فجوة الإبداع

فجوة الإبداع | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

575 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

ظاهرة فجوة الإبداع  creativity Gap ظاهرة ممكن تسبب إحباطا للمبتدئين ومع ذلك فغياب هذه الظاهرة قد يحرم المحترفين من مزيد التطور

 

أي شخص قرر يتعلم مهارة أو يمارس هواية معينة طبيعي يكون اتجه لهذه المهارة بعد فترة اهتمام ورغبة ومتابعة للمحترفين في هذه المهارة أو الهواية، خصوصًا إن حاليا أصبح من السهل متابعة المحترفين وأعمالهم في كل مجال بمنتهى السهولة، من خلال يوتيوب أو فيسبوك أو مواقع متخصصة بالمهارات.. متابعتنا للمحترفين وأعمالهم بترفع لدينا مستوى التذوق والحس النقدي في المهارة أو مجال العمل الذي نهتم به، يعني قدرتنا على التمييز بين الأعمال الجيدة والرديئة تصبح عالية، لكن المشكلة إن مستوى قدراتنا في المهارة دي ليس عاليا ﻷننا مازلنا في البداية ولم نكتسب الحرفية التي تمكننا من إنتاج عالي الجودة يتوافق مع ذوقنا وحسنا النقدي = وهذا يجعلنا ننظر لإنتاجنا بإحباط.

 

وبالتالي، فجوة الإبداع هي الفرق بين مستوى قدراتنا ومستوى تذوقنا أو حسنا النقدي.. عيب فجوة الإبداع أنها عندما تكون أكبر من اللازم تتسبب في يأس وإحباط المبتدئ ومن ثم انسحابه وتوقفه عن تعلم المهارة. طبعا السبب الذي يُكبّر الفجوة هو كثرة المتابعة مع قلة الممارسة الفعلية يعني تتفرج يوميا بالساعات على فيديوهات المحترفين ولكنك لا تمارس المهارة بنفسك بالقدر الكافي، وكثير مننا يقع في هذا الفخ لأن المشاهدة سهلة وممتعة بينما الممارسة عادة فيها صعوبة وتحديات.

 

مع ذلك فجوة الإبداع لها ميزة جيدة وهي إنها ضرورية للتطور وتحسين المهارة، يعني تخيل شخص حسّه النقدي ضعيف، في نفس مستوى قدراته، كونه مبتدئ طبيعي ينتج أعمال جودتها ضعيفة، لكن ﻷن حسه النقدي ضعيف فهو بينظر لأعماله على أنها جميلة ورائعة وبالتالي لن يحاول أن يطور من نفسه، فهو يرى عمله رائعًا، والغريب أن هذا قد يحدث مع المحترفين بعد فترة طويلة من الزمن، بعد ما يكون مستوى إنتاجه عالي الجودة فتكون فجوة الإبداع عنده صغيرة جدًا، وهذا ما يدخله في نطاق الراحة أو ما يسمى بالcomfort zone وبالتالي لا يوجد دافع قوي لمزيد من التطور.

 

يتضح من كلامنا إن وجود فجوة الإبداع في حد ذاته ليس بالمشكلة، بل هو ضروري، لكن المشكلة في حجم هذه الفجوة؛ لو الفجوة أكبر من اللازم = هذا يسبب الإحباط واليأس، بينما لو كانت صغيرة جدًا أو غير موجودة = فهذا يحرمك من التحسن والتطور.

 

أيه الحل؟

بالنسبة للمبتدئ = لا بد أن تمارس المهارة بمعدل أكبر من متابعتك للمحترفين وأعمالهم، يعني من الخطأ أن تشاهد يوميا لمدة ساعتين أعمال المحترفين لكنك لا تمارس المهارة إلا ساعة أو أقل، لا بد أن يكون وقت الممارسة أكبر.

 

بالنسبة للمحترفين = ممكن يكون صعب بعد الوصول لدرجة عالية من الاحتراف أن تستمر في رفع حسك النقدي بمعدل ملحوظ، ولكن من الممكن أن تسعى للتميز بالتنوع وتجربة أساليب جديدة، فتكون صاحب أسلوب وطابع مميز عن بقية المحترفين، وتحاول أن تجرب أشياء جديدة لم تجربها من قبل، فلا تكون فقط محترفًا وإنما تكون مبتكرًا أيضًا.

