
قد يقول قائل: إن من أمور الغيب التي استأثر الله بها، إنزال الغيث، والعلم بما في الأرحام، فكيف تخبر النشرة الجوية عن جو الغد، أصحو أم ماطر؟ ويكشف العلم عما في بطن الحامل: هل هو ذكر أم أنثى؟
والجواب:
1- إن الذي أنزل القرآن هو الله، وإن الذي خلق الكون وما يقع فيه هو الله، فلا يمكن أن يأتي في القرآن نص صريح قاطع بإنكار أمر قائم مشاهد ملموس، وإذا وجدنا نصًا يظهر منه أنه مخالف للواقع، ندقق النظر فيه، فنرى أن المعنى المقصود منه غير ما بدا لنا.
2- النشرة الجوية إنما تخبر عن المطر بعد رؤية أسبابه، وتمام خلقه، وبيان ذلك أن المطر الذي ينزل في سواحل الشام مثلا، تبين (من العلم بسنن الله في الكون)، أن سببه الهواء الذي يجيء من البحر الاطلسي، فيمر بمضيق جبل طارق، فيصطدم بكتلة هوائية راكدة، فتشكل السحب من اختلاف درجة حرارة الهواء القادم والهواء الراكد، فإذا رأوه علموا استنادًا إلى معرفة سنن الله، أنه سيتوجه إلى ساحل الشام بعد كذا.
فهو كمن شاهد موزع البريد من نافذته، وقدر متى يصل إلى داره، فقال لأهله: سيأتي موزع البريد بعد خمس دقائق، وكمن يحمل منظارًا يضعه على عينيه، فيرى السيارة القادمة فيخبر بها قبل ظهورها للعيان.
ما علم في الحقيقة الغيب، ولكن رأى الواقع قبل أن يراه غيره، ومثله من يخبر عن نوع الجنين بعد تشكيله.
وأما إنشاء السحاب، وإنزال المطر في أرض كتب الله عليها الجفاف، ومنعه عن أرض أنزله الله عليها، ومعرفة جنس الجنين، وهو لا يزال حوينًا منويًا، أو حوينا صادف بويضة، فهذا هو المراد من الآية والله أعلم.
المصدر:
تعريف عام بدين الإسلام، علي الطنطاوي، ص144