ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية

ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

273 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الشبهات تستحكم في قلب الإنسان بحسب بعده عن إدراكها، ولهذا قلنا: إن عقل الإنسان هو كحال الإناء منه ما يمكن أن يضعه في الإناء ويستوعبه، ومنه ما لا يستوعبه الإنسان، وما لا يستوعبه الإنسان ككثير من الحكم الإلهية في خلق الله سبحانه وتعالى للكون، وكذلك العلل التي لا يدركها الإنسان، فعقل الإنسان إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره فلينظر إلى حجمه من الكون، حتى يدرك مقدار العقل الذي يمكن للإنسان أن يستوعب الحكم الإلهية من خلق المخلوقات، وإجراء المجرات، وسير هذه الكواكب والأفلاك، وما جعل الله عز وجل فيها من سنن إلهية قدرية تحير الألباب.

فيعلم الإنسان أن الله عز وجل يغيب كثيرًا من الحكم عن عقل الإنسان؛ لأنها لو طرحت عليه لا يمكن للإنسان أن يصدقها، ولهذا لو نظر الإنسان إلى عقل القرشي الجاهلي في مكة حينما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه ذهب من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة، وعاد من ذلك، ولم يخبرهم عليه الصلاة والسلام بأمر السماء، أنكروا ذلك، وجعلوه من السحر، لكن لو كان أحدنا في زمانهم لعد مجنونًا أن ينكر مثل هذا؛ لأن الإنسان يراه الآن عيانًا، فالإنسان الآن يذهب ويأتي بسرعة، فهم كفروا بمثل هذا الأمر، لكن الذي ينكر ذلك الآن فإنه بإجماع البشرية أنه من المتخلفين الذين لم يروا ما أدركه الإنسان.

إذًا: عقل الإنسان في ذاته لا يمكن أن يحكم على الطبيعة من جهة الصحة والخطأ، ولا يمكن أن يحكم على الغير من جهة الصحة والخطأ أيضًا، وإنما الإنسان يحكم بحسب ما لديه، ولهذا الله عز وجل في بعض المواضع يأمر الإنسان بالإيمان والانقياد فحسب، ويكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا يقيس به الإنسان جملة من الحقائق الإلهية التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها، ثم بعد ذلك يقيس صدق خبر في موضع على موضع آخر؛ حتى يعرف الإنسان صدق المخبر في غير ذلك الموضع، وذلك يعطيه يقينًا، والله عز وجل لم يأمر البشرية بأن تؤمن بالغيبيات كلها، ولم يكن ثمة دلائل من الأمور المشاهدة تثبت صدق المخبر في ذلك، وهو النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما جعل دائرة للصدق، ودائرة للغيب بعد ذلك يجب عليهم أن ينقادوا إلى موضع الاختبار والامتحان.

الله سبحانه وتعالى جعل الناس في هذه الدنيا يدركون بحسب ما يريدون، وأكثر ضلال الإنسان فيما لا حاجة إليه في أمر دنياه، ولو اتصل الإنسان بعلمه فيما له حاجة فيه من جهة الإدراك والعمل لما ضل من البشرية أحد، ولهذا الله سبحانه وتعالى امتن على البشر في قوله جل وعلا: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" [الإسراء:85].

وذلك أن الإنسان يبحث عن المعلومات ويستكثر منها، وجلبه لهذه المعلومات يزيد معها كثير من الشبهات، وتورث الإنسان شيئًا من الشبهات، كحال كثير من الناس الذين يوغلون بعلم الأبراج والكواكب ونحو ذلك، ومعلوم أنهم لم يغيروا من حركة الشمس ولا الكواكب ولا المجرات ونحو ذلك، بل يبحثون إلى مواضع هي بينهم وبين البشرية إلى آلاف الأميال الضوئية، ويعلمون أنهم لن يدركوا من الوصول إلى هذه الطبيعة شيء، ومثل هذه الأمور تجلب لأناس علمًا ويقينًا، وتجلب لأناس شبهة باعتبار أنها من الغيبيات المنفصلة عن إدراك عقل الإنسان، وهذا بحسب يقين الإنسان وقربه من الله سبحانه وتعالى في علوم أخرى التي تثبت القلب عند ورود الشبهة عليه.

الأمور المتشابهة هي المترددة بين أمرين كما تقدم الكلام عليه، وكلما تردد الإنسان بين أمرين فهو أقرب إلى الحق مما إذا تردد بين ثلاثة وأربعة وهكذا، والله عز وجل أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأظهر البينات والمعجزات على يد نبيه عليه الصلاة والسلام، حتى يجلب القلوب النافرة التي تقيس جملة من الأمور التي لا يدركونها، أو يأتي إلى عقل الإنسان شيء من الأفكار والوساوس بالتنفير من أمثال هذه الأمور فيقيسون شيئًا من الأمور الصادقة بشيء من الأمور الغيبية.

