في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء

في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

876 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

حَدثنِي رجل من أهل الرقة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ أَخذ زِيَاد رجلا من الْخَوَارِج فَأَفلَت مِنْهُ فَأخذ خَاله فَقَالَ إِن جِئْت بأخيك وَإِلَّا ضربت عُنُقك قَالَ أَرَأَيْت إِن جِئْت بِكِتَاب من أَمِير الْمُؤمنِينَ تخلي سبيلي قَالَ نعم قَالَ فَأَنا آتِيك بِكِتَاب من الْعَزِيز الرَّحِيم وأقيم عَلَيْهِ شَاهِدين إِبْرَاهِيم ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} قَالَ زِيَاد خلوا سَبيله هَذَا رجل لقن حجَّته قَالَ يَمُوت بن المزرع قَالَ لنا الجاحظ مَا غلبني أحد قطّ إِلَّا رجل وَامْرَأَة فَأَما الرجل فَإِنِّي كنت مجتازًا فِي بعض الطّرق فَإِذا أَنا بِرَجُل قصير بطين كَبِير الهامة طَوِيل اللِّحْيَة متزر بمئزر وَبِيَدِهِ مشط يسْقِي بِهِ شقَّه ويمشطها بِهِ فَقلت فِي نَفسِي رجل قصير بطين الْحَيّ فاستزريته فَقلت أَيهَا الشَّيْخ قد قلت فِيك شعرًا فَترك الْمشْط من يَده وَقَالَ قل فَقلت:

(كَأَنَّك صعوة فِي أصل حش ... أصَاب الحش طش بعد رش)

فَقَالَ لي اسْمَع جَوَاب مَا قلت فَقلت هَات فَقَالَ:

(كَأَنَّك كندر فِي ذَنْب كَبْش ... يدلدل هَكَذَا والكبش يمشي)

وَأما الْمَرْأَة فَكنت مجتازًا بِبَعْض الطرقات فَإِذا أَنا بامرأتين وَكنت رَاكِبًا على حمارة فضرطت الحمارة فَقَالَت إِحْدَاهمَا لِلْأُخْرَى وي حمارة الشَّيْخ تضرط فغاظني قَوْلهَا فاحندت ثمَّ قلت لَهَا إِنَّه مَا حَملتنِي أُنْثَى قطّ إِلَّا وضرطت فَضربت بِيَدِهَا على كتف الْأُخْرَى وَقَالَت كَانَت أم هَذَا مِنْهُ تِسْعَة أشهر على جهد جهيد

لَقِي بعض الأكاسرة فِي موكبه رجلا أَعور فحبسه فَلَمَّا نزل خلاه وَقَالَ تطيرت مِنْك قَالَ أَنْت أشام مني لِأَنَّك خرجت من مَنْزِلك ولقيتني فَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا وَخرجت من منزلي فلقيتك فحبستني فَلم يعد بعْدهَا يتطير عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قَالَ الْوَلِيد بن عبد الْملك لبديح خُذ بِنَا فِي المنى فوَاللَّه لأغلبنك قَالَ لَا تغلبني قَالَ بلَى لَأَفْعَلَنَّ وَقَالَ فستعلم قَالَ الْوَلِيد فَإِنِّي أُرِيد أَتَمَنَّى ضعف مَا تتمنى أَنْت فهات قَالَ فَإِنِّي أَتَمَنَّى سبعين كفلًا من الْعَذَاب ويلعنني الله لعنًا كثيرا فَقَالَ غلبتني قبحك الله قَالَ مرض مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ وَلم يكن لَهُ من يَخْدمه وَيقوم بأَمْره فَبعث إِلَى سعيد بن الْعَاصِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ لَيْسَ لي وَارِث غَيْرك وَهَهُنَا ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم مدفونة فَإِذا أَنا مت فَخذهَا فَقَالَ سعيد حِين خرج من عِنْده مَا أرانا إِلَّا قد أسأنا إِلَى مَوْلَانَا وقصرنا فِي تعاهده فتعاهده كل التعاهد ووكل بِهِ من يَخْدمه فَلَمَّا مَاتَ اشْترى لَهُ كفنًا بثلاثمائة دِرْهَم وَشهد جنَازَته فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْبَيْت حفر الْبَيْت كُله فَلم يجد شَيْئا وَجَاء صَاحب الْكَفَن يُطَالب بِثمن الْكَفَن فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أنبش عَلَيْهِ وأسلبه كَفنه أَتَى الْحجَّاج بِرَجُل ليَقْتُلهُ وَبِيَدِهِ لقْمَة فَقَالَ وَالله لَا أكلتها حَتَّى أَقْتلك قَالَ أَو خير من ذَلِك تطعمنيها وَلَا تقتلني فَتكون قد بررت فِي يَمِينك ومننت عَليّ فَقَالَ ادن مني فأطعمه إِيَّاهَا وخلاه وأتى الْحجَّاج بِرَجُل من الْخَوَارِج فَأمر بِضَرْب عُنُقه فاستنظره يَوْمًا قَالَ مَا تُرِيدُ بذلك قَالَ أُؤَمِّل عَفْو الْأَمِير مَعَ مَا تجْرِي بِهِ الْمَقَادِير فَاسْتحْسن قَوْله وخلاه

