ليعلم أن بعض الناس بدءوا يتهاونون بالطلاق إلى أبعد الحدود من وجهين:
الطلاق بالثلاث بلفظ واحد
الوجه الأول: سهل عليهم أن يطلق الرجل زوجته ثلاث تطليقات مرة واحدة، أي: سهل عليهم أن يقول الرجل لزوجته: أنت طالق بالثلاث، أو أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق.. أنت طالق.. أنت طالق، سهل عليهم هذا، وكانوا فيما سبق من الزمن لا يكاد أحد أن يطلق هذا الطلاق، لكن لما رأى الناس الرخصة في أن الرجل إذا طلق هذا الطلاق أمكنه المراجعة، صاروا يتهاونون في هذا الأمر، وكان طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فكثر ذلك في الناس، فقال عمر: [أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم] فأمضاه عليهم، وألزم الإنسان إذا طلق ثلاثًا ألا يراجع زوجته، وهذا من السياسة العمرية، فالمسألة ليست بالهينة.
ألم تعلموا أن الإمام أحمد والشافعي ومالكًا وأبا حنيفة وعامة الأمة يقولون: إن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة أو بكلمات يكون بائنًا لا تحل به المرأة. المسألة ليست هينة، الآن الذين يفتون بأن طلاق الثلاث واحدة قلة جدًا في علماء الأمة، أكثر الأمة يرون: أنه لا رجعة لمن طلقها ثلاثًا بكلمة واحدة أو بكلمات متعاقبات، أكثر الأمة على هذا، وألفوا في ذلك التآليف، لكن أقول ذلك لا لأني أرى أن طلاق الثلاث ثلاث، ولكن لأحذر إخواني، وأبين لهم أن الأمر ليس بالهين، لا يتهاونوا لما كان يفتى بأن الثلاث واحدة، أكثر الأمة على أن الثلاث ثلاث، وأن المرأة تبين بذلك، وأنها لا تحل لزوجها إلا بعد زوج.
الحلف بالطلاق
المسألة الثانية: الحلف بالطلاق، تهاون الناس به كثيرًا، حتى كان بعضهم يقول: إن لم أشرب فنجان الشاي فزوجتي طالق، كيف هذا التلاعب! على أدنى شيء يقول: إن لم أفعل كذا، إن لم تفعلين كذا فأنت طالق، مع أني أقول لكم: إن أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على أن هذا الطلاق طلاق معلق بشرط متى وجد وقع الطلاق، فمثلًا: لو قال لزوجته: إن دخلتِ دار فلان فأنت طالق؛ فدخلت، ماذا يكون عليها؟ أكثر الأمة يرونها تطلق، حتى لو نوى اليمين فهي تطلق، ويرى بعض العلماء أنه إذا قصد بذلك منعها ولم يقصد الفراق فهي يمين تكفر، ومثل ذلك -أيضًا- ما يقع ولا سيما عند البادية، إذا نزل الضيف وأراد صاحب البيت أن يكرمه بذبيحة ضيافة له، قال له: عليَّ الطلاق ما تذبح ذبيحة، فيقول صاحب البيت: عليَّ الطلاق لأذبح ذبيحة، ماذا نعمل الآن؟!
إن ذبحنا الذبيحة طلقت امرأة الضيف، وإن لم نذبح طلقت امرأة صاحب البيت، فماذا نصنع؟ أكثر العلماء وأكثر الأمة على أن هذا طلاقًا، تطلق المرأة، فأنا أقول هذا لأجل ألا نتهاون بالطلاق؛ لأن أمره عظيم، وليس بالأمر السهل، "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [البقرة:229].
ونقتصر على ما قلنا في حول هذا الموضوع لنتفرغ إلى قراءة الأسئلة، ونسأل الله أن يلهمنا الجواب الذي يكون صوابًا.