خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب

خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب | مرابط

الكاتب: عبد الله العجيري

649 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وقفت منذ مدة على كتاب (السر) (the Secret)(1) لمؤلفته الاسترالية (روندا بايرن)(2) وذلك في نسخته الإنجليزية، وقد حقَّق الكتاب حينها ولا يزال مبيعات هائلة بلغت ملايين النسخ، وتصدَّر قوائم الكتب الأفضل مبيعًا في المجتمعات الغربية، وتُرجم إلى أكثر من ثلاثين لغة من لغات العالم الحية، وحصد في طريقه أناسًا فأخذ من أموالهم وعقولهم ما أخذ.

وزاد من حمى انتشار الكتاب ما حضي به من حفاوةٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ، حتى تنقَّلت مؤلفته ومشاركوها ليحلوا ضيوفًا في برامج فضائيةٍ واسعة الانتشار كبرنامج (لاري كنج) و(أوبرا) وغيرهما(3)، ليكون ذلك سبيل دعاية لفكرة الكتاب وتسويقًا علنيًا (للسر).

ولقد طالعت هذا (السر) وقرأته فوجدت كتابَ دجلٍ وخرافةٍ، يراد تمريرها عبر بهرجةٍ لفظيةٍ، وزخرفةٍ كلاميةٍ، ودعاوى فارغةٍ، فتركت الكتاب ولم أحفل به كونه من الباطل البين، ولم أُعنَ حينها بالكتابة حوله كونه مكتوبًا بلغته الأم مما ساهم في تحجيم انتشاره وتضييق عدد قرائه عندنا(4). لكن حين تُرجم الكتاب إلى العربية، وأخذت إعلاناته تطل علينا في الشوارع، ويُسوَّق له على مستوى عالٍ، تغير الحالُ، وتبدَّلَ الرأي.

فها هو الكتاب (يخبط خبطته) التجارية عندنا كما فعل في أماكن أخرى، وهاهو يزلزلُ بتلك (الخبطة) عقول أناسٍ وقلوبهم، ليحصد في طريقه المعجبين والمؤمنين. وما عليك إلا أن تبحث في الإنترنت باستعمال (اسم الكتاب= السر) أو (اسم المؤلفة=روندا بايرن) لترى حجم انتشار هذا العمل، وعظيم الاحتفاء به، وذلك في عشرات المواقع والمنتديات العربية، بل تسرب هذا الاحتفاء للصحافة المحلية، فأخذ بعض الصحفيين يمدح الكتاب ويروج له، فمثلًا:
• يقول أحد الكتاب في مقال له منشور بصحيفة عكاظ (العدد 2096) مثنيًا على الكتاب، ومظهرًا ابتهاجه بمضامينه: ("السر" لـ"روندا بيوني" واحد من سلسلة نادرة من الكتب فيه تألق ذهني محض يمدك ببهجة طويلة الأجل ويسهل عليك عملية التنفس ويثير فيك الرغبة في الحلم في معركة حياتية نحتاج فيها جميعًا أن نعيد برمجة أحلامنا بعد مراجعة الظروف).

• ويقول كاتب آخر في مقال له في جريدة الرياض (العدد 14509) بعد أن عرض لخلاصة الكتاب: (هذا هو "السر" الذي حقق النجاح للكثيرين أعرضه لكم لأنني أحبكم وأتمنى أن تحققوا كل ما تصبون إليه، ولا أرجو من ذلك إلا أن تذكروا بالخير من كشفه لكم متمنيًا للجميع النجاح).


• وتقول إحدى الكاتبات في مقال لها (العمق والأثر) والمنشور بجريدة اليوم (العدد 12805): (لأول مرة في حياتي انتهي من قراءة كتاب وأقلبه لأقرأه من جديد في اللحظة ذاتها التي انتهيت فيها منه. قرأته في المرة الأولى لأفهم سر رواج ذلك الكتاب في أمريكا وكيفية عمل (السر) وهذا هو اسم الكتاب (the Secret) وقرأته في المرة الثانية وأنا (زعلانه) وعدم رضاي لم يكن بسبب الكتاب ومحتواه ولكن بسبب فقداننا نحن العرب المسلمين لمن يكتب لنا بتلك الطريقة السهلة بقربها ووضوحها وبعدها عن أسلوب الوعظ ومفرداته المتكررة في كل الكتب والمحاضرات). وتقول في آخر مقالها مكمّلة نقمتها على المكتبة العربية: (نبحث في المكتبة العربية عن كتاب من ذلك النوع فلا نجد، لأنهم جميعا يخافون من مغبة التفكير، ويميلون إلى المنقول، فنكرر أنفسنا، ونكرر معارفنا، بالأسلوب الذي لا نجرؤ على تجاوزه.