وبلغنا عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه منع أَصْحَابه مَا كَانَ يصل إِلَيْهِم فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير اتخذ جندًا من حِجَارَة لَا تَأْكُل وَلَا تشرب فَقَالَ لَهُ عَمْرو أخسا أَيهَا الْكَلْب فَقَالَ لَهُ الرجل أَنا من جندك فَإِذا كنت كَلْبا فَأَنت أَمِير الْكلاب وقائدها

قَالَ المتَوَكل يَوْمًا لجلسائه أَتَدْرُونَ مَا الَّذِي نقم الْمُسلمُونَ من عُثْمَان قَالُوا لَا قَالَ أَشَاء مِنْهَا أَنه قَامَ أَبُو بكر دون مقَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمرقاة ثمَّ ومقام عمر دون مقَام أبي بكر بمرقاة فَصَعدَ عُثْمَان ذرْوَة الْمِنْبَر فَقَالَ عباد مَا أحد أعظم مِنْهُ عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من عُثْمَان قَالَ وَكَيف وَيلك قَالَ لِأَنَّهُ صعد ذرْوَة الْمِنْبَر فَلَو أَنه كلما قَامَ خَليفَة نزل عَمَّن تقدمه كنت أَنْت تخطبنا من بِئْر جلولًا فَضَحِك المتَوَكل وَمن حوله قَالَ رجل لغلامه يَا فَاجر فَقَالَ الْغُلَام أتولى الْقَوْم مِنْهُم قَالَ الرّبيع كنت قَائِما على رَأس الْمَنْصُور إِذْ أَتَى بخارجي قد هزم لَهُ جيوشًا فأقامه ليضْرب عُنُقه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْن الفاعلة مثلك يهْزم الجيوش فَقَالَ لَهُ الْخَارِجِي وَيلك وسوءة لَك بيني وَبَيْنك أمس الْقَتْل وَالسيف وَالْيَوْم الْقَذْف والسب وَمَا كَانَ يُؤمنك أَن أرد عَلَيْك وَقد يئست من الْحَيَاة فَلَا تستقبلها أبدا فاستحى الْمَنْصُور وَأطْلقهُ

