قاعدة الجزاء والحساب ج2

قاعدة الجزاء والحساب ج2 | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

805 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الله لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه

(يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا)، إن الله تبارك وتعالى لا تضره معصية العاصي، ولا تنفعه طاعة الطائع، فهو لم يخلقنا لحاجة لنا، فهو غني عنا وعن أعمالنا. (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)، إنما تنفع نفسك فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ [يونس:108]، وإنما تضر نفسك وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [يونس:108]، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6].

عندما تقدم الأضحية: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] أي: لا يريد منك رزقًا، فالله هو الذي يرزقك وهو الذي يطعمك، فهو غني عنك.

إن البشر جميعًا لو كانوا في التقى والصلاح كمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لم يزد هذا في ملك الله شيئًا، ولو كانوا كلهم كإبليس في الشر والفجور ما ضر ذلك الله شيئًا ولا انتقص من ملك الله شيئًا.

(يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا -ولو كانوا على أفجر قلب شيطان- ما نقص ذلك من ملكي شيئًا). وعندما يسأل العباد ربهم لا ينقص من ملكه شيء مهما أعطى ومنح وبذل؛ لأن غناه غناء أبدى، فلا ينقص من ملكه شيئًا.

 

خزائن الله ملأى

(يا عبادي! لو أن أولكم) منذ إبليس إلى آخر رجل: (وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسأل كل إنسان مسألته)، سأل الدنيا بمراتبها.. بآلاتها.. بما عليها، فأعطى الله كل إنسان ما يريد (ما نقص من ملكي إلا كما ينقص المخيط) أرأيت هذه الإبرة عندما تدخلها في البحر، ماذا تأخذ من البحر؟ لا شيء، وكذلك ملك الله لا ينقصه شيء، وخزائن الله ملأى، ولذلك أقل أهل الجنة يتمنى ويتمنى ويتمنى فيقول الله: (يكفيك قدر ملك الدنيا، يقول: ربي رضيت). هذا أقلهم ملكًا في الجنة.

أما أعلاهم فالله أعلم بملكه، ويبقى في الجنة فضل لا يسكنه أحد، فيخلق الله تبارك وتعالى له خلقًا.. إن ملك الله واسع، وخزائن الله ملأى، لا تنقص ولا تقل، فلو سأل العباد ربهم فأعطى كل إنسان سؤله لظل ملك الله كما هو لم ينقص منه شيئًا. (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها) إنما الحساب على الأعمال، فأعمالك ترفعك أو تخفضك، والقول من العمل، قال معاذ : (يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، في كتاب: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] فأعمالك تحصى عليك حتى إذا مت ختم على عملك، ووضع في عنقك، ويوم القيامة يخرج لك كتاب ويقال: هذا كتابك: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14] فمن وجد خيرًا فليحمد الله تبارك وتعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

إن السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهذه هي قاعدة الجزاء والحساب التي يحاسب عليها العباد عندما يجمع الله الأولين والآخرين في يوم الدين، فليعد كل امرئ عدته لمثل ذلك اليوم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

 

أعمال الدنيا مزرعة الآخرة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.

أما بعد:

فهذه معان عظيمة جاء بها الحديث الكريم، فحري بالمسلم أن يتذكرها دائمًا، وأن تكون على باله، فإن لها تأثيرًا في صلاح قلبه وفكره وعمله، فتجعله دائمًا يتفكر فيما بين يديه، فالناس يعيشون في غفلة، وقد تمضي الأيام والشهور والسنون، ثم يأتي الموت فيجد الإنسان نفسه قد قصر كثيرا، وأنه كان في دنياه غافلًا.

فعلى المسلم أن يتذكر هذا الحديث فلا يظلم الناس، ويلجأ إلى الله تبارك وتعالى في كل أموره، فيطلب منه الهداية والسداد والرشاد، وعليه أن يعلم أن رزقه عند علام الغيوب ليس عند البشر، ولا في خزائن البشر، فلو شاء الله لك لقمة لا يمنعها كبار الطواغيت من أن تصل إليك، فإن الله أعظم من كل عظيم، إذا ما شاء الله لك في أمر ولم يرده عبد كسر رقبته، وأنهى وجوده، فأمر الله ماض، وأمر الله مفعول، وقدره مقدور وكائن لا بد منه، فعلى الإنسان أن يعلق قلبه بربه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:22-23]

فعلى المسلم أن يعبد الله تبارك وتعالى حبًا ورغبة ورهبة ورجاءً وتوكلًا واعتمادًا، فالأمر كله بيد الله تبارك وتعالى، فنحن نعبد الله حبًا في الله عز وجل، فالله لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، فهو تبارك وتعالى غني عنا وعن أعمالنا، وإذا شاء إذهابنا أذهبنا، وإن يشأ يأت بغيرنا فهو على كل شيء قدير.

