كيف تعرف صدق النبوة ج2

كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط

الكاتب: صفحة براهين النبوة

1077 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

خامسًا: وجود المخالفين

مبنى هذه الفقرة على المحاور التالية:

1- ليس كل من عرف الحق اتبعه.
2- ليس كل الناس معرضون عن الحق.
3- ثبوت الحقيقتين السابقتين يعني أن الناس منقسمون إلى طلاب حقٍ ومعرضين عنه.
4- مدّعي النبوة إن كان صادقًا لن يصدِّقه ويتّبعه إلا طالب الحق.
5- أما إن كان كاذبًا فيسعارضه صنفان هما:

  • طلاب الحق.
  • من خالف أهواءهم ورغباتهم ؛ لاستحالة أن يرضي كآفة المدعوّين.

6- وجود المعارضين يعني ظهور حاله وعدم خفائه فلا يلتبس على أحدٍ البتة.

وإليك تفصيل ما سبق:

مدّعي النبوة سواءً كان صادقًا أو كاذبًا فلا بد أن يوجد مَن يُخالفه ويناهضه؛ ومستند هذا قاعدة مهمة مفادها: ليس كل الناس معرضين عن الحق كما أنه ليس كل من عرف الحقَّ اتّبعه؛ إذ القول بأن (الكل معرضٌ عن الحق) يقتضي سقوط الدعوى نفسها؛ لأن صاحبها أحد المعرضين عن الحق! أما القول بالثاني، أي(كل من عرف الحقّ اتبعه) فلا يسنده الواقع أبدًا؛ إذ ما من قولٍ إلا وهناك من يقول بنقيضه فإما أن يُدّعى أن كافة الناس على حق

وهذا يقتضي الجمع بين النقيضين وهو مُحال، أو أنهم يطلبون ما ليس بمقدورهم الوصول له وهذه أيضًا دعوى ساقطة من عدة جهات، فمن جهة الواقع فالناس يجدون في أنفسهم شعورًا اضطراريًا بصدق كثيرٍ من القضايا وكونها حق، ومن جهة الدعوى نفسها فإن المدّعي لا يخلو من أن يعتقد أن قوله هذا حق أو ليس بحق، وفي كلا الحالين يسقط قوله؛ ففي حال اعتقاده أنها حق فقد أقرَّ بإمكان وصوله إلى الحقائق، وبهذا نقض دعواه. أما إن اعتقد عدم كونها حق فقد أغنانا عن تفنيدها!

وليس هذا موطن التفصيل في نقدها عقلًا من كل الجهات؛ لأن التدليل على الدعوى المركزية في هذه الفقرة له طريق آخر أيسر وأسهل تعلمه الآن إن شاء الله.

أقول: قد علمتَ فيما مضى أن مدّعي النبوة لا بد أن يأتي بأخبارٍ لا تدركها عقول المخبَرين؛ لأن هذا مقتضى اصطفائه بالوحي، فلو ادّعى النبوةَ مدّعٍ ولم يخبر ويأمر بأشياء وينهى عن أشياء ثم ينسبها إلى خبر الله تعالى ومراده، لكان كمن يقول أنا طبيب وهو لا يختلف عن عوامِ الناس في شيء!

وخبره وأمره ونهيه- سواءً كان صادقًا أو كاذبًا- لا بد أن يُخالف بعض معتقدات ورغبات مَن يدعوهم، وهذه المعتقدات إما استحدثها المدعوون أو ورثوها عن آبائهم، وهم- أي المدعوون- بمقتضى القسمة العقلية إما طلاب حقٍ كلهم، وإما معرضون عن الحق كلهم، وإما بعضهم طلاب حقٍ والبعض الآخر ليسوا كذلك، فعلى تقدير الاحتمال الأول فإن كان صادقًا لزم أن يصدّقوه كلهم، وإن كان كاذبًا لزِمَ تكذيبهم له، وإن خَفي على البعض أمره أظهره البعض الآخر لهم، فآل الأمر إلى تصديق كل من سَمِعَ به إن كان صادقًا أو تكذيبهم إن كاذبًا.

وأما إن كان الكل في زمانه معرضٌ عن الحق قيل فيه ما قِيلَ في السابق فآل الأمر إلى اتفاقهم على تصديقه إن كان كاذبًا، أو تكذيبه إن كان صادقًا، واللوازم المترتبة على الاحتمال الأول والثاني باطلةٌ فدل على بطلان الملزوم الذي هو (افتراض أن الكل طلاب حقٍ أو أن الكل معرض عنه لا يأبه له)، وبقي الاحتمال الثالث وهو (كون البعض طلاب حقٍ، والبعض الآخر معرضون عنه) وحينئذٍ لم يخفَ حال مدّعي النبوة على أحدٍ؛ لوجود المُعارض المكذّب له سواءً كان صادقًا في دعواه أو كاذبًا، فعلى تقدير صدقه فإن تصديقه زمن ادّعائه يقتضي تخلّي المصدّقون به عمّا يخالف ما جاء به، واتّهام أنفسهم ومَن أخذوها عنه بالجهل، والحكم على كل من أصر عليها بعد قيام الحجة بالهوى والسفه حتى وإن كان من أقرب الناس بل كل ما يقوله هذا النبي عنهم يقولونه، وأيضًا يلتزمون كل ما أتى به وإن شقّ عليهم القيام به.

وهذا لا يفعله إلا طالب حقٍ علم صدق نبوته فهان عليه كل ما سبق، ويفر منه مَن لا يهمه اتّباع الحق، ومعلومٌ أنه لا تلازم بين كون الإنسان على باطل واعترافه بأن ما عليه باطل، بل كثير من أهل الباطل يسعى لتبرير موقفه ويجادل لدفع تهم الزيغ والضلال عن نفسه كما قال الله تعالى: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾.

