إباحة ‌النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها». (2)

والفقهاء مختلفون في هذا النظر هل هو جائز فقط أم مستحب، فقال الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة: يندب النظر. «والمذهب عند الحنابلة أنه يباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالبا». (3)
والراجح أنه مستحب، لأن النبي ﷺ رغب في ذلك فخرج عن الإباحة.

الخاطب الذي يمكن من النظر هو الذي يرجى قبوله، اما الذي لا تراه أهلا لها فلا يحل لها تمكينه، ولا هو يحل له أيضا النظر إليها، قال ابن القطان الفاسي:«لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر وان كان قد خطب: لأنه إنما أبيح النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه فيبقى النظر على أصله من المنع». (4)
لذا فالمؤمنة لا يصح منها أن تمكن أحدا من النظر إليها وهي تعلم عدم قبولها له، ولا يحل كذلك للرجل الإقبال على النظرة إذا غلب على ظنه أنه سيرفض.

لا يشترط علمها بالنظر إليها على الراجح، لقول النبي ﷺ:«إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة، ‌وإن ‌كانت ‌لا ‌تعلم». (5)

ومع ذلك كره المالكية أن يكون من غير علم قال الدردير«(بعلم) منها أو من وليها ويكره استغفالها». (6)
قال الدسوقي: «وقوله: ‌وكره ‌استغفالها أي لئلا يتطرق أهل الفساد لنظر محارم الناس ويقولون: نحن خطاب». (7)

من كانت منتقبة ورأت القبول من نفسها كشفت وجهها، ولا يحل إرسال صورتها لأحد، فمن لا يريد تكبد المشاق من أول يوم من أجلك لا خير فيه، وكما يقولون:"ومن يخطب الحسناء لم يغله مهرها". ثم هذه الصورة لا تفيد شيئا، قال النبي ﷺ:«‌ليس ‌الخبر كالمعاينة». (8)

ولا يجوز للمسلمة أن تكون متساهلة في التمكين من صورها، فتجعلها ملعبة، بل هي عزيزة، «عن المغيرة بن شعبة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له امرأة أخطبها (، فقال: " اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " قال: فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرك أن تنظر، فانظر، ‌وإلا ‌فإني ‌أنشدك، كأنها عظمت ذلك عليه، قال: فنظرت إليها: فتزوجتها، فذكر من موافقتها». (9)
فأمر النظر لا يتهاون فيه كما هو الحال اليوم للأسف.

اختلف العلماء في حدود نظر الخاطب إلى مخطوبته، وأخذ الناس -وخاصة المتفقهة منهم- في استغلال الخلاف القائم، فمنهم من يريد النظر إلى الشعر والساق.. بحجة أن النبي ﷺ لم يبين الحدود وهذا خطر.

للعلماء أقوال: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على أن ما يباح للخاطب نظره من مخطوبته الحرة هو الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما إلى كوعيهما لدلالة الوجه على الجمال، ودلالة الكفين على خصب البدن.
وهناك رواية عند الحنفية أن القدمين ليستا بعورة حتى في غير الخطبة.

أما الحنابلة فعندهم رواية في الوجه فقط، وفي أخرى أنه يرى ما يظهر غالبا أنه ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كوجه ويد ورقبة وقدم.
وهناك قول آخر وهو جواز النظر إليها كلها، قال ابن حزم: «مسألة: ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة، فله أن ينظر منها - متغفلا لها وغير متغفل - إلى ما بطن منها وظهر». (10). وهذا القول هو الـأخطر من بين الأقوال إذا ترك من غير ضبط.

لذا كان الظاهر هو قول الجمهور، وهو أن يرى منها أي شيء غير الوجه والكفين بدليل حديث ‌سهل بن سعد الساعدي قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، قال: فنظر إليها رسول الله ﷺ ‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها». (11) ولا يتصور أنها كشفت عن رقبتها وعن شعرها بحضرة الرجال.

ثم أن الوجه هو مجمع المحاسن، وهو دليل الجمال والرغبة، وأن هذا هو ما يظهر غابا حال الاستغفال وما يظهر عن غير قصد، وهذا أحفظ للعورات وصيانتها، وهو حد الحاجة فلا يتوسع فيها.
ومن أراد التقين من أمر كلف إحدى محارمه من النساء فله أن يبعث امرأة تنظر له وقد ورد في هذا أحاديث ضعيفة.

للخاطب أن يكرر النظر إلى المخطوبة حتى يتبين له هيئتها فلا يندم على نكاحها ويتقيد في ذلك بقدر الحاجة، ومن ثم لو اكتفى بنظرة حرم ما زاد عليها؛ لأنه نظر أبيح لحاجة فيتقيد بها. فإذا نظر وتقين وحصل القبول لم يحل تمكينه من النظر إليها مرة أخرى لأن النظر أبيح للحاجة وقد انتفت.

