دعوى مظلومية المرأة

دعوى مظلومية المرأة | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2897 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

اطلعتُ على بعض المقاطع المـُعَدّة بأسلوب درامي مؤثر يرسم صورة الأنثى كمظلومة تحت مظلة الإسلام، وقد نَجَحَت مثل هذه الرسائل في استمالة ضعيفات الإيمان إلى ظلمات الشك ثم الإلحاد. وكثيرًا ما يدخل المـُشككون في الإسلام من باب المرأة؛ يستثيرون بذلك عواطف المسلمات اللاتي لم يعرفن دينهنّ حقّ المعرفة، وفي الحقيقة فإن خِطابهم التشكيكيّ هذا لا يعدو أن يكون غشًّا و تدليسًا!، ويستبين ذلك بمعرفة الأمور التي يتجاهلونها ويتغافلون عنها حين يتحدثون عن موضوع المرأة في الإسلام.

 

وسأذكرها في نقاط:

 

أولًا: إغفالهم جوانب الإكرام التي حظيت بها المرأة في الإسلام:

 

فهل سمعتم أحدًا منهم يذكر أن الله ضرب مثلا للمؤمنين بامرأتين يقتدي بهما الرجال والنساء؟
قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}. [التحريم:١١-١٢]
 
فهل الدين الذي يجعل المرأة قدوة لرجاله يكون دينًا يحتقر المرأة؟!
 
وهل وجدتم من هؤلاء المـُشككين أحدًا يذكر مكانة الأمّ التي حظيت في الإسلام بمنزلة لا يمكن أن تحظى بها في أنظمة الدنيا كلها! فاسأل أي مُسلِمٍ يعرف دينه: مَن أعظم الناس حقًّا عليك بعد رسول الله؟ فسيقول لك: أمي! فإن سألته من أين أخذت ذلك؟ فسيقول: من الإسلام.
 
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».
 وإذا أخذنا بالمنطق الساذج الذي يأخذ به ضعفاء العقول، فسنقول: إن الإسلام يُفضل المرأة على الرجل! لأن هذا الحديث فيه تفضيل الأمّ على الأب!
 
وهل عرّج أحد هؤلاء المـُشككين على ذِكر فضل الإحسان إلى الأنثى في الإسلام؟
 
فعن أنس بن مالك أنّ رسول الله ق قال: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
لقد جاء هذا الحديث في وقتٍ كان العرب يعتبرون ولادة الأنثى شرًّا وعارًا، فإما أن يمسكوها على هُون أو يدسُّوها في التّراب! وهل هناك مطلب للمسلم أعلى من أن يكون يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فانظر كيف جُعل الإحسان إلى الأنثى طريقًا لذلك! مع أنه لم يَأتِ حديث خاص في فضل تربية الذكر -في حد علمي-!

 

ثانيًا: إغفالهم ذكر التخفيف والتسهيل على المرأة في عدد من الأحكام الشرعيّة في مقابل التشديد فيها على الرجل.

 

فيجوز للمرأة لبس الذهب ويحرم ذلك على الرجل.
ويجوز للمرأة لبس الحرير ويحرم على الرجل.
ويجب على الرجل بذل المال وجوبًا للزوجة كنفقةٍ مستمرة ولو كانت غنيّة، ولا يجب على المرأة الإنفاق عليه!
ويجب على الرجل حضور صلاة الجماعة في المسجد -على الراجح من أقوال الفقهاء- ولا يجب ذلك على المرأة.
ويجب الجهاد على الرجال كفاية أو عينًا -على حسب الحال- ولا يجب ذلك على النساء. مع أن الجهاد فيه تعريض النفس للتلف.
وتؤخذ الجزية من الرجال غير المـسلمين و لا تؤخذ من النساء!
 
قال ابن القيّم في كتابه (أحكام أهل الذمّة):

 

ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون؛ هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم. قال ابن المنذر: ولا أعلم عن غيرهم خلافهم. وقال أبو محمد في المـُغْني: “لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا “. اهـ.

 

ثالثًا: إغفالهم الآثار السلبية الكثيرة المترتبة على الانفلات من تشريعات الله للمرأة!

 

فبأي ذنب يتمُّ إسقاط ملايين الأجنّة سنويًا بعمليّات الإجهاض التي تسببت بها علاقات غير شرعية؟ وإذا كانت الروح قد نُفِخَت في كثير من هذه الأجنة؛ فبأي ذنب قُتَلت؟!
أليس لهذا الجنين حقُّ الحياة؟! أم أن حرية الشهوة مُقدّمة؟ وإذا كان مصير هذه الأرواح البريئة القتل والإزهاق؛ فلماذا يتم تسهيل العلاقات التي تسببت في تكوينها من الأصل؟!
 
