حقوق الإنسان ونسبية الأخلاق عند عدنان إبراهيم

حقوق الإنسان ونسبية الأخلاق عند عدنان إبراهيم | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1248 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حقوق الإنسان وحرياته:

وهذا الموضع ينعكس بشدة في بحث عدنان، يظهر فيما يلي: يقول عدنان: أفضل إنجازات الإنسان تلك التي كان سيختار استبقاءها والتخلي عما عداها في حال فُرض عليه ذلك، إنها إنجازاته المتعلقة بتقرير حقوق الإنسان وحرياته على نحو قطع معه مع الموارث المرّة للتمييز على أساس العرق والدين واللون واللغة" (1)

فهو يعتبر أن البشرية تسير نحو التقدم، فبما أن كثيرًا من الأعراف والقوانين تنادي اليوم بعدم التمييز  على أساس الدين، فهذا من أفضل إنجازات البشرية، إذ تم التخلي عن المواريث المرة.

ولذا يقول "هذا الإنجاز الكبير لم يتم دفعة واحدة، بل لا يزال عملية ممتدة تشهد تكاملًا ومواءمة متواصلين" (2)

فهل يتسق عدنان نفسه مع هذا الطرح القريب من طرح هيجل؟ لا، فسرعان ما سيقول "سقط في الماضي القديم فلاسفة كبار في تبرير الرق والاستعباد"(3) ويظهر أنه يقصد أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، وهذا ينقض ما قاله من أن الأخلاق البشرية رحلتها طويلة ومتطورة، فكيف يطالب الفلاسفة القدماء بما ليس ممكنا في عصرهم، فمن يقول: بأن الأعراف العصرية هي منجزات بشرية عبر رحلة تطور طويلة، ثم يقول: يفترض بفلاسفة القرون القديمة نفي الرق، كمن يقول: كان ينبغي للبشر قديمًا أن يقودوا طائرات! متجاهلًا الظرف التاريخي الذي يدفع لهذا، والذي يقول بأن الأخلاق متطورة يفترض به أن ينفي إمكانية أن يقول الفلاسفة القدماء كلمتهم الأخيرة وإلى الأبد فيها.

وفي القرون السالفة كان نمط الأفكار والتقنية الصناعية بما تفرزه من حربية واتصالات بدائية تمنع من اعتبار العبيد طبقة ذات بال.. إنهم يجدون أن من الإحسان عدم إطلاقهم أحيانا في ظل صعوبة الاندماج في المجتمع.

هدى شعراوي تذكر في مذكراتها أن الجواري كن يبكين إن قيل لهن سنطلق سراحكن! فتقول: "الجواري عندما تعطي لهن ورقة العتق من الرق، كن يبكين على حياة العبودية والأسر"(4)

ماذا سيعملن؟ أين سيبتن؟ كأن الأمر أشبه بإلقائهن إلى المجهول. كان من قمة الإحسان إلى الأمة جعل عتقها مهرها ويزوجها لسنفه، موفرًا عليها الاستغلال في المجتمع، ورميها في وحشية الاعتماد على نفس في مجتمع غريب عنها يعتمد القبيلة الكبيرة للوجود الحقيقي فيه، ولم يكن تحرير طبقة العبيد ولا أقول أفرادهم أمرًا واقعيًا لظروف المجتمع الموضوعية حتى يسميه سقطة

مع أن الأمر بقي في سبي نساء وأطفال العدو كنتيجة منطقية لخسارتهم، بتذويبهم في المجتمع، بعد أن فقدوا مقاتلتهم، إنها عملية تفكيك لمفهوم العصبة للعدو، وتحويلها من كتلة إلى أفراد موزعين، وتظهر الثغرة التي انتقدها جارودي وسارتر على فوكو في طرح عدنان، فهو لا يقدم تفسيرًا لماذا حصل الانتقال من تفكير لآخر، فيغفل عامل التقدم الاقتصادي بما فيه من حاجة لأيدي عاملة بعد الثورة الصناعية سمحت عالميا من ناحية واقعية بتفكيك طبقة العبيد كطبقة متميزة في المجتمع ليطرح بعدها مشكلة طبقة الأيدي العاملة والرأسمالية حتى على مستوى العالم، ويدخل العالم لأجله صراعا بين كتلتين عظيمتين كاد الصدام بينهما يودي بالمعمورة ومن فيها.

 

نسبية الأخلاق وحرية إرادة العبد عند عدنان:

وهذا كله في بيان تناقضه فمرة يذكر أن الأعراف والأخلاق العصرية من أهم إنجازات البشر التي لم تأت دفعة واحدة، بل عبر رحلة من التطور، وهذا يعني أن الأخلاق الأولى كانت ضرورية لتصل البشرية إلى ما هي عليه اليوم، وتارة يقول الفلاسفة القدماء سقطوا في تبرير الرق، فكأنه يريد الأخلاق مرة واحدة وإلى الأبد عبر كل العصور.

ويقال أيضًا: لا تلازم بين التقدم العلمي والتقدم الأخلاقي والمعرفي حتى يعتبر أعراف اليوم إنجازات تقدمية، تدفن القديم الذي يصفه بالمرارة، يقول برتراند راسل: "التغير شيء والتقدم شيء آخر، فالتغير علمي، والتقدم خلقي، والتغير لا ريب فيه، بينما يكون التقدم موضع الجدل" (5)

وبما أنه لا يخفى تأثره بفوكو المتأثر بنيتشه، يقول نيتشه موصيًا الفيلسوف:

"ينبغي عليه أن لا يشارك في تفاهة عصره"(6)

لا أن يعتبرها أهم المنجزات الفكرية والأخلاقية، التي تصير محكمة، ويصف ما يخالفها بأنه تراثي مرير، قال عدنان إبراهيم "ظهر أثر الجهمية في المعتزلة في مسألة نفي الصفات" (7)

يقال: عدنان يسلم بهذا، فالتشنيع على مخالفي المعتزلة بأنهم مجسمة حشوية أين هو في ميزان النقد؟ هذه الكلمة هنا يفترض أن يتسق معها عدنان في مجمل أطروحاته الأخرى أيضًا.