ولا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنظر ولا لغيره لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم؛ ولأنه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور.

ومن لم ير من الآخر ما يعجبه سواء الرجل أو المرأة فلا يذكر ذلك صراحة وليسكت ويعتذر بما لا يجرح، ففي حديث الواهبة: «‌فصعد ‌النظر ‌فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ رأسه». (12). فلا يقول هو أو هي لا أريده.


الإشارات المرجعية:

  1. [سنن ابن ماجه (1/ 599 ت عبد الباقي)]
  2. [المغني لابن قدامة (9/ 489 ت التركي)].
  3. [الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 197)].
  4. [إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر (ص475)]
  5. [مسند أحمد (39/ 15 ط الرسالة)]
  6. [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 215)]
  7. نفس المصدر السابق
  8. [مسند أحمد (3/ 341 ط الرسالة)].
  9. [مسند أحمد (30/ 66 ط الرسالة)]
  10. [المحلى بالآثار (9/ 161)]
  11. [صحيح البخاري (7/ 6 ط السلطانية)]
  12. [صحيح البخاري (7/ 7 ط السلطانية)]
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النظر-إلى-المخطوبة
اقرأ أيضا
مع الحرية التي يريد د. طارق السويدان | مرابط
فكر مناقشات

مع الحرية التي يريد د. طارق السويدان


تداول الإخوان هنا مقطعا للدكتور طارق السويدان يتحدث فيه عن الحرية يقرر فيه أن الحرية قبل تطبيق الشريعة وأن حرية نشر الكفر والإلحاد حق مكفول في الشريعة .. الخ الكلام الذي ذكره الدكتور في المقطع وهو كلام معاد في الموضوع سبق أن عرض كثيرا من شخصيات مختلفة ويعاد ضخه بأساليب ومفاهيم جديدة.. وبين يديكم رد على هذا الكلام.

بقلم: د. فهد بن صالح العجلان
328
تحدي الإله ومعناه | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

تحدي الإله ومعناه


من أنباء الملاحدة الماركسيين أن أحدهم وقف في إحدى محطات الإذاعة فنادى الله: إنه ليتحداه إن كان موجودا لينسفن هذا البلد وليمحون تلك الدولة أو فليعلم الناس جميعا أنه خرافة ليس لها وجود فهذا الملحد الماركسي لا يعقل أن يوجد الإله ويقدر على كل شيء ثم يترك من يتحداه سليما بعد ذلك طرفة عين دون أن ينكل به ويعجل برد تحديه إليه

بقلم: عباس محمود العقاد
1953
الدعوة إلى الله | مرابط
مقالات

الدعوة إلى الله


ولم يمر على المسلمين زمن كانوا أبعد فيه عن القرآن كهذا الزمن فلذلك وجب على كل من امتحن الله قلبه للتقوى وآتاه هداه أن يصرف قوته كلها في دعوة المسلمين إلى القرآن ليقيموه ويحققوا حكمة الله في تنزيله ويحكموه في أهواء النفوس ومنازع العقول ويسيروا بهديه وعلى نوره فإنه لا يهديهم إلا إلى الخير ولا يقودهم إلا إلى السعادة.

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
304
النزوع الفطري لقيمة الرحمة | مرابط
تعزيز اليقين

النزوع الفطري لقيمة الرحمة


الناس أسيرة لفكرة الرحمة عندها تعلق غير طبيعي بوجود رب رحيم.. التقي والعاصي المطيع والمتهاون المحسن والمسيء.. لديهم هذا الخوف الفطري من الجزاء الأخروي! هذا النزوع الفطري لقيمة الرحمة والتعلق بها أليس أحد دلائل وجود الله تعالى؟! إذ هي قيمة لا يمكن تصورها إلا بين طرفين هما واهب الرحمة عز وجل ومستحقي الرحمة؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
277
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
1094
حجاب المرأة.. وإظهار الزينة | مرابط
المرأة

حجاب المرأة.. وإظهار الزينة


ومن الأفعال التي تلعن المرأة عليها إظهار زينتها كذهب أو لؤلؤ من تحت نقابها وتطيبها بطيب كمسك إذا خرجت. وكذا لبسها عند خروجها كل ما يؤدي إلى التبهرج كمصوغ براق وإزار حرير وتوسعة كم وتطويله فكل ذلك من التبهرج الذي يمقت الله عليه فاعله في الدنيا والآخرة ولهذه القبائح الغالبة عليهن قال عنهن النبي - صلى الله عليه وسلم -: اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء

بقلم: ابن حجر الهيتمي
262