حقًّا إنها حُرَية مُزيّفة!
 
ومن ذلك أيضًا: مَنْعُ الأبِ من تقييد حُرّية ابنته حين تسير في طريق منحرف، مع أنه ربما يكون قد تعب في تربيتها قرابة عشرين سنة, بذل فيها ماله وجهده وراحته ثم إذا صارت في فور شبابها وقُدِّر أنّها قرّرت أن تقيم علاقات غير شرعيّة -مثلًا- فيُحال بينه وبين منعها مما قد يدنّس شرفها وهي غارقة في بحرٍ لا تعرف أغواره؟!
فهم يعتبرون منعه إياها من ممارسة حريتها -غير الشرعية- ظُلمًا، ولا يرون في الحيلولة بينه وبين إبعادها عن هذه الأمور ظلمًا ولا غضاضة!
 
ومن ذلك أيضًا الانتكاسة الفطريّة التي يُسمّى فيها الشذوذ الجنسيّ مثلية وميلًا طبيعيًّا؟!
 
وحين سهّل المـُنفلتون من شرع الله طُرُقَ إقامة العلاقات المـُحرّمة فُتحت أبواب الخيانة الزوجيّة على مصراعيها! واختلطت الأنساب! وكم مِن الأبناء غير الشرعيين مَن صارت المرأة وحدها هي التي تتحمل أعباء تربيتهم والإنفاق عليهم.
 
ولذلك؛ تجد أن المرأة تعمل في أي مجال لتُحَصِّل المال، فقد نشرت وزارة العمل الأمريكية في موقعها الرسمي إحصاءً يبيّن أن ٨٩% من نسبة العاملين في البيوت كخدمة ونظافة هم من النساء!!

 

رابعًا: أنّهم لا يقرؤون حكمة الله تعالى في تشريعاته المُتعلّقة بالمرأة:

 

كموقفهم من قضيّة الميراث وقولِ الله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١] حيث يزعمون أن الإسلام ظلم المرأة بإعطائها نصفَ الميراث، والرد على هذه الشبهة من وجوه، منها: أن الميراث له حالات متعددة، منها ما تُعطى فيه المرأة أكثر من نصيب الرجل، ومنها ما تعطى فيه مساوية للرجل، ومنها ما ترث فيه الأنثى ولا يرث الرجل، ومنها ما يكون نصيبها فيه أقل من نصيب الرجل، ولكنهم يجهلون أو يتجاهلون!
 
فقد سمعناهم كثيرًا يرددون -طاعنين-: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} ولم نسمع منهم ولا مرة واحدة قول الله سبحانه وتعالى في نفس الآية: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:١١], حيث فيه مساواة بين الرجل (الأب) والمرأة (الأم)، ولم نسمع منهم ذِكرَ المساواة -بين الرجل والمرأة في الميراث- الواردة في الآية التي تليها، وهي قول الله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ}[النساء:١٢] ومعنى ذلك أنهم يشتركون رجالًا ونساء دون تفاضل فيما بينهم!

وكذلك فإن الذكر وإن أعطي في بعض الحالات مثل حظ الأنثيين إلا أنه مأمورٌ شرعًا بأن يبذل للأنثى مهرًا عند زواجه بها، ومأمورٌ كذلك أن ينفق عليها طول حياته حين تكون زوجة له ولو كانت غنيّة، أفيُستكثَر عليه بعد ذلك أن يكون له نصيبٌ من الميراث على الضِّعف من نصيبها؟

 

خامسًا: أنهم يتغافلون عن التناقضات بين ما يطرحونه وبين الواقع.

 

فهم حاربوا الزواج الشرعي ممن سموهنّ بالقاصرات فإذا بالإحصاءات تثبت نسبة كبيرة للحمل غير الشرعي بين هذه الفئة!
 
وهم يحاربون التعدد في الزواج أشد الحرب، مع أن التعدد لا إجبار فيه، وإنما المرأة هي التي تختار أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، ثم يمارسون تعدد العشيقات وتعدد العاشقين!
 
وهم ينادُون بالحرية في علاقات المرأة ثم يمنعونها من حريتها و حقها حين تختار الزواج من متزوج!

