قصص وعبر للنساء ج3

قصص وعبر للنساء ج3 | مرابط

الكاتب: د نبيل العوضي

389 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مراقبة الله

امرأة سافر زوجها للجهاد، وغاب عنها شهورًا طويلة، انتظرته فلم تتحمل -المرأة فيها شهوة وفيها رغبة للرجال- وانتظرت أيامًا وشهورًا وطال عليها المقام، يتجول عمر في الليل ويتفقد الرعية، فإذا به يقترب من بيتها وكانت بيوتهم صغيرة، فسمع هذه المرأة تحدث نفسها لوحدها، فتقول شعرًا -واسمعن إلى هذا الشعر-:

تطاول هذا الليل واسوَّد جانبه      وأرقني ألا حبيب ألاعبه

فوالله لولا الله ربًا أراقبه      لحرك من هذا السرير جوانبه

 

"سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ" [الرعد:10].

الجهر بالقول والإسرار به في علم الله سواء، يا أمة الله! لا تظنين إذا خرج زوجك أنه لا يراقبك أحد، الإمام أحمد كان يحدث الناس يومًا فإذا به يغلق الكتاب ويدخل الغرفة، انتظروه ما خرج، أطال المقام، فاقترب أحد التلاميذ عند الباب فسمع الإمام أحمد يبكي، ويقول في نفسه شعرًا:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل      خلوت ولكن عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أنما تُخفي عليه يغيب

 

أمة الله: لا تظنين أن الزوج إذا غاب، فإن الله يغيب عنك: "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا" [المجادلة:7].

أمة الله: لا تظنين أنك إذا ذهبت إلى المطاعم، والحدائق، ودخلت عند الخياط يفصل الجسد، وينظر إليك وأنتِ تختلين به، أن الله لا يراكِ: "أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى" [العلق:14].

 

إن من أعظم الإيمان أن المرأة تراقب الله عزَّ وجلَّ في السر والعلن، يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتي أقوام من أمتي يوم القيامة، لهم أعمال كـجبال تهامة بيضًا، يجعلها الله هباء منثورًا، قال ثوبان: صفهم لنا يا رسول الله! جلِّهم لنا، قال: هم قوم يصلون كما تصلون، ويقومون كما تقومون، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

إذا غاب الزوج، إذا غاب الأب، إذا غاب الأخ، ترفع الهاتف وتتكلم، مع من يا أمة الله؟! تظنين أن الله لا يسمع؟! تظنين أن الله عزَّ وجلَّ لا يرى؟! تظنين أنك لوحدك مع هذا الرجل تكلمينه؟! أو تنظرين إلى الأفلام والمسلسلات.

يا أمة الله! المراقبة المراقبة!


وقصة من بني إسرائيل

اسمعي إلى هذه القصة، قصة امرأة كانت من بغايا بني إسرائيل؛ هذه البغي كانت لا تمكن رجلًا إلا بمائة دينار، مرت يومًا من الأيام على عابد زاهد في صومعته فافتتن بها، فجاءها يطلبها، فأبت عليه، ومنعته إلا بمائة دينار، فترك الصومعة والعبادة، وأخذ يجمع المائة دينار، فلما جمع المائة طرق الباب عليها، فتح الباب فدخل، فتزينت له، وجلست على السرير، فلما اقترب منها قالت: هلم إليّ، هلم إليّ، فسقط جالسًا وأخذ يبكي، قالت: مالك؟ ما بالك؟ هلم إليّ..

 

فقال ذلك الرجل: ذكرت وقوفي بين يدي الله، فلم تحملني أعضائي لأقف، فأخذ يبكي، وأراد الخروج من البيت، وقالت له: قف، أطلب منك أن تتزوجني، قال: لا. ولكن خذي المال، فخرج نادمًا فجلست هذه المرأة وبكت، وأصلحت ما بينها وبين الله عزَّ وجلَّ، ثم رجعت إلى الله وتابت، ثم أخذت تبحث عن هذا الرجل، بحثت عنه فدلت عليه، فلما جاءت إلى بيته طرقت الباب، فلما فتح الباب، تذكر تلك الليلة الكئيبة، وذلك الموقف المشئوم، فشهق شهقة فمات منها وسقط على الأرض، فأخذت تبكي، فبحثت عن قريب له تتذكره به، فوجدت أخاه وكان رجلًا فقيرًا عابدًا زاهدًا فتزوجته، وأنجبت منه سبعة من الأولاد الصالحين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا" [التحريم:8].

 

إلى متى يا أمة الله تسمعين تلك الأغاني؟! إلى متى يا أمة الله تشاهدين تلك الأفلام والمسلسلات؟! إلى متى وهذه الصور الخليعات؟! إلى متى هذه الأماكن التي فيها الأغاني والاختلاط والسفور والتبرج والمنكرات؟! إلى متى هذه الأعراس التي فيها المنكرات؟! إلى متى يا أمة الله؟! إلى متى لا تستيقظين لصلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟! قال تعالى: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الفرقان:70].