علما أنه نفسه يقول في إحدى محاضراته: "إله هو الخالق، كيف  يشابه المخلوق؟ مستحيل، ولو شابهه لانتقضت إلهيته، فهذا محكم، وعندي هنا متشابه يقول "استوى"، أفتح القاموس فأجد لها ستة معان لا واحد منها ينطبق على الله، فأقول: يجب أن يؤول"(8)

فهو هنا يشارك المعتزلة في نفي صفة الاستواء بعبارته، وهو نفسه يسلّم في بحثه أنه من أثر الجهمية.

فإن قيل: لكنه يقول بالتأويل لا نفي الصفات، فيقال: وهل موقف المعتزلة إلا تأويل نصوص الصفات الواردة في القرآن ومع ذلك سماه هو نفيًا للصفات.

قال عدنان إبراهيم "أما مذهب المتوسطين بين الجبرية والمعتزلة، فيتمثل في الاشعرية، وخلاصة مذهب أبي الحسن الأشعري في المسألة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وليس لهم فيها إلا كسبها، والكسب الأشعري مفهوم ملتبس غامض، صار يضرب به المثل... والخلاصة أنه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلًا بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله كما عبر الرازي، ولكون الكسب الأشعري بهذا المعنى لا يختلف كثيرًا عن الجبر فقد تقدم أبو بكر الباقلاني بإضافة قرر فيها موافقته للأشعري في نفي تأثير القدرية الحادثة في الفعل، لكنه أثبت لها أثرًا في صفة زائدة على الفعل"(9)

يقال: إن كان يرى أن تفسير كسب الأشعري لا يختلف كثيرًا عن الجبر، وقد عبر عن هذا الرازي، فكيف ينسب التوسط بين الجبرية والمعتزلة إلى عموم الأشعرية؟

فهذا كمن يقول: بعض البشر سود، لكن لا بشر أسود
بعض الأشعرية جبرية، لكن الأشعرية ليست جبرية، لكنها وسط بين الجبرية والمعتزلة
فنفي الكل ينخرم بإثبات البعض، فكلام عدنان ينقض آخره أوله

فكيف وهو يقول "مجبرة متوسطة وهم الذين يثبتون للعبد قدرة لكنها غير مؤثرة وذلك كالنجارية والضرارية والأشاعرة في الجملة"(10)

فالأشعرية بالجملة عنده مجبرة لكنها متوسطة، وهذا يعني أنهم قسم من الجبرية، لا أنهم صنف مختلف عنها، حتى ينسب إليه التوسط بين الجبرية والمعتزلة تارة، وأخرى هم قسم من الجبرية بالجملة.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حرية الاعتقاد، ص36
  2. نفس المصدر
  3. نفس المصدر
  4. مذكرات هدى شعراوي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص70
  5. بحوث غير مألوفة، برتراند راسل، ص19
  6. شوبنهاور مربيًا، فريدريك نيتشه، ص46
  7. حرية الاعتقاد، ص70
  8. من مقطع على يوتيوب بعنوان: تجسيم الله وتنزيهه بين ابن تيمية والإمام الغزالي (التجسيم عند الوهابية)، د. عدنان إبراهيم، الدقيقة(1:26)
  9. حرية الاعتقاد، ص71
  10. حرية الاعتقاد، ص68

المصدر:

يوسف سمرين، تناقضات منهجية: نقد رسالة د. عدنان إبراهيم للدكتوراه، ص14

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عدنان-إبراهيم
اقرأ أيضا
مشكلة تكاليف الزواج | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

مشكلة تكاليف الزواج


لا شك أن من أصعب التحديات التي تواجه الشباب الراغب في الزواج: مشكلة التكاليف المالية المتمثلة في المهور ومكان الاحتفال والوليمة والمتطلبات والمستلزمات الأخرى المتعلقة بالزوجة وليلة الزواج وهذا بالإضافة إلى تكاليف السكن والتأثيث وتوابع ذلك

بقلم: أحمد يوسف السيد
596
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
1996
بما فضل الله | مرابط
مقالات المرأة

بما فضل الله


فمهما حاولت المرأة التخلص من العاطفة في حكمها على الأمور لن تستطيع لأنه مركوزة في فطرتها وتكوينها.. فنقص العاطفة عند الرجال كنقص العقل عند النساء تفضيل أودعه الله في الخلق لحكمة يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
260
في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير | مرابط
اقتباسات وقطوف

في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير


والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان التفسير والتحريف فتأويل التفسير هو الحق وتأويل التحريف هو الباطل فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها وتارة يكون بإنكار المسمى بها وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا

بقلم: ابن القيم
692
مختصر قصة الأندلس الجزء الأول | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الأول


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1356
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها


فالذي صلح به أول هذه الأمة حتى أصبح سلفا صالحا هو هذا القرآن الذي وصفه منزله بأنه إمام وأنه موعظة وأنه نور وأنه بينات وأنه برهان وأنه بيان وأنه هدى وأنه فرقان وأنه رحمة وأنه شفاء لما في الصدور وأنه يهدي للتي هي أقوم وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه قول فصل وما هو بالهز ل ووصفه من أنزل على قلبه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا يخلق جديده ولا يبلى على الترداد ولا تنقضي عجائبه وبأن فيه نبأ من قبلنا وحكم ما بعدنا ثم هو بعد حجة لنا أو علينا

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1534