دعوى مظلومية المرأة

دعوى مظلومية المرأة | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2734 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

اطلعتُ على بعض المقاطع المـُعَدّة بأسلوب درامي مؤثر يرسم صورة الأنثى كمظلومة تحت مظلة الإسلام، وقد نَجَحَت مثل هذه الرسائل في استمالة ضعيفات الإيمان إلى ظلمات الشك ثم الإلحاد. وكثيرًا ما يدخل المـُشككون في الإسلام من باب المرأة؛ يستثيرون بذلك عواطف المسلمات اللاتي لم يعرفن دينهنّ حقّ المعرفة، وفي الحقيقة فإن خِطابهم التشكيكيّ هذا لا يعدو أن يكون غشًّا و تدليسًا!، ويستبين ذلك بمعرفة الأمور التي يتجاهلونها ويتغافلون عنها حين يتحدثون عن موضوع المرأة في الإسلام.

 

وسأذكرها في نقاط:

 

أولًا: إغفالهم جوانب الإكرام التي حظيت بها المرأة في الإسلام:

 

فهل سمعتم أحدًا منهم يذكر أن الله ضرب مثلا للمؤمنين بامرأتين يقتدي بهما الرجال والنساء؟
قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}. [التحريم:١١-١٢]
 
فهل الدين الذي يجعل المرأة قدوة لرجاله يكون دينًا يحتقر المرأة؟!
 
وهل وجدتم من هؤلاء المـُشككين أحدًا يذكر مكانة الأمّ التي حظيت في الإسلام بمنزلة لا يمكن أن تحظى بها في أنظمة الدنيا كلها! فاسأل أي مُسلِمٍ يعرف دينه: مَن أعظم الناس حقًّا عليك بعد رسول الله؟ فسيقول لك: أمي! فإن سألته من أين أخذت ذلك؟ فسيقول: من الإسلام.
 
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».
 وإذا أخذنا بالمنطق الساذج الذي يأخذ به ضعفاء العقول، فسنقول: إن الإسلام يُفضل المرأة على الرجل! لأن هذا الحديث فيه تفضيل الأمّ على الأب!
 
وهل عرّج أحد هؤلاء المـُشككين على ذِكر فضل الإحسان إلى الأنثى في الإسلام؟
 
فعن أنس بن مالك أنّ رسول الله ق قال: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
لقد جاء هذا الحديث في وقتٍ كان العرب يعتبرون ولادة الأنثى شرًّا وعارًا، فإما أن يمسكوها على هُون أو يدسُّوها في التّراب! وهل هناك مطلب للمسلم أعلى من أن يكون يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فانظر كيف جُعل الإحسان إلى الأنثى طريقًا لذلك! مع أنه لم يَأتِ حديث خاص في فضل تربية الذكر -في حد علمي-!

 

ثانيًا: إغفالهم ذكر التخفيف والتسهيل على المرأة في عدد من الأحكام الشرعيّة في مقابل التشديد فيها على الرجل.

 

فيجوز للمرأة لبس الذهب ويحرم ذلك على الرجل.
ويجوز للمرأة لبس الحرير ويحرم على الرجل.
ويجب على الرجل بذل المال وجوبًا للزوجة كنفقةٍ مستمرة ولو كانت غنيّة، ولا يجب على المرأة الإنفاق عليه!
ويجب على الرجل حضور صلاة الجماعة في المسجد -على الراجح من أقوال الفقهاء- ولا يجب ذلك على المرأة.
ويجب الجهاد على الرجال كفاية أو عينًا -على حسب الحال- ولا يجب ذلك على النساء. مع أن الجهاد فيه تعريض النفس للتلف.
وتؤخذ الجزية من الرجال غير المـسلمين و لا تؤخذ من النساء!
 
قال ابن القيّم في كتابه (أحكام أهل الذمّة):

 

ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون؛ هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم. قال ابن المنذر: ولا أعلم عن غيرهم خلافهم. وقال أبو محمد في المـُغْني: “لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا “. اهـ.

 

ثالثًا: إغفالهم الآثار السلبية الكثيرة المترتبة على الانفلات من تشريعات الله للمرأة!