وَقَالَ الصاحب بن عباد مَا أخجلني غير ثَلَاثَة مِنْهُم أَبُو الْحُسَيْن البهديني فَإِنَّهُ كَانَ فِي نفر من جلسائي فَقلت لَهُ وَقد أَكثر من أكل المشمش لَا تَأْكُله فَإِنَّهُ يلطخ الْمعدة فَقَالَ مَا يُعجبنِي مَا يطب النَّاس على مائدته وَآخر قَالَ لي وَقد جِئْت من دَار السُّلْطَان وَأَنا ضجر من أَمر عرض لي من أَيْن أَقبلت فَقلت من لعنة الله فَقَالَ رد الله غربتك فَأحْسن عَليّ إساءة الْأَدَب وَصبي مستحسن داعبته فَقلت لبيْك تحتي فَقَالَ مَعَ ثَلَاثَة أخر يَعْنِي فِي رفع جنازتي فأخجلني قَالَ رجل شربت البارحة فَاحْتَجت إِلَى الْقيام لإراقة المَاء كأنني جدي فَقَالَ لَهُ عَامي لم تصغر نَفسك يَا سيدنَا

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص137

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى


ومن أعظم صور المكابرة للفطرة وللعقل في الفكر الليبرالي: هي مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى وبهذا يهونون من الغايات كفاحشة الزنى لو وقعت وأن الغايات لا تستحق لأجلها وضع كل هذه الوسائل التي يسمونها عراقيل وعقبات فهم ينظرون لزنى الجنسين كمصافحة الكفين لبعضهما بل من المسلمين من يعظم أمر مصافحة الجنسين الأجنبيين بعضهما البعض أعظم من تعظيم زناهما في الفكر الليبرالي انتكست الفطرة وزالت الغايات وزالت الوسائل معها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1039
الدفاع عن السنة الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الأول


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
841
النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود | مرابط
تعزيز اليقين

النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود


إن هذا الدين العظيم لا تفهم محاسنه ولا يتوصل إلى جمالياته إلا بإدراك نظرته الكلية للكون وللوجود وللدنيا والآخرة وللإنسان وما وراء وجوده على هذه الأرض وإذا تأملت كثيرا مما يثار من الاستشكالات والاعتراضات ضد أحكام الشريعة فستجد أنها منبعثة من تجزئة النظر إلى الإنسان أو إلى الحياة والوجود وناشئة من عدم فهم التكامل المراعى في تشريعات الإسلام والذي يتجاوز إطار المادة الضيق

بقلم: أحمد يوسف السيد
978
تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات | مرابط
فكر مقالات

تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات


نحن شعوب متخاذلة قد غفلت عن حقيقة الحياة فواجبنا أن نعمل على إيقاظ هذه الشعوب من سنة النوم التي طالت بها وقتلت فيها مادة النشاط التي تدفعها إلى تحقيق الأغراض النبيلة التي خلق من أجلها الإنسان على الأرض أجل وهذه الشعوب نفسها هذا الشرق قد أثبت في التاريخ مرات أنه قادر على صناعة الحضارات والمدنية يتقنها ويستجيدها ويطهرها من أدران البلاء التي تعصف بإنسانية الإنسان كما تعصف الريح بأوراق الشجر فلم لا يثبت الشرق مرة أخرى في التاريخ الحديث أنه لم ينس هذه الصناعة وأن أنامله الرفيقة لا تزال قادرة على...

بقلم: محمود شاكر
1389
ما هو البديل ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ما هو البديل ج1


سؤال ما هو البديل هو أحد أشهر الأسئلة التي ترد عند الاحتساب على منكر معين فيأتي حينها المطالبة بإيجاد بديل مناسب يحل محل المنكر الذي ينهى عنه وهو سؤال مشروع وإيجابي في الجملة ولكن في أغلب الأحيان ينطوي على إشكاليات كثيرة وأباطيل لا بد من الوقوف عليها وهذا ما يقدمه المقال الذي بين يديكم

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله العجيري
1136
أبو بكر الصديق الداعية المتميز | مرابط
تاريخ

أبو بكر الصديق الداعية المتميز


تضع رواية ابن اسحاق بعض هذه المفاتيح التي كان يمتلكها الصديق رضي الله عنه قال ابن إسحاق: كان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه

بقلم: د راغب السرجاني
1576