شبهة: كل المخلوقات طائعة لله ومع ذلك نجد أن البشر لا يطيعون

شبهة: كل المخلوقات طائعة لله ومع ذلك نجد أن البشر لا يطيعون | مرابط

الكاتب: محمد عمارة

1590 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة:

كل المخلوقات في السموات والأرض طائعة وقاتنة لله تعالى (30: 26). ومع ذلك نجد حالات كثيرة من عدم الطاعة من جانب البشر (مثلًا: 69: 10).

 

الجواب:

كل المخلوقات، في السموات والأرض، طائعة وقانتة لله، سبحانه وتعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} (الروم: 26).

فهم قانتون لله، أي خاضعون ومطيعون لإرادته، سبحانه وتعالى.. ومع ذلك يشهد الواقع، وتحكي الآيات القرآنية الكثير عن حالات العصيان وعدم الطاعة من جانب البشر.. وذلك من مثل قوله سبحانه: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} (الحاقة: 9-10).

ففي هذه الآية وحدها إشارات إلى عصيان فرعون.. وعصيان من سبقه من المؤتفكات - أي قرى قوم لوط - الذين أخذهم الله أخذة رابية، أي زائدة في الشدة على غيرها.. بل إن تاريخ الإنسانية هو صراع بين أهل الطاعة وأهل العصيان.. حتى أن المأثورالنبوي الشريف قد تحدث عن أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون..

فكيف يتسق شيوع العصيان في البشر، مع الآية القرآنية التي تحدثت عن أن كل من في السموات والأرض قانتون - أي خاضعون ومطيعون - لله سبحانه وتعالى؟

 

أنواع الإرادة الإلهية والقضاء الإلهي

إن مفتاح الإجابة عن هذا التساؤل، هو فهم أنواع الإرادة الإلهية والقضاء الإلهي.. فالله سبحانه لا يريد العصيان، ولا يقضي بالشر.. لكن إرادته وقضاءه نوعان:

1 - إرادة وقضاء تكويني وحتمي للمخلوقات غير المخيرة.. وذلك مثل القضاء الذي تتحدث عنه الآية: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت: 12).. ومن مثل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة: 117).

ففي هذا اللون من الأمر الإلهي والقضاء الرباني تكون المخلوقات غير المختارة مجبولة على القنوت والطاعة والخضوع لله سبحانه وتعالى..

2 - إرادة وقضاء معهما تخيير.. وذلك خاص بالإنسان المخير.. المكلف.. المسئول.. والذي له - بسبب هذا التخيير والحرية - حساب وجزاء.

وإلى مثل هذا تشير الآيات: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23-24).

فنحن هنا أمام قضاء إلهي، شاء الله سبحانه وتعالى أن يترك للإنسان المخير إزاءه حرية الطاعة والعصيان، ليتميز الخبيث من الطيب، وليكون الجزاء وفق العمل والإرادة والاختيار.. فالإنسان المخير، الذي هداه الله النجدين، له قدرات واستطاعات الطاعة والعصيان.. ولذلك، كان من جنس الإنسان المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ومن يبتغي وجه الله، ومن يبتغي غير دين الله.. بينما المخلوقات غير المختارة مجبولة على الطاعة والخضوع {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (آل عمران: 83) ، {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} (الرعد: 15) ، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت: 11).

ففي مخلوقات الله مخلوقات مجبولة على الطاعة والخضوع.. وفي هذه المخلوقات، منهم من يطيع ومنهم من يختار العصيان، فيبتغي غير دين الله!.

 


 

المصدر:

محمد عمارة، شبهات حول القرآن، ص5

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-القرآن
اقرأ أيضا
عصر انتكاس الفطر | مرابط
النسوية الجندرية

عصر انتكاس الفطر


تخيل لو حقق قوم لوط تقدما تكنولوجيا كبيرا وحازوا العلوم الدنيوية كلها هل كان ذلك يشفع لهم عند الله؟ هل يمكن أن يوصفوا بأن حضارتهم أفضل وأكثر تقدما؟ قطعا لا! لن يمكنك أن تصفهم بهذا الوصف بعد أن غرقوا في ظلمات اللوطية وبعد أن انتكست فطرتهم وانقلبت رأسا على عقب فارتضوا اللواط..

بقلم: محمود خطاب
764
من أخلاق الكبار: عبد الله بن مسعود | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: عبد الله بن مسعود


وسل نفسك لو أنك رجعت إلى بيتك ووجدت أن البيت قد كسر وأن المتاع قد سرق أو وضعت يدك في جيبك فوجدت أن ما تحتفظ به من نقود وأوراق ووثائق قد نشلت وسرقت أو خرجت إلى سيارتك فإذا هي قد كسرت وأخذ ما بها ونثر زجاجها على قارعة الطريق ماذا تصنع؟

بقلم: خالد السبت
445
هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟ | مرابط
النسوية

هل يحق للنسويات انتقاد وضع المرأة في الإسلام؟


وأما النسوية الليبرالية فليس لها أيضا انتقاد مكانة المرأة ولا أحكامها في الإسلام لأن الليبرالية تقرر نسبية الحقيقة أي الحق عندي ليس بالضرورة هو كذلك عندك وهذه سفسطة يقررها عامة الليبراليين يقول راسل: إن الفيلسوف الليبرالي لا يقول: هذا حق بل يقول في مثل هذه الظروف: يبدو لي أن هذا الرأي أصح من غيره

بقلم: حمود بن ثامر
428
تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة | مرابط
اقتباسات وقطوف

تغير الفطرة من موانع فهم الشريعة


وإذا تغيرت الفطرة التي طبع عليها الإنسان فلن يفهم الأوامر الشرعية التي أمره الله بها حتى تعدل الفطرة عن انتكاستها لتستوعب كالإناء المقلوب لا بد من تعديله حتى يستوعب ما يوضع فيه لهذا شدد الله في أمر الفطرة وحذر من تغييرها لأنها تؤثر على استيعاب أوامره ونواهيه

بقلم: عبد العزيز الطريفي
697
قصص السلف ليست خيالية | مرابط
اقتباسات وقطوف

قصص السلف ليست خيالية


بعض الناس إذا سمع ما يذكر عن السلف عن سلف هذه الأمة من عبادة وتلاوة لا يصدق ويقول: هذا ضرب من الخيال هذا ليس بصحيح هذه مبالغات لكن لو جربه مرة لنفسه وجد الأمر ميسورا ويوجد الآن -ولله الحمد- من يعان على ذلك ويقرأ القرآن في ثلاث في الأيام العادية فضلا عن أيام المواسم موجود مع أنه يؤدي جميع ما عليه ما هو إنسان عاطل المسألة مسألة توفيق وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة لا أكثر ولا أقل ومن التجأ إلى الله بصدق أعانه أعانه على أمور دينه ودنياه.

بقلم: د. عبد الكريم خضير
260
شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم


بين يديكم رد على الشبهة المتكررة التي يزعم مروجوها أن سيدنا إبراهيم عليه السلام شك في ربه وذلك استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فيقول البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الشك إلى إبراهيم وإلى نفسه.. بين يديكم رد على هذا الزعم.

بقلم: قاسم اكحيلات
487