فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة

فهم الصحابة للنصوص على الحقيقة | مرابط

الكاتب: الألباني

580 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

السؤال: هل العقيدة التي يحملها السلفيون هي عقيدة الصحابة؟ فإن من الناس من يزعم ويقول: إن كانت هي عقيدة الصحابة؛ فأتونا ولو بصحابي واحد يقول في الصفات: نؤمن بالمعنى ونفوض الكيف، فما هو قولكم؟

الجواب: نحن نعكس السؤال، ثم نجيب عن هذا السؤال فنقول: هل هناك صحابيٌ تأول تأويل الخلف؟ ونريد على ذلك مثالًا أو مثالين؟

السائل: يذكرون أحيانًا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه تأول آية من كتاب الله تبارك وتعالى.

الشيخ: إذا كان قد تأول، فما الذي حمله على التأويل؟ وهل كان ذلك هو منهج الصحابة الأولين؟

 

فجوابًا على السؤال الأول نقول: إن السلف الصالح لم يكونوا بحاجة إلى أن يشرحوا ما هو واضح لديهم وضوح الشمس في رابعة النهار، والمثال السابق يشبه تمامًا ما لو قال قائل: أعطونا مثالًا واحدًا على أن أحد الصحابة قال: هذا فاعل، وهذا مفعول به، وهذا مفعول للتمييز، وهذا للحال.. إلى آخر ما هنالك من مصطلحات وضعت بعد الصحابة، وبعد السلف؛ لضبط فهم النصوص على الأسلوب القرآني والعربي الأصيل؛ فلن نستطيع أن نأتيهم بنص من مثل هذه النصوص التي اصطلح عليها العلماء الذين وضعوا قواعد النحو، ووضعوا قواعد الصرف، وكذلك سائر العلوم التي منها أصول الفقه، ومنها أصول الحديث.. إلى آخره؛ ذلك لأن الصحابة الأولين كانوا عربًا أقحاحًا، فلم يكونوا بحاجة إلى أن يفسروا ما يفسره اليوم السلفيون الذين ينتمون إلى السلف الصالح؛ ذلك لأنهم يفهمون النصوص المتعلقة بآيات الصفات، وأحاديث الصفات كما فهمها السلف.

 

المهم أن الأصل ليس هو التأويل، بل الأصل هو عدم التأويل، وهذا الأصل أمر متفق عليه عند جميع العلماء، حتى الذين يؤولون أي كلام عربي سواءً أكان متعلقًا بآيات الصفات، أو أحاديث الصفات، أو متعلقًا بأي خبرٍ عربي، فكلهم يتفقون فيقولون مثلًا: الأصل في كل جملة عربية أن تحمل على الحقيقة، وليس على المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة حينئذٍ يقولون: نصير إلى المجاز. ففي هذه القاعدة المتفق عليها بين السلف والخلف، نحن نقول: إن العرب الأولين -الصحابة الذين قصد السائل فهمهم لتلك النصوص- سائرون على هذه القاعدة التي عليها الخلف فضلًا عن السلف.

 

فإذًا حينما قال الله عز وجل: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا" [الفجر:22] ما الذي يفهمه العربي فيما يتعلق بالملائكة -مثلًا- من كلمة (جاء الملائكة)؟ هل يفهم المعنى المؤول، أم يفهم المعنى الحقيقي؟

 

لا شك أن الجواب سيكون: إنه يفهم المعنى الحقيقي، سنقول له: أعطنا نصًا على أن الصحابة فسروا مجيء الملائكة بالمعنى الحقيقي، فلن يستطيع أن يصل إلى ذلك أبدًا! لماذا؟ لأن الأمر واضح لديهم، فهم يسيرون على قاعدة علمية مجمع عليها ليس فقط بين السلف بل والخلف أيضًا، فما كان جوابهم عن هذا المثال السهل البسيط، فهو نفس جوابنا على السؤال الذي وجهته آنفًا.

 

الحق أن نقول: إن هؤلاء المعطلة متأثرون بعلم المنطق الذي يخرج كثيرًا أصحابه من دائرة الاتباع إلى دائرة الابتداع، فحينما يوردون هذا السؤال، معنى ذلك: أنه ليس هناك ضابطٌ لفهم نصوص الشريعة إطلاقًا؛ لأنه لا يمكننا أن نتصور إلا أن كل من يدعي العلم، سواءً كان سلفيًا أو كان خلفيًا لا بد له من أن يفسر نصًا في القرآن أو في السنة على القاعدة المذكورة آنفًا، وهي: الأصل الحقيقة، وليس المجاز، فحينما يأتينا أي خلفي من هؤلاء، ويفسر لنا تفسيرًا ما لنصٍ ما، نسأله قائلين: ما هو مستندك في هذا التفسير؟ هل عندك نص عن الصحابة.. عن التابعين.. عن أتباع التابعين؟ فسيضطر إلى أن يعود إلى أصل اللغة، وحينئذ نقول: هذه حجتنا عليكم، لماذا تتأولون النصوص التي لا تعجبكم ظواهرها ولا إشكال فيها؟ إنما جاء الإشكال -كما هو الأصل- من التكييف والتشبيه.

 

لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أصل المعطلة أنهم وقعوا في التشبيه، فلما أرادوا الخلاص من التشبيه لجئوا إلى التأويل، فلو أنهم أخذوا بمثل قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" [الشورى:11] وكذلك سورة الصمد "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" [الإخلاص:1] .. "اللَّهُ الصَّمَدُ" [الإخلاص:2] .. "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" [الإخلاص:3] .. "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [الإخلاص:4] لو أنهم وقفوا عند هذا النص لما احتاجوا إلى التأويل؛ لأن الذي دفعهم إلى التأويل هو أنهم فهموا هذه الآيات على مقتضى التشبيه.