 

سادسًا: أنهم يعتبرون رؤيتهم أصلح للمرأة وأنفع لها من نظام خالقها سبحانه…

 

فيساوونها بالرجل مساواة مُطلَقة من كل وجه، وهذا يخالف طبيعة تركيب كُلٍّ منهما، وأمّا في نظام الله سبحانه فإن التساوي بين الرجل والمرأة هو الأصل في الأحكام، ولكنه ليس تساويًا مُطلَقًا في كل شيء، فهناك أحكام تخص الرجل، وأحكام تخص المرأة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَىٰ} [آل عمران:٣٦].

 

سابعًا: أنّهم ينسبون إلى الإسلام العادات الخاطئة التي فيها ظُلمٌ للمرأة!

 

فمثلًا: حين يقوم وليُّ المرأة بإكراهها على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه، فإنّهم ينسبون ذلك إلى الإسلام؛ لأن الذي قام بذلك شخص مسلم، والصواب أن هذه العادة مما جاء في الإسلام النّهْيُ عنها، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»
 
    فهذه سبعُ ثغرات تتخلّل خطاب المـُشككين في الإسلام عن طريق موضوع المرأة، وهي كافية في كشف الاستغلال السيء والانتقاء المبني على الهوى من الطاعنين في الإسلام

 


 

المصدر:

  1. أحمد يوسف السيد، كامل الصورة، ص143
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ظلم-المرأة
اقرأ أيضا
جوهر المبدأ العالماني | مرابط
مقالات العالمانية

جوهر المبدأ العالماني


عرف شلدون -في موسوعته السياسية- العالمانية بأنها: فلسفة أو نظرة عالمية تشدد على المنظورين الأرضي والإنساني في مقابل الروحي أو الديني لتفسير المجتمع والسياسات وكثيرا ما يشار إليها على أنها الأنسنة والتي هي مقاربة عالمانية تلغي الإله والإلهي وفوق الطبيعي والرؤى الدينية الأخرى أو تتجاهلها عند مناقشة السياسة أو مباشرتها

بقلم: د سامي عامري
2150
فن أصول التفسير ج2 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج2


فالموضوع الذي بين يدي: هو أصول التفسير وكما يقال الآن من المصطلحات المعاصرة لفظة التوظيف لأني سأجتهد في توظيف أصول التفسير وهي مادة نوع ما ممكن تكون متخصصة لكن سأجتهد قدر استطاعتي أن أنزل بالمعلومات إلى ما يمكن أن تستوعبه شرائح متعددة الذي علمه قليل والذي علمه كثير والذي يستوعب استيعابا سريعا والذي يكون استيعابه بطيئا

بقلم: مساعد الطيار
687
فضيلة شهر شعبان | مرابط
تفريغات

فضيلة شهر شعبان


فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم بشهر شعبان ما لا يهتم بغيره ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك شهر رجب فقال: صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان وهو شهر تغفل الناس عنه وهو شهر أحب أن أصوم فيه وهو شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم

بقلم: عبد الله بن ناصر السلمي
426
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير! | مرابط
مقالات

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير!


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين!

بقلم: كريم حلمي
393
جمالية الأمومة | مرابط
مقالات المرأة

جمالية الأمومة


الأمومة في الإسلام مفهوم خاص وكذلك سائر مفاهيم الأسرة كالأبوة والبنوة والعمومة والخؤولة ... إلخ. يخطئ من يظن أن تلك المصطلحات كما وردت في النصوص الشرعية من كتاب وسنة هي بالمعنى البيولوجي التناسلي فقط! كلا! إنها مفاهيم تعبدية! فالأبوة بالمعنى الجنسي أو الأمومة بالمعنى التناسلي كلاهما مفهوم بيولوجي له دلالة جنسية يشترك فيها بالتساوي الإنسان مع سائر البهائم والحيوانات الأهلية والوحشية!

بقلم: فريد الأنصاري
669
تربية الأبناء: مآلات الإهمال | مرابط
فكر

تربية الأبناء: مآلات الإهمال


زوجتك وأسرتك أولى بوقتك من أي أحد وينبغي أن تكون سعادتك معهم وبهم لابد أن تكثر الكلام والجلوس والأنس واللعب معهم وأن يكون لديك معهم أعمال نافعة تجتمعون عليها ويشاركونك وتشاركهم وكل من أهمل بيته أو انفصل عنهم سواء بهاتفه أو على المقهى أو عند أصحابه فسيجد آثار ذلك الإهمال عليهم وعليه

بقلم: حسين عبد الرازق
454