لا تقترح .. بل انطرح

لا تقترح .. بل انطرح | مرابط

الكاتب: د. جمال الباشا

55 مشاهدة

تم النشر منذ شهر

هل يُمكنُ للوليّ أن يرى أهوالَ الدنيا وعذاباتِها أمامَ عينَيه ويَضحَك؟! 
قد يكونُ السؤالُ غريبًا لأوَّل وَهْلةٍ فلا تَعجَلْ واقرأ بعينَي قلبِكَ لتمنَحَ روحَكَ جَرعَةً بلسَميَّةً شافيةً وافيَةً، في زمانٍ أوجاعُهُ خطيرةٌ وآلامُهُ مريرةٌ.

نعم.. قد تدمَعُ العينُ رحمةً ويضحَكُ القلبُ ثِقَةً ويقينًا، فقد ضَحِكَ الإمامُ السعيدُ (ابنُ جُبير) والسيفُ مُصلَتٌ فَوقَ عُنُقِه وطاغيَةُ العراقِ حينئذٍ يُتَقطَّعُ غيظًا ويصرَخُ: ما يُضحِكُك؟! فيُجيبُ بهدوءٍ وثِقَةٍ: عجِبتُ من جُرأتكَ على الله وحِلمِ الله عليك..

نعم من نَظَرَ إلى الكونِ من حولِهِ فرآهُ مملكةً صاغِرةً خاضِعةً في قبضَةِ ِملكٍ عظيمٍ مُهيمِنٍ يُدَبّرُ أمرَهُ بحكمةٍ وإحكامٍ، لا يُعجِزُهُ شيءٌ ولا يخفى عليه شيءٌ، كلُّ من فيه له عبيد، ولا يَكونُ في مُلكه وسلطانِه إلا ما يُريد، سكنَتْ نفسُهُ واطمأنَّ قلبُه وهنأَ عيشُهُ واستَعذَبَ مرارةَ الحياةِ، وتذوَّقَ الحياةَ بمذاقٍ عجيبٍ لا يعرفُهُ إلا من جَرَّبَه!! 

ومَن أيقَنَ بأنَّ تدبيرَ اللهِ تعالى له خيرٌ من تدبيرهِ لنفسِه، وأشهَدهُ اللهُ في نفسِه وفيما حولَه أفعالَهُ القاهرَةَ وحكمتَهُ الباهرة، لم يجرؤ أن يُحدّثَ نفسَهُ ولا يُمِرَّ على خاطِرهِ ما يُمْكِنُ أن يُشيرَ إلى استدراكه على سيّدِه ومولاهُ أو اقتراحِهِ عليه ما يَظهَرُ له منه مصلحةٌ ما وكأنَّها خَفيَتْ عليه أو غفَلَ عنها!!

فالذي يُدبّرُ الأَمرَ من السماءِ إلى الأرض بلا ريبٍ هو الأولى بالتدبير. 
كيف يجوزُ للعبد العاجز الجاهلِ أن يقتَرحَ على ربّه العالِم بكلّ شيءٍ القادِر على كلّ شيء، وهو أرحَمُ بالمؤمنين من أمَّهاتهم؟! 
حتى لو كان هذا الاقتراحُ منه حديثَ نفسٍ فإنَّ مَن كمُلَت بالله معرفَتُهُ قد يَعُدُّ ذلك من سوءِ الأدبِ وضَعفِ التفويض.

حذارِ أن تَذهبَ بكَ الظنُونُ إلى التواكُل والكسَل وتركِ الأسبابِ وهجرِ العمَلِ، فتنقلبُ هذه الجرعَةُ إلى جرعةِ تخديرٍ وتثبيط، بدلَ أن تكونَ جرعةَ تحفيزٍ وتثبيت!!

إن لم ينقَدِحْ لك المعنى بعدُ فدونَكَ ذلك الترياقُ المُذهِلُ من ذلك الإمام الربانيّ العارفِ وقد قال كلمةً من أعجب المقولات، ولا أعلمُ مقولةً ظلَّت حاضرةً دائرةً في نفسي تعمَلُ عملَها فيها سنينَ طويلةً مثلَها.