 

فإذا قلنا: (جاء ربك) أي: كما يليق بجلاله، كذلك الملائكة خلقٌ من خلق الله، لكن لا شك ولا ريب أن مجيئهم لا يشبه مجيء البشر، بل الجن الذين خلقوا من نار، مجيئهم، وذهابهم، وإيابهم، لا يشبه بأي وجه من الوجوه مجيء البشر، فهل نؤول المجيء المتعلق بالجن، أو المجيء المتعلق بالملائكة، أم نقول: إن مجيء كل ذات تتناسب مع تلك الذات؟ هكذا ينبغي أن تفهم نصوص الكتاب والسنة، أي: على القاعدة العربية:

 

الأصل في كل جملة الحقيقة وليس المجاز، فإذا تعذرت الحقيقة صير إلى المجاز، فهذا جواب ذلك السؤال. ثم يخطر في بالي شيءٌ آخر وهو: أن هذا السؤال يعني عدم الاعتداد بفهم الأئمة والذين يتظاهر هؤلاء بالتمسك بعلمهم وبفهمهم، بينما هنا لا يقيمون لفهمهم وزنًا إطلاقًا، مع أن الأئمة هم الذين اقتدينا بمنهجهم وبأسلوبهم في تفسير الآيات، وتفسير الأحاديث.

 

لذلك كان كثير من علماء السلف يحذرون عامة الناس من أن يجالسوا أهل الأهواء؛ لأنهم أهل شبهات، وطرح إشكالات، ومع الأسف لا يستطيع كثيرٌ من أهل العلم أن يجيبوا جوابًا مقنعًا موافقًا للكتاب والسنة من جهة، ومتابعًا للعقل الصحيح من جهة أخرى، وكثير من الناس لا يستطيعون أن يقدموا الحجة والبيان لأولئك الذين تأثروا بالشبهات والإشكالات التي يطرحها أهل الأهواء والبدع؛ لذلك حسموا الأمر، ونهوا عن مخالطة أهل البدع والأهواء.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الصحابة #المجاز #الحقيقة
اقرأ أيضا
رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم | مرابط
مقالات

رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم


هذه رسالة جامعة من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم يوجهها إلى كل مسلم مبتلى أو مهموم أو سقط في دوامات الحزن ولم يقدر على الخروج منها هنا تجد معالم الطريق وتتنبه إلى معاني الابتلاء وطبيعة الحياة الدنيا وتجد تعزية وتسلية على حالك وإعانة لك على الخروج

بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
1911
اللغة وتفكك العالم العربي | مرابط
اقتباسات وقطوف لسانيات

اللغة وتفكك العالم العربي


إن الحرب التي تتعرض لها اللغة العربية ومحاولات طمسها وتحويلها إلى العامية ما هي إلا أقنعة تخفي وراءها الكثير من الأهداف السياسية والاستعمارية والثقافية والفكرية سواء علم القائمون عليها ذلك أم جهلوه وهذا مقتطف من محمود شاكر في كتاب أباطيل وأسمار

بقلم: محمود شاكر
2146
الشعر الجاهلي واللهجات ج1 | مرابط
مناقشات

الشعر الجاهلي واللهجات ج1


تعتبر مقالات محمد الخضر حسين من أهم ما قدم في الرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وهذه المقالات تفند جميع مزاعمه وترد عليها وتبين الأخطاء والمغالطات التي انطوت عليها نظريته التي قدمها فيما يخص الشعر الجاهلي وكيف أن هذه الأخطاء تفضي إلى ما بعدها من فساد وتخريب وبين يديكم مقال يناقش موضوع الشعر الجاهلي واللهجات وما قاله طه حسين بخصوص ذلك ثم الرد عليه

بقلم: محمد الخضر حسين
725
شبح الحروب الصليبية الجزء الثاني | مرابط
تاريخ مقالات

شبح الحروب الصليبية الجزء الثاني


إذا أردنا أن نقف على الأسباب الحقيقية للعداء البغيض الذي تحمله أوروبا ويحمله الغرب تجاه الإسلام علينا أن نرجع عدة خطوات إلى الخلف إلى الماضي الذي شكل معالم المدنية الأوروبية وتشربه الرجل الأبيض وتوارثه مع مرور الوقت سنقف هنا أمام الحروب الصليبية لندرك أثرها على الهوية الأوروبية فيما يخص الإسلام كما يقول الكاتب: إن الشر الذي بعثه الصليبيون لم يقتصر على صليل السلاح ولكنه كان قبل كل شيء وفي مقدمة كل شيء شرا ثقافيا لقد نشأ تسميم العقل الأوروبي عما شوهه قادة الأوروبيين من تعاليم الإسلام ومثله ال...

بقلم: محمد أسد
2111
تغريدات حول التقوى وآثار الذنوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

تغريدات حول التقوى وآثار الذنوب


حفظ الجوارح من المعاصي في أول العمر معين من الله على حفظها في الكبر من أمرين: من أن يختم له خاتمة سوء أو يقع في الخرف والهذيان ومن حفظ الله للطائع في صغره حفظ العقل من البلاء بأنواعه عند الكبر قال ابن عباس: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر

بقلم: عبد العزيز الطريفي
698
الزلازل ومحدودية العلم | مرابط
فكر

الزلازل ومحدودية العلم


حدث مثل الزلازل وآثاره من القتلى والمصابين والخسائر رحم الله موتى المسلمين وخفف عن الناس يكشف لك بوضوح محدودية قيمة العلم وتهافت دعاوى تعظيمه ومقارنته ب الدين ..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
242