عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2

عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج2 | مرابط

الكاتب: فهد بن سعد أبا حسين

478 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الخطبة الثانية.. الحمد لله، أما بعد:

فحينما نقرأ آيات الميراث، فإننا نتعامل مع عظمة في التشريع، نتعامل مع تشريع تولاه الله بنفسه، وتولى بيانه بنفسه، ولم يترك ذلك لأحد من البشر. ومن العجائب في باب الميراث أن كل هذه الأحكام الدقيقة التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى أربع آيات وثلاثة أحاديث، وهذا إعجاز عظيم أفرد له العلماء علمًا قائمًا بذاته وهو علم الفرائض (أو علم المواريث)، ومع أنها أربع آيات إلا أنها وضحت تقسيم الإرث بطريقة لافتة.

 

وعادة ما نقرأ في القرآن الأحكام بإجمال في مثل الصلاة والزكاة والصيام، ونجد في السنة التفصيل، أما أحكام الميراث فجاءت مفصلة في القرآن بوضوح في بيان بليغ، وتفصيل دقيق،لايستطيع البشر أن يهتدوا إليه لولا أن هداهم الله. والله جل وعلا حينما يشرِّع الأحكام، فإنما يشرعها لحكمة عظيمة، قد يصل الإنسان إلى هذه الحكمة، وقد يصل إلى شيء منها، وقد يصل إلى ذلك بعد أمدٍ.

 

وختَم الله جل وعلا ثلاث آيات من آيات المواريث بصفة العلم، فقال تعالى: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]، وفي الآية الثانية: ﴿ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12]، وفي الآية الثالثة: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].

 

الأمور التي تراعيها الشريعة

وكثيرًا ما تكون نظرة الإنسان إلى القضايا نظرة بسيطة، لكن كلما تأمَّل في القضية أكثر، وبحث أكثر، ظهر له أن النظرة البسيطة والسطحية بعيدة عن الصواب، وقد تعود للإنسان بمفاسد وعوائقَ وأضرارٍ ولو بعد أمدٍ، وقد تنفع اليوم لكنها تضر غدًا، وقد ذكر بعض الباحثين أن الشريعة في الإرث تراعي عدة أمور:

الاعتبار الأول: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى، وبين المُوَرث المتوفَّى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قلَّ النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين، فابنة المتوفى تأخذ مثلًا أكثر من والد المتوفى أو أمه، والأولاد يقدمون في الإرث على الإخوة، وهكذا، ويقدم الأخ الشقيق (من الأب والأم) على الأخ لأب، وهكذا.

 

الاعتبار الثاني: موقع الوارث من الحياة، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمُّل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للورثة، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث البنت أكثر من الأب! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.

 

الاعتبار الثالث: التكليف المالي الذي يوجبه الشرع على الوارث حيالَ الآخرين، وهذا هو الاعتبار الوحيد الذي يفرِّق فيه بين الذكر والأنثى، ليس باعتبار الجنس، ولكن باعتبار التكليف والأعباء المالية، فإذا ما تساوى الورثة في القرابة، وفي موقعهم من الحياة، فكانوا جيلًا واحدًا كالأخوة أو الأبناء، هنا ينظر الشرع إلى التكاليف والأعباء المالية المناطة بهم؛ ا.هـ، باختصار.

 

والشريعة تحرص على العلاقة الاجتماعية في الأسرة، بعيدًا عن الخصومة والعداوة بين الأرحام، وحرصت الشريعة على أن يبقى مال الميت لأهله وأقاربه، وألا يوصي بأكثر من الثلث؛ ففي صحيح البخاري برقم2742: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ".

 

ومما يذكر في هذا الباب أن وجود استبداد لبعض الوارثين، وسيطرتهم على حقوق الضعفاء، ليس ذريعة لإقصاء أحكام شرعية واستبدالها بأخرى غربية. فالواجب علينا جميعًا أن نحمَد الله على نعمة الميراث في الإسلام، وأن نقوم به كما أمر الله سبحانه.

 


 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإرث
اقرأ أيضا
الخصوصية العيدية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الخصوصية العيدية


الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك التي قال الله لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر

بقلم: إبراهيم السكران
527
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير! | مرابط
مقالات

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير!


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين!

بقلم: كريم حلمي
393
كيف أبدأ ..؟ | مرابط
ثقافة

كيف أبدأ ..؟


والله لا أستطيع إحصاء الرسائل التي تأتيني يوميا:كيف أبدأ في حفظ القرآن ولماذا ومتى وأين ومع من؟كيف أبدأ في طلب العلم؟ ما المراحل والخطط والكتب والطبعات وكيف أدرس وأحفظ وأراجع؟كيف أبدأ في الرياضة.. كيف أنقص وزني؟كيف أربي أولادي ومتى وأين؟.. إليكم الجواب.

بقلم: حسين عبد الرازق
456
قصص السلف ليست خيالية | مرابط
اقتباسات وقطوف

قصص السلف ليست خيالية


بعض الناس إذا سمع ما يذكر عن السلف عن سلف هذه الأمة من عبادة وتلاوة لا يصدق ويقول: هذا ضرب من الخيال هذا ليس بصحيح هذه مبالغات لكن لو جربه مرة لنفسه وجد الأمر ميسورا ويوجد الآن -ولله الحمد- من يعان على ذلك ويقرأ القرآن في ثلاث في الأيام العادية فضلا عن أيام المواسم موجود مع أنه يؤدي جميع ما عليه ما هو إنسان عاطل المسألة مسألة توفيق وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة لا أكثر ولا أقل ومن التجأ إلى الله بصدق أعانه أعانه على أمور دينه ودنياه.

بقلم: د. عبد الكريم خضير
260
الصحبة قسمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الصحبة قسمان


مقتطف للعلامة ابن القيم من كتاب الفوائد يتحدث فيه عن الاجتماع بالإخوان وكيف أنه ينقسم إلى نوعين نوع فيه مضرة ونوع فيه منفعة والمتأمل لهذا الاقتباس يدرك مدى حرص علماء المسلمين وسلفنا الصالح على الوقت وعلى كل لحظة من لحظات الطاعة ومدى تجنبهم لصغائر الأمور قبل كبائرها

بقلم: ابن القيم
2207
آثار مفهوم النسوية على الأديان ج1 | مرابط
النسوية

آثار مفهوم النسوية على الأديان ج1


آثار مفهوم النسوية على الديانتين اليهودية والنصرانية: في ظل السباق المحموم لمحاربة كل ما هو أبوي وذكوري قدمت النسوية الديانتين اليهودية والنصرانية بصورة سيئة مع ما طال هاتين الديانتين في الأصل من تحريف إذ ترى النسوية أن الأديان هي أكبر من يمارس الإقصاء والتهميش ضد المرأة وأنها كانت ولازالت مستمرة في التقليل من شأن المرأة واضطهادها وبهذا تعطي الأديان الرجل الضمان اللازم ليهيمن على المرأة ويسيطر عليها ومن أجل ذلك كله سعت النسوية إلى تحرير النساء من سلطة هاتين الديانتين

بقلم: أمل بنت ناصر الخريف
582