 

فبأي ذنب يتمُّ إسقاط ملايين الأجنّة سنويًا بعمليّات الإجهاض التي تسببت بها علاقات غير شرعية؟ وإذا كانت الروح قد نُفِخَت في كثير من هذه الأجنة؛ فبأي ذنب قُتَلت؟!
أليس لهذا الجنين حقُّ الحياة؟! أم أن حرية الشهوة مُقدّمة؟ وإذا كان مصير هذه الأرواح البريئة القتل والإزهاق؛ فلماذا يتم تسهيل العلاقات التي تسببت في تكوينها من الأصل؟!
 
حقًّا إنها حُرَية مُزيّفة!
 
ومن ذلك أيضًا: مَنْعُ الأبِ من تقييد حُرّية ابنته حين تسير في طريق منحرف، مع أنه ربما يكون قد تعب في تربيتها قرابة عشرين سنة, بذل فيها ماله وجهده وراحته ثم إذا صارت في فور شبابها وقُدِّر أنّها قرّرت أن تقيم علاقات غير شرعيّة -مثلًا- فيُحال بينه وبين منعها مما قد يدنّس شرفها وهي غارقة في بحرٍ لا تعرف أغواره؟!
فهم يعتبرون منعه إياها من ممارسة حريتها -غير الشرعية- ظُلمًا، ولا يرون في الحيلولة بينه وبين إبعادها عن هذه الأمور ظلمًا ولا غضاضة!
 
ومن ذلك أيضًا الانتكاسة الفطريّة التي يُسمّى فيها الشذوذ الجنسيّ مثلية وميلًا طبيعيًّا؟!
 
وحين سهّل المـُنفلتون من شرع الله طُرُقَ إقامة العلاقات المـُحرّمة فُتحت أبواب الخيانة الزوجيّة على مصراعيها! واختلطت الأنساب! وكم مِن الأبناء غير الشرعيين مَن صارت المرأة وحدها هي التي تتحمل أعباء تربيتهم والإنفاق عليهم.
 
ولذلك؛ تجد أن المرأة تعمل في أي مجال لتُحَصِّل المال، فقد نشرت وزارة العمل الأمريكية في موقعها الرسمي إحصاءً يبيّن أن ٨٩% من نسبة العاملين في البيوت كخدمة ونظافة هم من النساء!!

 

رابعًا: أنّهم لا يقرؤون حكمة الله تعالى في تشريعاته المُتعلّقة بالمرأة:

 

كموقفهم من قضيّة الميراث وقولِ الله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١] حيث يزعمون أن الإسلام ظلم المرأة بإعطائها نصفَ الميراث، والرد على هذه الشبهة من وجوه، منها: أن الميراث له حالات متعددة، منها ما تُعطى فيه المرأة أكثر من نصيب الرجل، ومنها ما تعطى فيه مساوية للرجل، ومنها ما ترث فيه الأنثى ولا يرث الرجل، ومنها ما يكون نصيبها فيه أقل من نصيب الرجل، ولكنهم يجهلون أو يتجاهلون!
 
فقد سمعناهم كثيرًا يرددون -طاعنين-: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} ولم نسمع منهم ولا مرة واحدة قول الله سبحانه وتعالى في نفس الآية: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:١١], حيث فيه مساواة بين الرجل (الأب) والمرأة (الأم)، ولم نسمع منهم ذِكرَ المساواة -بين الرجل والمرأة في الميراث- الواردة في الآية التي تليها، وهي قول الله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ}[النساء:١٢] ومعنى ذلك أنهم يشتركون رجالًا ونساء دون تفاضل فيما بينهم!

وكذلك فإن الذكر وإن أعطي في بعض الحالات مثل حظ الأنثيين إلا أنه مأمورٌ شرعًا بأن يبذل للأنثى مهرًا عند زواجه بها، ومأمورٌ كذلك أن ينفق عليها طول حياته حين تكون زوجة له ولو كانت غنيّة، أفيُستكثَر عليه بعد ذلك أن يكون له نصيبٌ من الميراث على الضِّعف من نصيبها؟

 

خامسًا: أنهم يتغافلون عن التناقضات بين ما يطرحونه وبين الواقع.

 

فهم حاربوا الزواج الشرعي ممن سموهنّ بالقاصرات فإذا بالإحصاءات تثبت نسبة كبيرة للحمل غير الشرعي بين هذه الفئة!
 
وهم يحاربون التعدد في الزواج أشد الحرب، مع أن التعدد لا إجبار فيه، وإنما المرأة هي التي تختار أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة، ثم يمارسون تعدد العشيقات وتعدد العاشقين!
 