ما الذي جعَلَ يا تُرى قريحَةَ عمرَ بنِ عبد العزيز تجودُ بقوله: (لقد أصبحتُ ومالي من متاعِ الدنيا سرورٌ سوى النظَرِ في مواضِعِ القَدَر).
لله درُّ تلك القريحَةِ ما أجوَدَها!

إنَّه ينظرُ إلى الأحداثِ مِن حولِه حُلوِها ومُرِّها فيلحَظُ قلبُه يدَ اللهِ وتدبيرَهُ فيها فيتذوَّقُها بمذاقٍ واحدٍ يسرُّهُ ولا يضرُّهُ، يُرضيه ولا يُشقيه، بل يُمتِعُهُ ويُبهجُه!!

فهو ينظُرُ إلى لوحةِ الكونِ بألوانها المختلفَةِ نظرةً شاملةً يتخطَّى بتأملاته فيها حدودَ الزمانِ والمكانِ ويتذوَّقُ منها الإبداعَ والجمالَ والكمالَ فلا يملكُ أن يمنعَ خفقاتِ قلبه أن تقولَ له:
يا عبدَ الله، انطَرِح.. انطَرِح.. ولا تقترِح.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
تشوش دور المرأة | مرابط
المرأة

تشوش دور المرأة


قبل فترة وجدت نفسي في مجموعة على الفيس بوك للنساء فكلما دخلت واحدة لتعرف عن نفسها تسرد إنجازاتها في دراستها وعملها إلى أن دخلت واحدة على استحياء لتقول أنها خجلة لكونها لا تملك ما تحدثنا عنه سوى أنها أم وربة منزل! لقد تحول دور المرأة تحولا شوه دورها وشوه تلك المخرجات التي بتنا نراها أولادا بلا تربية وبيوتا بلا ترتيب وطناجر فخمة دون استعمال وصارت إحداهن تطبخ للكاميرة لا لأولادها.

بقلم: د. مؤمنة العظم
90
قياس إبليس | مرابط
اقتباسات وقطوف

قياس إبليس


اعلم أن أول من قاس قياسا فاسد الاعتبار ابليس حيث عارض النص الصريح الذي هو السجود لآدم بأن قياس نفسه على عنصره وقاس آدم على عنصره فأنتج من ذلك أنه خير من آدم وأن كونه خيرا من آدم يمنع سجوده له المنصوص عليه من الله.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
82
الأمة الوسط الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الأمة الوسط الجزء الثاني


من المتفق عليه أن الخصيصة الأولى والمقوم الأساسي للأمة الوسط هو كونها أمة ربانية وهذه الخصيصة خاصة بهذه الأمة لا تشاركها فيها الأمم الأخرى فالأمة الإسلامية أمة ربانية في عقيدتها وتصورها وتشريعها وأخلاقها وقيمها لأن هذا كله منزل من عند الله تبارك وتعالى

بقلم: عمر الأشقر
624
معرفة جلال الله وعظمته | مرابط
اقتباسات وقطوف

معرفة جلال الله وعظمته


مقتطف لأبي حامد الغزالي من كتابه إلجام العوام عن علم الكلام يشير فيه إلى السبيل الحق وهو معرفة جلال الله وعظمته وصفاته من كتابه بعبارة الوحي الصادقة الصافية بعيدا عن عبارات أهل الكلام حتى لو أنهم يصلون إلى نفس النتيجة ولكن بطرق ملتوية تشوش قلوب المؤمنين

بقلم: أبو حامد الغزالي
1708
من ذكريات الحج | مرابط
مقالات

من ذكريات الحج


ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار حتى يدور دورته في القلب مجتمعا وفي الرئة منتشرا فيصفو بعد العكر وينقى من الوضر ويعود في الشرايين دما أحمر جديدا بعد أن كان في الأوردة دما أسود فاسدا كذلك الحج يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة أفرادا ثم ينتظمون جماعات ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات وتنقى أوضار الذنوب ويعودون إلى بلادهم أطهارا قد استبدلوا بتلك النفوس نفوسا جديدة كأنها م...

بقلم: علي الطنطاوي
443
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج4


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1227