ثم بعد ذلك يؤمنون، خاصة إذا كان المخبر معصوم، أي: أنه لا يرد على لسانه الكذب عليه الصلاة والسلام، فيرون المشاهد مصدق في كل حال، ويرون الغيبي غائب عنه، فيصدقون الغيبي لثبوت صدق المشاهد، وأنه لم يكذب في موضع من المواضع، ولهذا فالذي ينفر في ذلك ينفر عن الحق الذي يخبر به المصدق ولم يكذب في موضع معين، ويكذب الغيب كله باعتبار عدم إدراكه، ولم يأخذ الأمور المشاهدة التي جاء بها على سبيل الصدق، وبحث الإنسان عللها فوجدها مصيبة فهذا معاند كافر، وهذه طريقة أهل الظلال والزيغ من المعاندين.

الإنسان في أمر الشبهات وكذلك اليقين إدراكه وإيمانه بما يرى وما يغيب عن ذهنه النظر في ذلك هو أمر طويل وعريض جدًا من جهة إدراك الإنسان لما يتعلق في أمور المشاهدات، مما يتعلق علم الإنسان ووفرته، مما يستطيع الإنسان أن يؤلف بين تلك المعلومات ويخرج معلومة أخرى، وكما لا يخفى أن المعلومات والعلم والفكر والآراء كلها موجودة ومخلوقة، وإنما الناس يؤلفون بينها، فما نرى من أمور الطبيعة، وما نرى من الرسومات، وما نرى من الأشياء والألوان.

هذه من أمور الطبيعة يشكل الإنسان بينها فيخرج شيئًا جديدًا، كحال اللونين يدمج الإنسان بينهما فيخرج في ذلك لونًا جديدًا، كذلك أيضًا الأفكار يدمج الإنسان بينها ويخرج شيئًا، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يبدع شيئًا معدومًا لم يخلقه الله عز وجل من المعلومات، ولو سبر الإنسان ذلك لوجد ذلك يقينًا، وذلك كأمور المادة يدمج الإنسان بينها فيصنع بيتًا، ويصنع مركبة ونحو ذلك، كذلك أمر الأفكار كما أنه انبهر أنه أوجد هذه المراكب من عدم، وهي في ذاتها لم توجد من عدم، وإنما جهل مراتب التأليف بينها حتى تخرج على هذا الشكل، وذلك لضعف الإنسان السابق وقوة الإنسان اللاحق، وهذا أمر لكثرة الأقيسة والموروث من العلم يزداد لدى الإنسان الإدراك في ذلك، فيزداد الإنسان فيه علمًا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل #الحكمة-الإلهية
اقرأ أيضا
مختصر قصة التتار الجزء الثالث | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الثالث


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1244
تحمل مسؤولية التكليف | مرابط
مقالات

تحمل مسؤولية التكليف


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته.

بقلم: أحمد يوسف السيد
194
كيف تقرأ كتابا ج5 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج5


وأحيانا يحتاج القارئ أن يقرأ كتابا آخر ليعرف طريقة مؤلف أو كتاب مثل صحيح البخاري العلماء استقرءوا منهج البخاري ووضعوه في كتب وبعض كتب الفقه لها مصطلحات مثلا: مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام لابن عبيدان الحنبلي هذا إذا قال: اتفقوا يقصد الأئمة الأربعة مثلا أحيانا إذا قال: اتفقت يقصد ثلاثة إلا فلانا أحيانا إذا قال: اتفقا يقصد فلانا وفلانا ولكن ليس دائما يقول هذا فلابد أن تعرف ذلك وقد ذكر لك الاصطلاح في البداية

بقلم: محمد صالح المنجد
422
اللسان العربي والعلوم العقلية | مرابط
لسانيات

اللسان العربي والعلوم العقلية


تغيرت طبيعة التعبير اللغوي بتأثير من العلوم العقلية المتغلغلة في الأمة وقد ظهر هذا الأثر في مجالين كبيرين: الأدب والعلوم الشرعية وهناك الكثير من الشواهد التي لا تحصى على تغير اللسان وابتعاده عن اللسان الأول بسبب تأثر العبارة الشرعية بالمنطق اليوناني خصوصا وبالعلوم العقلية عموما

بقلم: البشير عصام المراكشي
533
تعلق القلوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعلق القلوب


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث فيه عن تعلق القلوب بغير الله وكيف يفضي هذا في النهاية إلى حالة من حالات الأسر تفوق أسر البدن فالقلب هو الملك وهو المتحكم في حال الإنسان بينما الجسد تابع فلو أسر الأخير والقلب مستريح لم يضر صاحبه شيئا

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2270
أدلة القرآن على حجية السنة النبوية | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك

أدلة القرآن على حجية السنة النبوية


إن أعظم ما ينطلق منه أهل العلم لإثبات حجية سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم ولا يكاد يخلو كتاب من الكتب المؤلفة في هذا الباب من الاستشهاد بآياته على مكانة السنة وحجيتها والمتأمل لدلائل القرآن على حجية السنة يجد أنها تثبت معنين شريفين جليلين فيهما الرد على مختلف الطوائف المنكرة للسنة سواء أكان إنكارهم لها من جهة أصلها أو من جهة طريقة نقلها وننقل لكم هذه النقاط في صورة إنفوجرافيك اختصارا وتيسيرا على القراء

بقلم: أحمد بن يوسف السيد
1747