قاعدة الجزاء والحساب ج1

قاعدة الجزاء والحساب ج1 | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

850 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرمًا، لما له من نتائج وخيمة، وعواقب أليمة، وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد، أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة. وهنيئًا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله، فهو يعلم أن هدايته بيد الله، وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا؛ لأن الله هو الذي كتبه.

 

التحذير من الظلم

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:

فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما يريه عن ربه تبارك وتعالى: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

هذا حديث عظيم يخاطب فيه رب العزة تبارك وتعالى عباده ويعلمهم ويفقههم، ويخبرهم أنه حرم الظلم على نفسه، فلا يظلم رب العزة أحدًا؛ ومن أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ومن أجل ذلك تقوم القيامة حتى يأخذ الظالمون جزاءهم، ويأخذ العادلون المؤمنون الأتقياء جزاءهم.

لقد جعل الله عليك ملائكة تسجل صالح أعمالك وطالحها، ويجعل ذلك في كتاب، ثم يوم القيامة تنصب الموازين القسط فتوزن الأعمال، ويوزن البشر، فمن رجحت موازينه فهو من أهل الخير، من خفت موازينه فأمه هواية إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16].

لقد حرم الله تبارك وتعالى الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرمًا؛ فحرم أن يظلم الإنسان أخاه، وذلك كأن يقع في عرضه، أو يتكلم في أمره بغير حق، أو يجلد ظهره، أو يأخذ ماله، أو يعتدي على حرماته أو يغتابه.. كل ذلك حرام، والظلم كما في الحديث الصحيح: (ظلمات يوم القيامة) وفي الحديث أيضًا: (ومن كان لأخيه عنده مظلمة فليتحلله منها قبل أن يأتي يوم لا دينار ولا درهم إنما هي الحسنات والسيئات)، فالذي ظلمته يأخذ من حسناتك حتى إذا فنيت الحسنات جيء بسيئاتهم فوضع فوق ظهرك. (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا)، لا يفرح الظالمون، ولا يظنوا أنهم قد فازوا عندما داسوا على رقاب الناس وأخذوا أموالهم فبجرة قلم منهم تسفك الدماء وتنتهك الحرمات، وتخرب البيوت، ويظنون أنهم سادة الدنيا، فماذا فعل فرعون؟ ماذا فعل هامان؟ ماذا فعل نمرود؟ ذهبوا، وبقيت ذكراهم الخبيثة، وبقيت أعمالهم النتنة تحيط بهم، وعند الله تجتمع الخصوم، يجتمع الناس فيحشر المتكبرون المتجبرون أذلاء فقراء، يتمنون أنهم لم يظلموا، بل لم يخلقوا. (إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا)، أي: لا يظلم بعضكم بعضًا، وفي الحديث: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، ويقول الله لها: (لأنصرنك ولو بعد حين).

 

الهداية والرزق بيد الله وحده

قال الله تعالى: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم).

الهداية بيد الله، والرزق بيد الله، هو الذي يرزق العباد ويطعمهم ويسقيهم ويكسوهم، خلق الماء، والأرض، والبذر، والشجر، والحيوان، فإذا منع ذلك كله، فمن أين تأكل؟ ومن أين تشرب؟ ومن أين تُكسى؟ قال الله تبارك وتعالى: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:78-82].

فهذا هو ربكم تبارك وتعالى فاسألوه وحده، فبيده الهداية والرزق، وبيده الموت والحياة، والعباد عبيد مربوبون مقهورون، وأمرهم بيد الله تبارك وتعالى، وأمر الله فيهم ماض، فالخلق والأمر لله تبارك وتعالى، والرزق منه تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] (أنتم الفقراء إلى الله) تأتون ضعفاء، وتذهبون ضعفاء، وتعيشون ضعفاء، وإن كانت خزائنكم ملأى بالمال لكنكم ضعفاء.

فالغني الذي لا يفتقر أبدًا هو الحي القيوم الذي لا تنتهي حياته، ولا ينتهي وجوده، (أنتم الفقراء إلى الله) تحتاجون إلى هدايته ورزقه وعونه وتأييده وتوفيقه، فعليه فتوكلوا، وإليه فاجأروا، ووحده فاسألوا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجزاء #الحساب
اقرأ أيضا
كتاب الحكم العطائية | مرابط
مناقشات

كتاب الحكم العطائية


أما كتابه الحكم العطائية فهو فيه حكم نافعة ولكن لم يخل من عبارات باطلة توحي بالاتحاد والحلول وغيرها مما يخالف العقيدة قال الذهبي:وله عبارات في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الإعتذار عنها.

بقلم: قاسم اكحيلات
330
سلوك المسلم في ظل العلم الإجمالي بدين الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

سلوك المسلم في ظل العلم الإجمالي بدين الإسلام


العلم الإجمالي قلما يفيد صاحبه لأنه دائما عرضة للجهالة بما يرد على جزئياته من الشكوك التي لا تنفى إلا بالعلم التفصيلي الكامل ألا ترى أن أكثر الناس يعلمون بالإجمال أن أمهات الرذائل وكبائر المعاصي من أسباب الشقاء ولو كان هذا العلم صحيحا كاملا لا اضطراب فيه لصدرت عنه آثاره حتما

بقلم: محمد رشيد رضا
654
المرأة قبل وبعد دعاة التحرير | مرابط
النسوية المرأة

المرأة قبل وبعد دعاة التحرير


عاشت المرأة المصرية حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشها ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما

بقلم: مصطفى لطفي المنفلوطي
617
إن الله خلق آدم على صورته | مرابط
اقتباسات وقطوف

إن الله خلق آدم على صورته


هذا الحديث النبوي الشريف إن الله خلق آدم على صورته أشكل على كثير من الناس وتأوله البعض على غير مراده فيما يخص صورة آدم عليه السلام وبين يديكم مقتطف من مختصر تاريخ ابن عساكر جاء فيه تفسير هذا الحديث والمراد بلفظ على صورته

بقلم: ابن عساكر
1310
التوبة من ترك الحسنات | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة من ترك الحسنات


التوبة من ترك الحسنات أهم من التوبة من فعل السيئات والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
514
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال | مرابط
مقالات النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال


أعلنت الأنثوية حربا شعواء ضد الرجل ورفعت شعارات من قبيل الرجال طبقة معادية والحرب بين الجنسين بل وصل حد المطالبة بالقتال من أجل عالم بلا رجال ووصل الحد بالمناداة باستعمال القسوة والعنف مع الرجال إلى حد أن هناك منظمة أنثوية أمريكية معرفة بحركة تقطيع أوصال الرجال تنادي باستئصال شأفة الرجال في المجتمع

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2403