وهم ينادُون بالحرية في علاقات المرأة ثم يمنعونها من حريتها و حقها حين تختار الزواج من متزوج!

 

سادسًا: أنهم يعتبرون رؤيتهم أصلح للمرأة وأنفع لها من نظام خالقها سبحانه…

 

فيساوونها بالرجل مساواة مُطلَقة من كل وجه، وهذا يخالف طبيعة تركيب كُلٍّ منهما، وأمّا في نظام الله سبحانه فإن التساوي بين الرجل والمرأة هو الأصل في الأحكام، ولكنه ليس تساويًا مُطلَقًا في كل شيء، فهناك أحكام تخص الرجل، وأحكام تخص المرأة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَىٰ} [آل عمران:٣٦].

 

سابعًا: أنّهم ينسبون إلى الإسلام العادات الخاطئة التي فيها ظُلمٌ للمرأة!

 

فمثلًا: حين يقوم وليُّ المرأة بإكراهها على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه، فإنّهم ينسبون ذلك إلى الإسلام؛ لأن الذي قام بذلك شخص مسلم، والصواب أن هذه العادة مما جاء في الإسلام النّهْيُ عنها، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»
 
    فهذه سبعُ ثغرات تتخلّل خطاب المـُشككين في الإسلام عن طريق موضوع المرأة، وهي كافية في كشف الاستغلال السيء والانتقاء المبني على الهوى من الطاعنين في الإسلام

 


 

المصدر:

  1. أحمد يوسف السيد، كامل الصورة، ص143
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ظلم-المرأة
اقرأ أيضا
بناء المساجد.. وبناء البشر | مرابط
مقالات

بناء المساجد.. وبناء البشر


جل أهل السير كانو يجعلون دوما بناء المسجد النبوي في المقدمة.. في مطلع العهد المدني وبعد الهجرة مباشرة كان اختيار المكان الذي سيكون المستقر الجديد للمؤمنين ومحل اجتماعهم على الطاعة وتلقي الوحي المنزل على رسول الله وبالفعل كان البناء المكاني لكن كثيرون لا يلتفتون إلى بناء آخر سبقه.. بناء البشر وبناء العلاقة بينهم

بقلم: د. محمد علي يوسف
233
الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني | مرابط
فكر الليبرالية

الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني


مقال تفصيلي يسير بشكل موجز بين أروقة التاريخ ليحدثنا عن الليبرالية الاستئصالية التي ترفع شعار الحرية والمساواة ولكنها على أرض الواقع أبعد ما يكون عن شعاراتها ومبادئها هنا سترى الليبرالية منذ بداياتها مراحل الضعف والانهزام أمام الاشتراكية ثم انهيار الأخيرة وصعود موجات الليبرالية وبداية حقبة جديدة تمتد موجاتها إلى عالمنا الإسلامي

بقلم: إبراهيم بن محمد الحقيل
2209
حجاب الغفلة | مرابط
مقالات

حجاب الغفلة


حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
242
مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1414
اللغة العربية ودعوات العامية | مرابط
لسانيات

اللغة العربية ودعوات العامية


إذن اللغة العربية هي لغة متخطية للحدود التاريخية والجغرافية والقومية بل والحدود الزمكانية إن صح التعبير فهي لغة كلام الله المنزه المنزل من فوق سبع سموات وهي لغة أهل الجنة.. فكيف لا تكون الحرب عليها بهذه الضراوة؟! بكلتا النقطتين يتبين لنا ملمح مهم من ملامح الإعجاز القرآني بخلاف الإعجاز اللغوي والعلمي والتشريعي وما إلى ذلك.. ألا وهو صيانة هذه الأمة والحفاظ على وحدتها ووجودها إلى قيام الساعة..

بقلم: عمرو كامل
435
من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة | مرابط
فكر تفريغات

من مقومات المجتمع المسلم: اتباع السنة


كان السلف الصالح رضوان الله عليهم ينكرون أشد الإنكار على ما ظهر من بدع في أيامهم كما أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه على بدع في التسبيح فعلها بعض القراء ثم لما ظهرت الفرق المبتدعة وتميز أهل السنة رأينا كيف كانت عقوبتها

بقلم: سفر الحوالي
369