
وأنت أيها الداعية: كيف تتصرف حينما يتصرف أحد المدعوين نحوك بتقصير، أو بكلمة، أو بفعل لا يليق؟
أتعاديه، وتجانبه، وتجفوه، أتأمر أصحابك أن يقاطعوه، ويهجوه، ويهجروه، أتتخذ منه موقفًا: هو في سبيله، وأنت في سبيلك من أجل نفسك، إن هذا لا يليق أيها الإخوة.
أخرج الشيخان من حديث ابن مسعود قال: “ كأني أنظر إلى النبي ﷺ يحكي نبيًا من الأنبياء - صلوات الله، وسلامه عليهم - ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” ولو ضربك أحد من المدعوين فأدماك ماذا تقول عنه؟ تدعو عليه، تلعنه، تضربه، لكن انظر إلى قول هذا النبي: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
أنت أيها المسؤول، أيها المدير في المدرسة، أو في الشركة؛ إذا جاءك أحد المراجعين، وتكلم بنفس مشحونة، وبلغة مستعلية، يتكلم معك كأنك أجير عنده، فكيف تصنع؟
جاء رجل إلى النبي ﷺ فجذب ردائه حتى أثر في رقبته يقول: "أعطني فإنك لا تعطيني من مال أبيك، ولا أمك" وهذه لو قالها لأحد غير النبي ﷺ لسبقه رأسه قبل أن يكمل هذه الأحرف، فماذا صنع النبي ﷺ ؛ هل عاداه، واتخذ منه موقفًا؟ لا.. أبدًا بل أعطاه، وأعطاه، وأعطاه حتى رضي، وهذه أخلاق الأنبياء.
نحن - أيها الإخوة - في هذا المسجد، يا معاشر المصلين: لو أن أحد الأطفال الموجودين الآن وقف على هذه الطاولة، وجلس يتبول - أعزكم الله - أو جاء رجل كبير، وذهب إلى ناحية المسجد الآن، وجلس يتبول، ماذا سنصنع به؟
إنه لن يدري هو في يد من - نسأل الله العافية - هذا يضربه، وهذا يلعنه، والذي لا يستطيع الوصول إليه يتابع له السب، والشتم؛ ويرشقه بقبيح القول، جاء رجل إلى المسجد، والنبي ﷺ مع أصحابه، وعمد إلى ناحية من نواحي المسجد، وشج يبول، وما وجد مكانًا إلا المسجد، فنهره الصحابة، فنهاهم النبي ﷺ فقال: لا تزرموه - أي لا تقطعوا عليه البول لئلا يتضرر - ثم دعا بذنوب من ماء، فصب عليه، ثم علمه، وقال: هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من أذى الناس..
لقد انتهت المشكلة، وما أصابه ضرب، ولا داسوه بالأقدام، ولا سحبوه برجله، وأخرجوه من المسجد، ولا حبسوه، ولا فعلوا له شيء آخر، إنما قيل له لا يصلح فيها شيء من أذى الناس فمثل هذا الإنسان يملك قلبه بهذا يقول: "بأبي هو، وأمي، والله ما قهرني، ولا نهرني، وما رأيت معلمًا مثله" فهل نحن كذلك مع الطلاب، ومع المدعوين؟ ومع المصلين؟