أما على تقدير كذب مدعي النبوة فإن المخالفين له- في زمانه- هم طلاب الحقِّ، وغيرهم ممن يخالفه لا لأنه كاذب في دعواه وإنما لمخالفته إياهم، ووجود هؤلاء ضروري لاستحالة أن يأتي بما يُوافق أهواء ورغبات الكل، وبهذا تعلم أن مدّعي النبوة لا يمكن أن يخفى حاله على أهل زمانه ومن بعدهم لوجود المعارضين له، فإن كان صادقًا غلبهم وأركسهم؛ لأن الخالق تبارك وتعالى قد أعطاه من الأدلة ما يدحض به تبريرات المعرضين عن الحق الصادّين عنه.

وإن كان كاذبًا فليس معه ما يثبت دعواه وكل ما ينصبه كدليلٍ له يقوم المخالفون له بتقويضه، ولا يتجرأ على الكذب في أعظم دعوى مع علمه بوجود المخالفين ثم إصراره على صحةِ ما ادّعاه إلا أكذب الكاذبين، فيذاع كذبه وينتشر لسعي طلاب الحق والمخالفين له في إظهار حقيقته، وذلك لأن الصنف الأول يجدون راحتهم في إذاعة ما علموه من الحق، والصنف الثاني يسعون لحفظ مكانةِ آبائهم وما نشأوا عليه وما أظهروه من علومهم وطقوسهم وغيرها.

وختامًا تبين لك أن مدّعي النبوة قد ادّعى دعوى عظيمةً تتضمن علومًا اختص بها عن غيره، لا يُسلَّم له بها حتى يقيم من الأدلة ما يُخضع طلاب الحق ويُبطل أصول المخالفين ويسحقها، وأنّى للكاذب إن سَهُلتْ عليه الدعوى أن يجوزَ حواجزَ لا يتجاوزها إلا الصادق دون مَن سواه، فإن تشبّث بدعواه فهو في الحقيقة يؤكد كذبه في كل يومٍ تسطع فيه شمسٌ لا مفر له من ضوئها!

 


 

المصدر:

صفحة براهين النبوة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إثبات-النبوة #براهين-النبوة
اقرأ أيضا
من أشراط الساعة: تمني الموت | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أشراط الساعة: تمني الموت


ومن أشراط الساعة: تمني الرجل الموت وجواز ذلك لشدة ما ينزل في الأفراد من فتنة أو ضراء وقد جاء في الصحيح من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيتمنى أن يكون مكانه وفي هذا إشارة إلى أن تمني الموت في بعض الأحيان جائز عند استحكام الشر واستغلاقه وعند شدة الفتن والتباس الأمر يعني: أن يدعو الإنسان أن يقبضه الله غير مفتون وأن يكون مكان صاحب القبر

بقلم: عبد العزيز الطريفي
721
شبهة الشر | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات الإلحاد

شبهة الشر


يناقش هذا المقال إشكالية الشر في العالم حيث أنها من أقدم الشبهات والإشكالات التي واجهت العقل الإنساني على مر العصور ويستعرض الكاتب عباس محمود العقاد تاريخ هذه الإشكالية بشكل موجز ثم يعرض لنا الرد عليها أو الحل الذي يسميه حل التكافل في مقابل الحلول الأخرى التي ظهرت في قديم الزمان

بقلم: عباس محمود العقاد
2258
قصص وعبر للنساء ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

قصص وعبر للنساء ج2


تفريغ لمحاضرة تأتي ضمن سلسلة من الرسائل النسائية يبدأها الدكتور نبيل العوضي بالرسالة الأولى بعنوان: قصص وعبر وكل قصة من هذه القصص تحمل عبرة فإن من النساء بل من الناس عموما من تمر عليه القصص فلا يعتبر والسعيد من اتعظ بغيره نبدأ هذه القصص لا للتسلية ولا لقضاء الأوقات ولا للطرف ولا للهزل إنما نقص هذه القصص للعبرة

بقلم: د نبيل العوضي
461
هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل الإسلام دين هش لنخشى عليه من الشبهات؟


فعامة الناس والشباب معهم إيمان مجمل قد تزعزعه رياح الشبهات إذا لم يتيسر له متخصص أو مطلع يزيل أشباحها عنه ولذلك يفترض أن يكون السؤال معكوسا فالسؤال ليس: لماذا نخاف على غير المتخصصين من الشبهات؟ بل السؤال: لماذا نخاطر بإيمان غير المتخصصين والمطلعين من أجل شعارات الثقافة الغالبة؟

بقلم: إبراهيم السكران
488
انتظار الفرج من الله عز وجل | مرابط
اقتباسات وقطوف

انتظار الفرج من الله عز وجل


حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي ثنا حماد بن واقد قال: سمعت إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله عز وجل من فضله فإن الله عز وجل يحب أن يسأل من فضله وأفضل العبادة انتظار الفرج

بقلم: ابن أبي الدنيا
725
مغالطة الإحراج الزائف | مرابط
تعزيز اليقين

مغالطة الإحراج الزائف


سألت مرة عددا من الطلاب الرائعين الذين أسعد بتدريسهم في الجامعة سؤالا وأردت أن يحددوا الجواب الصحيح: لأننا لا نرى بأعيننا نعيم القبر ولا عذابه فعندنا شخص يقول: أنا لا أؤمن بهذا لأنه يخالف العقل ونجد في مقابله شخصا آخر يقول: أنا أؤمن به ولو خالف العقل فأنت مع أي الرأيين في هذا؟.. فكانت الإجابة: نؤمن به ولو خالف العقل!

بقلم: د. فهد بن صالح العجلان
453