 

أفراد، بل وشركات كثيرة جدا لما استسلمت لنطاق الراحة الذي وصلت له بعد سنوات طويلة من العمل والاجتهاد ولم تحاول أن تجدد وتبتكر = انقرضوا، وظهر أفراد وشركات جديدة بمنتجات جديدة خطفت النجاح من القدامى الذين رفضوا تجريب أي شيء مختلف. (نموذج شركة نوكيا ثم الشركات الموجودة حاليا والأكثر انتشارا، آبل سامسونج ..إلخ)

 

نقطة أخيرة مهمة بخصوص فجوة الإبداع للذين يعانون من المثالية أو طلب الكمال perfectionism، لا بد أن تعرف أن الصورة الكاملة أو الرائعة في ذهنك مبنية على ذوقك وحسك النقدي الذي هو أعلى من قدراتك، ومن الطبيعي ألا يخلو العمل الذي تنتجه من العيوب من وجهة نظرك، لكن لا ينبغي أن يمنعك هذا من العمل، لا بد أن تعرف أن الطريق الوحيد لتحسين مستواك وجودة إنتاجك هو الاستمرار في الممارسة والعمل رغم العيوب الظاهرة لك، كذلك فالعمل لا يشترط فيه أن يخلو من العيوب أو يكون مثاليا حتى يحقق الهدف المطلوب.

 

في النهاية فجوة الإبداع ظاهرة طبيعية ومطلوب وجودها لكن بالحجم المناسب الذي لا يسبب الإحباط ويدفعنا للتطور باستمرار.
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فجوة-الإبداع
اقرأ أيضا
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2170
الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1 | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: الفردية ج1


الفردية هي السمة الأساسية الأولى لعصر النهضة وهي من أهم أسس وأعمدة الليبرالية وقد ارتبطت الحرية بالفردية ارتباطا وثيقا فأصبحت الفردية تعني استقلال الفرد وحريته ولكن الفردية نفسها لها أكثر من مفهوم مثل المفهوم البراجماتي والمفهوم التقليدي وفي هذا المقال يستعرض لنا المؤلف المفهومين وكلام رواد الليبرالية حولهما

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2512
المؤامرة على المرأة المسلمة ج3 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج3


ثم ما الذي ينتج إذا عملت المرأة كما هو واضح إذا عملت المرأة أولا تنافس الرجال في الوظائف الدولة التي عندها عشرة آلاف وظيفة مثلا وتخرج عشرة آلاف خريج وعشرة آلاف خريجة إنها ستعطي خمسة آلاف منهن خمسة آلاف وظيفة فيتعطل خمسة آلاف شاب فيتحولون إلى مجرمين وإلى لصوص وإلى مدمني مخدرات وإلى ما لا يحتاج إلى أن يذكر لمعرفته في الإحصائيات العالمية

بقلم: سفر الحوالي
752
المثالية الزائدة | مرابط
اقتباسات وقطوف

المثالية الزائدة


لدنيا ليست كما تظن والناس أيضا ليسوا كما تتخيل ففيهم الكاذب على الله والخائن للناس وفيهم الظالم والجبار والمرتشي وشاهد الزور وفيهم القاتل والسارق إلى غير ذلك مما هو كفيل بعقلنة نظرتك للحياة هذا كله لا إشكال فيه بل الإشكال عند الذين يسبب لهم ذلك صدمة في مثاليتهم

بقلم: م أحمد حسن
477
حول مشروع الجندر | مرابط
الجندرية

حول مشروع الجندر


تدور الفكرة الرئيسية لمفهوم الجندر حول أن صفاتنا النفسية والاجتماعية وأدوارنا لا تولد معنا بل نكتسبها من خلال التربية والثقافة المحيطة وأن الاختلاف الطبيعي الوحيد بين الذكر والأنثى هو في تلك الوظيفة الإنجاب أما الاختلافات الأخرى من حيث الطباع أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى فهي ليست مرتبطة بالاختلافات البيولوجية أو الفيزيولوجية الموجودة في جسد كل منهما بل بسبب عوامل اجتماعية صنعها البشر أنفسهم

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
393
عن ركعات قيام الليل | مرابط
مقالات

عن ركعات قيام الليل


قيام رمضان لم يؤقت النبي فيه عددا معينا بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد على الركعات

بقلم: حسين عبد الرازق
427