أعمالكم هي زراعة اليوم وحصاد الغد، أنتم اليوم تزرعون وغدًا تحصدون، فإذا زرعت حنظلًا فستجني حنظلًا مرًا، وإذا زرعت شجرًا ذا شوك، أتتوقع أن ينتج عنبًا وتفاحًا وبرتقالًا؟ كلا، بل ما تزرعه تجنيه، فإذا زرع الإنسان ظلمًا.. وفجورًا.. وفسادًا فسيجني في ذلك اليوم ما زرع.

(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) غدًا تقطف الثمرة، فإذا كانت الأعمال التي عملتها سيئة فلا تتوقع أن تجد خيرًا، ولكن التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله عز وجل هي التي تطهر العباد من ذنوبهم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات؛ إنك قريب مجيب سميع الدعوات.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجزاء #الحساب
اقرأ أيضا
محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

محاسن الإسلام في الأبواب التي يلج منها المشككون فيه


إذا تأملنا في الشبهات المثارة ضد تشريعات الإسلام وأحكامه العملية فإننا نجد أنها تمر -في الغالب- من ثلاثة أبواب: وهي الجهاد والمرأة والحدود وإذا أمعناالنظر في كل باب من هذا الأبواب من جهة مقاصدها التشريعية وتفصيلات الأحكام المتعلقة بها فسنجد فيها من الحكمة والحسن والجمال ما يصح لنا أن نفخر به لا أن نواريه ونخجل منه

بقلم: أحمد يوسف السيد
972
وقفات مع قصة موسى عليه السلام | مرابط
تفريغات

وقفات مع قصة موسى عليه السلام


ولتعلم أن الذي يتوجه إلى الله عز وجل بقلبه فإنه لا يخيبه إنك لو قصدت رجلا شريفا نبيلا وقلت له: احمني فإنه لا يسلمك إلى عدوك لأن هذا هو المناسب لكرمه وحلمه ونبله وشرفه لما خرج سفيان الثوري رحمه الله هاربا من الخليفة لقيه أحد عمال الخليفة وكان رجلا جوادا كريما اسمه معن بن زائدة فلما لقيه معن وكان لا يعرفه قال له: من أنت قال: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فقال: نشدتك الله لما انتسبت إلي لأنه بإمكان أي واحد في الدنيا أن يقول: أنا عبد الله بن عبد الرحمن فناشده الله أن ينسب نفسه

بقلم: أبو إسحق الحويني
1075
بين الدوام وصلاة الفجر | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الدوام وصلاة الفجر


ومن الطريف حقا أن مثل هذا المعتاد على إخراج الفجر عن وقتها مع الالتزام ببداية الدوام الصباحي ينظر لنفسه على أنه شخص ناجح ومنضبط في حياته بل ربما أسدى بعض النصائح لبعض اليافعين حوله: كيف ينجحون في حياتهم بالانضباط والالتزام بالمواعيد والجدية في الحياة ولا يرف له جفن على صلاة الفجر التي ينقرها كل ضحى!

بقلم: إبراهيم السكران
341
جوهر المبدأ العالماني | مرابط
مقالات العالمانية

جوهر المبدأ العالماني


عرف شلدون -في موسوعته السياسية- العالمانية بأنها: فلسفة أو نظرة عالمية تشدد على المنظورين الأرضي والإنساني في مقابل الروحي أو الديني لتفسير المجتمع والسياسات وكثيرا ما يشار إليها على أنها الأنسنة والتي هي مقاربة عالمانية تلغي الإله والإلهي وفوق الطبيعي والرؤى الدينية الأخرى أو تتجاهلها عند مناقشة السياسة أو مباشرتها

بقلم: د سامي عامري
2150
الغضب مرض من الأمراض وداء من الأدواء | مرابط
اقتباسات وقطوف

الغضب مرض من الأمراض وداء من الأدواء


من الغضب ما يمكن صاحبه أن يملك نفسه عنده وهو الغضب في مبادئه فإذا استحكم وتمكن منه لم يملك نفسه عند ذلك وكذلك الحزن الحامل على الجزع يمكن صاحبه أن يملك نفسه في أوله فإذا استحكم وقهر لم يملك نفسه وكذلك الغضب يمكن صاحبه أن يملك نفسه في أوله فإذا تمكن واستولى سلطانه على القلب لم يملك صاحبه قلبه فهو اختياري في أوله اضطراري في نهايته

بقلم: ابن القيم
1379
منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل | مرابط
تفريغات

منهجية الرسول في التعريف بالله عز وجل


إذا ضل الإنسان في معرفة الموازين والقوى فإنه يختل حينئذ من جهة التوكل المحبة الخوف الرجاء وما ينتج عن ذلك من بذل العبودية لله سبحانه وتعالى بعبادة الجوارح السجود لغير الله سؤال غير الله التضرع لغير الله كحال ذلك الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشفع بالله عليه لأنه عرف شيئا وجهل أشياء فكفر بالله سبحانه وتعالى ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف الله عز وجل للناس بتعريف مخلوقات الله عز وجل إليهم

بقلم: عبد العزيز الطريفي
396