الربا والحياة الزوجية

اسمعن لهذا الموقف، وأطلب منكن أن تتخَيَّلْنَهُ، زوجة معها زوجها وابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر خمس سنوات تقول: كنا معًا في أطيب حال، وأهنأ بال، كنا زوجين سعيدين متعاونين على طاعة الله، تقول: عندنا القناعة والرضا، طفلتنا مصباح الدار، ضحكاتها تفتق الأزهار، إنها ريحانة تهتز، فإذا جن علينا الليل ونامت الصغيرة، قمت معه نسبح الله، يؤمني ويرتل القرآن ترتيلًا، وتصلي معنا الدموع في سكينة وخشوع، كأني أسمعها وهي تفيض قائلة: أنا إيمان فلان وفلانة، وذات يوم أردنا أن تكثر الفلوس التي معنا، اقترحت على زوجي أن نشتري أسهمًا ربوية، لتكثر منها الأموال وندخرها للعيال، ووضعنا فيها كل ما نملك، حتى حلي الشبكة، ثم انخفضت أسهم السوق وأحسسنا بالهلكة، فشربنا من الهموم كأسًا، وكثرت علينا الديون والتبعات، فعلمنا أن الله يمحق الربا ويربي الصدقات، وفي ليلة حزينة خلت فيها الخزينة، تشاجرت مع زوجي، فطلبت منه الطلاق، فصاح: أنتِ طالق، أنتِ طالق، تقول: فبكيت، وبكت الصغيرة، وعبر الدموع الجارية، تذكرت جيدًا يوم أن جمعتنا الطاعة وفرقتنا المعصية: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" [إبراهيم:7].

ما أحلاها -يا أمة الله- أن تقومي الليل مع زوجك! ما أجملها -يا أمة الله- أن يضج البيت فجرًا بالأصوات! هذا يقوم، وهذا يسبح، وهذا يبكي، وهذا يسجد، وهذا يركع!

ما أجملها -يا أمة الله- أن تجتمعي مع الزوج على قراءة القرآن! وعلى ذكر الله جلَّ وعلا، ما أجملها يا أمة الله!

 

انظرن إلى النساء في هذه الأزمنة، تقول لزوجها: انظر إلى فلان كيف أثث بيته، انظر إلى فلان ماذا اشترى لزوجته، انظر إلى فلان أين يسافر مع زوجته، يذهب بها إلى بلدة كذا، ودولة كذا، يسافرون كل سنة مرتين، لم لا تذهب بي إلى هذا المكان؟ إلى المسارح، إلى السينمات، إلى الملاهي، ماذا تريدين يا أمة الله؟! "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" [النساء:77].

 

تريدين الدنيا يا أمة الله! أم تريدين أن تجلسي مع زوجك على البساط، وعلى فراش واحد، تتقاسمين معه اللقمة، ثم تحفظينه في غيبته، ثم يأتيك وقد جاء بلقمة العيش، تجلسين معه لا ينظر إلى غيرك، ولا يعرف سواك، وأنت لا تعرفين إلا ذكر الله وطاعته، تجلسين معه على ذكر الله، وتنامين معه على طاعة الله، وتستيقظين معه على ذكر الله، يا أمة الله! اختاري لنفسك ما تشائين.


وقصص أخرى

لمحات سريعة في هذا العصر، كم في هذا العصر من نساء صالحات، قانتات تائبات، عابدات، مصليات صائمات، سمعنا بنساء قد حفظن القرآن كله، وبنساء قد قرأن الصحاح من الكتب، وبنساء طالبات للعلم، وأخريات داعيات لله عزَّ وجل، وسمعنا بنساء قد أصلح الله بهن بيوتًا كاملة.

 

هذه امرأة، قد تزوجت رجلًا فكان عقيمًا، صبرت معه، لم تطلب منه الطلاق حتى كبر في السن، وعجزت وشاب زوجها، فعمي بصره -تعرفن ماذا تفعل في هذا العصر؟- هذه المرأة كانت تقوم كل ليلة مع زوجها، فإذا اقترب الفجر، تأخذ بيد زوجها وتسوقه إلى المسجد.

 

أمة الله: في هذا العصر امرأة أخرى يجرى لها عملية في عينها ثم تبكي، فيقال لها: لمَ تبكين وقد نجحت العملية؟ قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون! بعد هذه السنين الطويلة يكشف وجهي رجل غريب، إنا لله وإنا إليه راجعون!

من النساء في هذه الأزمنة، لأجل جرح في إصبعها تكشف وجهها، ولأجل مرض لا يحتاج إلى كشف تكشف ما تشاء، وتتساهل في هذا.