وهو أسلوب الأمر وأسلوب النهي الذي جاء به كتاب (لاتحزن) كمثال. فالكتاب رغم اختلافه عن غيره إلا أنه لم يتجاوز تلك الأساليب بدءًا من العنوان ومرورًا بصيغ الأمر المتكرِّرة كثيرًا في الكتاب. ربما كان اختلاف الكتاب في أنه بسط الأسلوب القديم ومزج في الأثر على القراء بين الآيات والأحاديث والتجارب الإنسانية من خلال أبيات من الشعر. ولكننا نبحث عن المزيد من العمق ومزيدٍ من القرب الذي يترك فينا أثرًا قويا كما فعل كتاب السر). فهل كتاب (السر) جديرٌ حقيقة بمثل هذا الثناء، أم أنه نتاج التغيير ليس إلا. فإذا ما اعتدنا الأسلوب الجديد، انقلبنا عليه وصار محل نقمتنا. ومن غريب ما قالته في مقالها هذا وهي تحدثنا عن حقيقة (السر) قولها: (فكل ما وجدته في الكتاب الذي شارك فيه مجموعة من المسيحيين وربما اليهود هو التالي:
 إن الدعاء مخ العبادة فألحوا في الدعاء.
 لئن شكرتم لأزيدنكم.
 تفاءلوا بالخير تجدوه.
 الإيمان العميق بالله وبقدرته.
هذه النقاط الأربع هي الأسس التي بنيت عليها فكرة الكتاب).
فهل هذه هي الأسس التي بني عليها الكتاب فعلًا، أم أنه مبني على ضدها ونقيضها؟! كما ستراه إن شاء الله. إن مثل هذه القراءة السطحية تنم عن إشكاليةٍ عميقةٍ عند كثير من قرائنا الذين يقرؤون ولكن لا يفهمون ما يقرؤون، أو يفهمون حسب مزاجهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء فهم حقيقة الكلام كما هو. بل جلُّ همهم البحث عن الجديد لمجرد كونه جديدًا، ولمجرد خروجه عن المألوفِ، حتى لو كان المألوف حقًا لا مريةَ فيه، والجديد باطلًا!!
• ويقال في كاتبة أخرى ما قيل هنا حيث ادعت ذات الدعوى في مقال لها معنون بـ (السر) وذلك في جريدة اليوم (العدد 12361)، قالت بعد ما تكلمت عن بعض أفكار الكتاب: (هي الأفكار الرئيسة في كل الأديان. الدعاء، الإيمان العميق بأن الكون مسخر لنا وبأن الخير غير محدود، وبأن الشعور بالرضا والشكر والحمد يولد خيرات أكثر. وهذا ما نجده في القانون القرآني أيضا: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، وأن التفاؤل يجلب فعلا المسرات، أي كما قال محمد (صلى الله عليه وسلم) (تفاءلوا بالخير تجدوه)) وتقول أيضًا مبينة منهجيتها في قراءة هذا الكتاب: (كلما كنت أقرأ فقرة أو قسما من الكتاب، بشكل لا شعوري أجد نفسي أفكر فيما يقابله في القرآن الكريم أو في التراث الإسلامي أو الإنجيل أو البوذية).


ولقد ذهبت إلى إحدى مراكز البيع الرئيسة فهالني تهافت الناس على شرائه، ثم هالني أن الكتاب قد نفدت نسخه تمامًا بعد أيام قلائل، ليس في الفرع الذي ذهبت إليه فحسب بل في مختلف الفروع وعلى مستوى مدنٍ مختلفة. فما السرُّ في انتشار (السر)، وما حقيقة السِّر المضمَّن في (السر)؟!

 


 

المصدر:

عبد الله بن صالح العجيري، خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب، ص13

 

الهوامش:

(1)  وقد صدر أولًا على شكل فيلم تعليمي/وثائقي ظهر على بعض الفضائيات، ثم بيع على شكل DVD، ثم طُوّر العمل ووسعت المضامين بهذا الكتاب. وهذا الفلم والكتاب وملفاته الصوتية قد حقَّقت جميعًا مبيعات هائلة.
(2)  وهي كاتبة ومنتجة أفلام تلفزيونية، ولدت سنة 1955م، وقد عُرفت من خلال عملها الأشهر (the Secret)، والذي أوصلها لتكون من ضمن قائمة (المائة شخص الأكثر تأثيرًا في العالم) بحسب تقرير مجلة التايمز لعالم 2007، ويتسق هذا الكتاب مع مبادئ (حركة الفكر الجديد) (New Thought Movement) والتي يؤمن أصحابها -من مؤلفين وفلاسفة ومدربين وروحانيين وغيرهم- بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والتي انقسمت إلى جملة من المدارس المختلفة -كلها واقعة في انحرافات خطيرة- فيما يتصل بوجود الله وصلته بالإنسان، وبعضها أشد انحرافًا من بعض حيث تدعي أن الله في كل مكان، وأن روحه تسري في كل إنسان -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا-.
(3)  بل ظهرت (أوبرا وينفري) بنفسها في برنامج (لاري كنج) مبشرة بكتاب (السر)، ومروجة لفكرته.
(4)  وصرت اليوم مقتنعًا بضرورة دراسة تقلبات (الموضة الفكرية) (والصرعات العلمية) (والتقليعات العقدية) في المجتمعات الغربية، فإنها -للأسف- عن قريب سترد علينا، وستجد من يصدق ويؤمن ويروج لها، كون القوم مصدرين ولا زلنا مستوردين، والله المستعان!

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السر #قانون-الجذب
اقرأ أيضا
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
623
هل كان أبو هريرة يدلس | مرابط
أباطيل وشبهات

هل كان أبو هريرة يدلس


تعرض الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لكثير من الطعن وافترى عليه المشككون والجاهلون ووجهوا سهام النقد إليه ولم يكن ذلك لشيء إلا لأنه من أكثر الصحابة رواية للحديث فقد عرف هذا الصحابي بكثرة مروياته ومن هنا أصبح هدفا لكثير من المستشرقين والعلمانيين ومنكري السنة وبين يدينا شبهة ينقلها أحد الرافضة ويقول فيها أن أبا هريرة كان يدلس والمقال فيه رد ومناقشة لهذه الشبهة ولما استدل به هذا المشكك

بقلم: أبو عمر الباحث
1647
المرأة المسلمة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج1


المرأة إذا فسدت وانحرفت غدت فتنة لكل مفتون وسببت الفساد والدمار في المجتمع وركزوا على المرأة لأن المرأة هي التي تتخرج على يديها الأجيال التي ينتظر منها أن تبعث مجد الأمة والتي يتخرج على يديها الشباب الذين سوف يملئون الفراغ الذي وقعت به الأمة الإسلامية

بقلم: سلمان العودة
520
من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1 | مرابط
فكر مقالات المرأة

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1


يعتبر الاختلاط بين الجنسين من أكثر المناطق الشائكة التي يصطدم فيها المنهج الإسلامي مع المنهج العلماني بين القبول والرفض بين الإباحة والمنع ونحن في هذا المقال نقف على عدد من التساؤلات والنقاط هل لفظ الاختلاط دخيل على الإسلام هل صحيح أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تعرف مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل فعلا المجتمع الغربي لا يعرف فكرة الفصل بين الجنسين وما هي ملامح أزمة الاختلاط في واقعنا المعاصر وغير ذلك من النقاط الهامة

بقلم: إبراهيم السكران
1245
لماذا خلقني كأنثى؟ | مرابط
فكر المرأة

لماذا خلقني كأنثى؟


هذا جزء من رسالة أرسلت لي من فتاة عبر تويتر تقول فيها: لماذا خلق الله النساء؟ إذا الله كتب على نفسه الرحمة لماذا خلقني كأنثى؟ لماذا جعل الرجل الذي يرى امرأة يريد أن يصل إليها؟ لماذا جعل قوة الرجل أكبر وجعل النساء فرائس سهلة القتل وهتك الأعراض واللمس؟ هل الله رحيم مع النساء؟ أين هو عدل الله مع النساء؟ هل خلقنا ذوات مشاعر وعواطف لتعذيبنا؟ أم ماذا؟

بقلم: محمد بن رمضان
940
ديزني ونتفلكس وبيكسار.. كيف تعبث بعقول أبنائنا؟ | مرابط
فكر ثقافة

ديزني ونتفلكس وبيكسار.. كيف تعبث بعقول أبنائنا؟


ولقد صار لزاما على الأفلام أن تقحم شخصية شاذة مثلية في العمل وأن تأخذ دورا إيجابيا ملهما على عكس الماضي حينما كانت تقدم هذه الشخصية -إن تم تقديمها- في إطار سلبي ساخر. ومثال ذلك من أفلام ديزني ذات التصنيف العائلي العام فيلما اللايف أكشن -أي إعادة إنتاج لأفلام قديمة وبشخصيات حقيقية- وهما فيلم الجميلة والوحش beauty the beast ٢٠١٧ وفيلم cruella ٢٠٢١.. وأما عن الأعمال التي تبثها منصتا نتفليكس أو كارتون نتوورك فحدث ولا حرج.

بقلم: عمرو كامل
349