كتاب "ردود علماء الغرب على الإلحاد المعاصر" هو في الأصل رسالة دكتوراه نوقشت وأجيزت في قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية، لكن الكتاب ليس مجرد عمل أكاديمي بحت، وإنما هو في الحقيقة نتيجة تجربة ومجاهدة ثرية ومثيرة للباحث الدكتور عبدالله السويدي، يتبين بها معنى أن الله تعالى إذا أراد شيئا هيأ أسبابه، وأن الإنسان إذا جاهد في الله وسعى بإخلاص في طلب الحق هداه الله تعالى ووفقه وصرف عنه ما يعيقه عن الوصول إلى غايته.
فالمؤلف ولد في السويد لأبوين ملحدين، وعاش أول حياته على الإلحاد، لكن نوازع الفطرة كانت تلح عليه بالبحث عن الله تعالى والدين الحق، وزاد من إلحاح هذا النزوع الفطري للبحث عن الدين الحق ما شاهده أثناء رحلة مع أهله إلى الهند، حيث اطلع عن قرب على كثرة الأديان وتباينها، فرسخ ذلك عنده ضرورة البحث عن الدين الحق من تلك الأديان المختلفة، وأكبَّ بعد رجوعه إلى بلده وهو ما يزال في المرحلة الثانوية على مطالعة ما تيسر له من كتابات عن كثير من الأديان بتجرد تام، حيث لم يكن له ميل سابق إلى أي منها، وحينها وجد أن دين الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتوافق مع عقله وفطرته ومشاعره، وألقى الله في قلبه أن يصرف جهده في التعرف أكثر على الإسلام، ويذكر أنه بدأ بقراءة سورة الفاتحة من القرآن الكريم، وأن آية " اهدنا الصراط المستقيم " قد لفتت نظره إلى التطابق بين الإسلام والصراط المستقيم الذي يبحث عنه، وبدأ حينها يدعو الله تعالى بلغته السويدية بصدق وإلحاح أن يهديه الصراط المستقيم.
وبعد التعمق أكثر في دراسة الإسلام أيقن أنه الدين الحق الذي يطلبه، ودخل في الإسلام، ومن عجائب لطف الله به أنه قد حصل له أول أسبوع بعد إعلانه الدخول في الإسلام من الصوارف ما يمكن أن تكون سببا في صرفه عن الإسلام لولا تثبيت الله له، فقد ذكر أنه دخل بجاكيته المسجد وعلقه بأحد المشاجب ولما عاد وجد أن جواله قد سرق، والعجيب أنه فسر ذلك بأنها رسالة من الله بأن يترك صحبة أصدقائه قبل أن يسلم وأن يستأنف حياة جديدة دون أن يؤثروا عليه، وذكر أيضا أنه قد أتى في نفس الأسبوع إلى مسجد ليصلي فدعاه القائمون على المسجد إلى غرفة داخل المسجد، وفتح أحدهم الحديث معه بضرورة أن يصوت لحزب معين، وعارضه آخر فحاول إقناعه بالتصويت لحزب آخر.
وقد كان يظن أنهم إنما دعوه للجلوس معهم ليعلموه توحيد الله تعالى وما يحتاج أن يتعلمه كل مسلم حديث العهد بالإسلام، لكنهم خيبوا ظنه، كحال من يكون همه من إسلام الناس تحشيدهم لمواقف سياسية وحزبية، وأما الموقف الثالث في نفس الأسبوع الأول من إسلامه فقد حصل مع صاحب له شيعي المذهب، حيث أقنعه بأنه لا يكفيه لدخول الإسلام أن ينطق بالشهادتين، بل يجب عليه أيضا أن يعلن الشهادة بأن عليا ولي الله، وأن يعتقد بعصمة الإئمة الإثني عشر، ودعاه للذهاب معه لسماع محاضرة أحد دعاتهم، ولم يكن يعرف حينئذ حقيقة الفرق بين السنة والشيعة، لكنه وجد المستمعين للدرس يضربون صدورهم ويبكون بهيئة منفرة حملته على الخروج من بينهم وعدم العودة إليهم مرة أخرى.
ومما ذكره أنه قد حاول في أول دخوله في الإسلام إخفاء الأمر عن أسرته، حتى كان يصلي في الحمام خشية أن يعلموا بإسلامه، لكنهم علموا بخبر إسلامه قريبا من دخوله في الإسلام، وشددوا النكير عليه، خصوصا وأن إسلامه كان أثناء الدعاية الإعلامية ضد الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ووجد أنه لا بد أن يهاجر ويفر بدينه ويعيش بين المسلمين، وتنقل بعد أن أنهى دراسته الثانوية في عدة بلاد إسلامية وانتهى به المطاف إلى المدينة النبوية، وبها استقر وأكمل دراسته الجامعية والماجستير والدكتوراه في الجامعة الإسلامية.
وكان مما يؤرقه أثناء دراسته أن يرفع الجهل بالإسلام عن الناس الذين تصدهم عنه شبهات الإلحاد المعاصر، وأوقف حياته وجهده على هذا الجهد المبارك، وكانت نتيجة النقاشات والحوارات حول تلك القضايا أن يكتب رسالته عن جهود علماء الغرب في الرد على تلك الشبهات، فأحدث بهذا شيئا من التوازن في الموقف من الفكر الغربي الذي تدور أغلب الدراسات الإسلامية المعاصرة عن الجوانب السلبية منه، مع أهمية رصد ما لديهم من جوانب إيجابية يمكن أن يُبنى عليها في دعوة الناس في الغرب إلى الإسلام، وفي بيان الصورة الكاملة للمنخدعين من المسلمين بما يثار من الشبهات المعاصرة للفكر الغربي.
وكل ما سبق ينبغي أن يُشعر المسلم الذي ولد بين أبوين مسلمين وعاش حياته مسلما قدر نعمة الله عليه، حيث هداه إلى الإسلام من غير جهد منه، وأن يعرف مدى النكران والطغيان لمن ولدوا على الإسلام ثم انحرفوا عنه وأصبحوا من دعاة الإلحاد في بلاد المسلمين، والله المسؤول بمنه وكرمه أن يوزعني وإياك شكر نعمته بالهداية إلى الإسلام، وأن يثبتنا جميعا عليه حتى نلقاه، إنه نعم المولى ونعم النصير.