 

أفغانية تجلس في كوخ مع زوجها وأولادها، يذهب إلى الجهاد شهرًا طويلة، ثم يرجع أيامًا يعطيهم قوت أشهرهم، ثم يرجع إلى الجهاد، وفي يوم من الأيام عندما رجع قالت له: أطلت المقام، لمَ لا تذهب إلى الجهاد؟ قال: لقد طال الجهاد، لقد سئمت الجهاد، لقد طال الأمر عليّ، سوف أجلس، فقالت له زوجته الصالحة: إذًا أعطني السلاح، وأعطني ملابسك، وخذ ملابسي، وسوف أذهب مكانك إلى الجهاد، واجلس أنت مكاني في البيت، لا مكان للرجال في هذه البيوت، اذهب إلى الجهاد في سبيل الله ولا تجلس مثل النساء في هذه البيوت.

 

إن حلقات القرآن للنساء قد امتلأت، وإن الدروس قد اكتظت بالنساء، وإن المصليات لتشتكي من ازدحام النساء، فالله أكبر أيتها النساء! إنه دينكن، إنه دوركن، إنه يومكن يا أيتها النساء، لما تكتب هذه الداعرة العاهرة العلمانية تستهزئ بالحجاب، أين قلمك؟ لِمَ تتكلم هذه في المجالس، أين لسانك؟ لم تدعو هذه إلى السفور وإلى التبرج، وإلى الفسق والفجور، أين دورك يا أمة الله؟ لمَ لا تدعين النساء إلى حلقات الذكر وقراءة القرآن؟ لم لا تعطيهن الشريط والكتيب الإسلامي، وتدعينهن إلى الله عزَّ وجل.

نعم يا أمة الله! إن هذه قصص لعل فيها بعض العبر، والله عزَّ وجلَّ جعل القصص للعبرة، والسعيد من اتعظ بغيره.

أقول قولي هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرأة-المسلمة #للنساء
اقرأ أيضا
الصين والمسلمون ودورة التاريخ | مرابط
فكر مقالات

الصين والمسلمون ودورة التاريخ


وقد كان التاريخ -دائما- شاهدا على هذا التداول فكان شاهدا على نفوذ وجبروت المصريين القدماء ثم نهايتهم على أيدي البطالمة كما شهد التاريخ علو الرومان وطغيانهم وتجبرهم في الأرض ومعاناة الناس من قسوتهم وجبروتهم كذلك شهد التاريخ نفس الأمر بالنسبة للدولة الفارسية حتى جاء الإسلام والمسلمون فأزالوا الطغيان الرومي والفارسي وأشرق نور العدل على البشرية وعرف البشر معنى المساواة وتذوقوا معاني جديدة لم يتذوقوها من قبل وطرقت أسماعهم ألفاظ لم يألفوها كالرحمة والعدل والحرية والشورى

بقلم: د راغب السرجاني
2131
الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاستحداث.. بين العلوم المدنية والشرعية


وهاهنا الفارق الجوهري الذي غاب في زحمة الفكر العربي المعاصر ذلك أن الاستحداث في العلوم المدنية: مؤشر إبداع مطلوب والاستحداث في العلوم الشرعية: مؤشر تراجع وانحطاط لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم بكل وضوح يؤكد للصحابة هذين المنهجين المتعاكسين: ففي العلوم المدنية يقول لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم وفي العلوم الشرعية يقول لهم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

بقلم: إبراهيم السكران
401
بيان سنن الله في الكون | مرابط
تاريخ تفريغات

بيان سنن الله في الكون


هذا البيان الذي جاء من عند الله تعالى ببيان سننه وببيان المعادلة الواضحة بين الحق والباطل وبيان الفرق الشاسع بين أهل الجنة وأهل النار بيان أي: إيضاح يحتاج الناس إليه فهو علم من علم الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك هذا بيان للناس.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
301
باب الشهوة: تعس عبد الدرهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

باب الشهوة: تعس عبد الدرهم


والشهوة تفتح باب الشر والسهو والخوف فيبقى القلب مغمورا فيما يهواه ويخشاه غافلا عن الله رائدا غير الله ساهيا عن ذكره قد اشتغل بغير الله قد انفرط أمره قد ران حب الدنيا على قلبه كما روي في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطي رضي وإن منع سخط

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
427
محاسن الإسلام في براهينه | مرابط
تعزيز اليقين مقالات اقتباسات وقطوف

محاسن الإسلام في براهينه


إن من أهم ما يوقف الناظر المتأمل على محاسن الإسلام وجماله وبهائه وتميزه هو النظر في البراهين المثبتة لصحته ومقارنتها ببراهين أي فكرة أخرى على وجه الأرض إن دين الإسلام قد جاء مبرهنا على صحة كل أصوله ببراهين قوية متعددة متنوعة وهذا ما لا تجده في أي دين آخر ولا في أي توجه أو تيار أو مذهب أو طائفة

بقلم: أحمد يوسف السيد
972
العمارة في الحضارة الإسلامية ج1 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج1


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
1522