
إن كل شيء يدل على وجود الله تعالى؛ إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه، وما ثم إلا خالق ومخلوق، والمخلوق يدل على خالقه فطرة وبداهة، إذ ما من أثر إلا وله مؤثر، كما اشتهر في قول الأعرابي الذي سئل: كيف عرفت ربك؟ فقال -بفطرته السليمة: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وجبال وبحار وأنهار، أفلا تدل على السميع البصير؟
وقد نبه القرآن العزيز إلى دلالة كل شيء على الله تعالى، كما في قوله تعالى "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ" ووجه الدلالة هنا كامن في لفظ الربوبية، فإنه يتضمن السيادة والملك والتدبير، والخلق من لوازم ذلك، إذ لا يكون مالكا للعالمين ومدبرا لهم إلا خالقهم، وذلك مضمون قوله تعالى "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وفي هذا المعنى قوله تعالى "اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" وفيه التصريح بالخلق، وقوله تعالى "إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ" وفيه التصريح بالملك، وقال تعالى "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" وقال تعالى "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ" وهنا صرح بالتدبير والخلق.
والمقصود: أن كل ما ذُكر في القرآن من إضافة الربوبية أو أي شيء من معانيها إلى المخلوقات -جميعها أو بعضها، سواء عبر عنها بلفظ العالمين أو ما في معناه- كل ذلك يتضمن الإشارة إلى دلالة هذه المربوبات على ربها وشهادة هذه الآثار بوجود مؤثرها، فدل ذلك على أن القرآن لا تكاد تخلو سورة من سوره، بل ربما آية من آياته، إلا وفيها إشارة إلى دليل وجود الله -تبارك وتعالى- وبذلك يتقرر ما ذكرنا من أن أدلة وجود الله عز وجل تفوق العد والحصر ويتأكد قول أبي العتاهية:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ويتبين صحة ما قيل: إن لله طرائق، بعدد أنفاس الخلائق.
المصدر:
سعود العريفي، الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد، ص209