لا تقترح .. بل انطرح

لا تقترح .. بل انطرح | مرابط

الكاتب: د. جمال الباشا

1406 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل يُمكنُ للوليّ أن يرى أهوالَ الدنيا وعذاباتِها أمامَ عينَيه ويَضحَك؟! 
قد يكونُ السؤالُ غريبًا لأوَّل وَهْلةٍ فلا تَعجَلْ واقرأ بعينَي قلبِكَ لتمنَحَ روحَكَ جَرعَةً بلسَميَّةً شافيةً وافيَةً، في زمانٍ أوجاعُهُ خطيرةٌ وآلامُهُ مريرةٌ.

نعم.. قد تدمَعُ العينُ رحمةً ويضحَكُ القلبُ ثِقَةً ويقينًا، فقد ضَحِكَ الإمامُ السعيدُ (ابنُ جُبير) والسيفُ مُصلَتٌ فَوقَ عُنُقِه وطاغيَةُ العراقِ حينئذٍ يُتَقطَّعُ غيظًا ويصرَخُ: ما يُضحِكُك؟! فيُجيبُ بهدوءٍ وثِقَةٍ: عجِبتُ من جُرأتكَ على الله وحِلمِ الله عليك..

نعم من نَظَرَ إلى الكونِ من حولِهِ فرآهُ مملكةً صاغِرةً خاضِعةً في قبضَةِ ِملكٍ عظيمٍ مُهيمِنٍ يُدَبّرُ أمرَهُ بحكمةٍ وإحكامٍ، لا يُعجِزُهُ شيءٌ ولا يخفى عليه شيءٌ، كلُّ من فيه له عبيد، ولا يَكونُ في مُلكه وسلطانِه إلا ما يُريد، سكنَتْ نفسُهُ واطمأنَّ قلبُه وهنأَ عيشُهُ واستَعذَبَ مرارةَ الحياةِ، وتذوَّقَ الحياةَ بمذاقٍ عجيبٍ لا يعرفُهُ إلا من جَرَّبَه!! 

ومَن أيقَنَ بأنَّ تدبيرَ اللهِ تعالى له خيرٌ من تدبيرهِ لنفسِه، وأشهَدهُ اللهُ في نفسِه وفيما حولَه أفعالَهُ القاهرَةَ وحكمتَهُ الباهرة، لم يجرؤ أن يُحدّثَ نفسَهُ ولا يُمِرَّ على خاطِرهِ ما يُمْكِنُ أن يُشيرَ إلى استدراكه على سيّدِه ومولاهُ أو اقتراحِهِ عليه ما يَظهَرُ له منه مصلحةٌ ما وكأنَّها خَفيَتْ عليه أو غفَلَ عنها!!

فالذي يُدبّرُ الأَمرَ من السماءِ إلى الأرض بلا ريبٍ هو الأولى بالتدبير. 
كيف يجوزُ للعبد العاجز الجاهلِ أن يقتَرحَ على ربّه العالِم بكلّ شيءٍ القادِر على كلّ شيء، وهو أرحَمُ بالمؤمنين من أمَّهاتهم؟! 
حتى لو كان هذا الاقتراحُ منه حديثَ نفسٍ فإنَّ مَن كمُلَت بالله معرفَتُهُ قد يَعُدُّ ذلك من سوءِ الأدبِ وضَعفِ التفويض.

حذارِ أن تَذهبَ بكَ الظنُونُ إلى التواكُل والكسَل وتركِ الأسبابِ وهجرِ العمَلِ، فتنقلبُ هذه الجرعَةُ إلى جرعةِ تخديرٍ وتثبيط، بدلَ أن تكونَ جرعةَ تحفيزٍ وتثبيت!!

إن لم ينقَدِحْ لك المعنى بعدُ فدونَكَ ذلك الترياقُ المُذهِلُ من ذلك الإمام الربانيّ العارفِ وقد قال كلمةً من أعجب المقولات، ولا أعلمُ مقولةً ظلَّت حاضرةً دائرةً في نفسي تعمَلُ عملَها فيها سنينَ طويلةً مثلَها.

ما الذي جعَلَ يا تُرى قريحَةَ عمرَ بنِ عبد العزيز تجودُ بقوله: (لقد أصبحتُ ومالي من متاعِ الدنيا سرورٌ سوى النظَرِ في مواضِعِ القَدَر).
لله درُّ تلك القريحَةِ ما أجوَدَها!

إنَّه ينظرُ إلى الأحداثِ مِن حولِه حُلوِها ومُرِّها فيلحَظُ قلبُه يدَ اللهِ وتدبيرَهُ فيها فيتذوَّقُها بمذاقٍ واحدٍ يسرُّهُ ولا يضرُّهُ، يُرضيه ولا يُشقيه، بل يُمتِعُهُ ويُبهجُه!!

فهو ينظُرُ إلى لوحةِ الكونِ بألوانها المختلفَةِ نظرةً شاملةً يتخطَّى بتأملاته فيها حدودَ الزمانِ والمكانِ ويتذوَّقُ منها الإبداعَ والجمالَ والكمالَ فلا يملكُ أن يمنعَ خفقاتِ قلبه أن تقولَ له:
يا عبدَ الله، انطَرِح.. انطَرِح.. ولا تقترِح.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2 | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2


من المقدمات المنهجية الأساسية التي ينبغي التنبه لها في البدء أن قضايا النهضة والإصلاح والتغيير يجب أن يكون منطلقها منطلقا إسلاميا شرعيا وإذا كان المنطلق غير إسلامي ولا شرعي فإنه لن يتحقق شيء من ثمراتها بمعناها الشامل والمشروع والمرضي لله تعالى وربما تتحقق بعض المكاسب الدنيوية والانتصارات المؤقتة لكنها ليست النهضة والإصلاح المطلوبة من المسلم

بقلم: الدكتور عبدالرحيم بن صمايل السلمي
1274
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة | مرابط
مقالات

وجعلنا بعضكم لبعض فتنة


وقد شاء الله أن تكون الدنيا دار امتحان واختبار وبلاء وليست دار جزاء ولا حكم بين العباد ولا فصل بينهم فيما هم فيه يختلفون وأنواع الابتلاءات متعددة ومتنوعة وليست قاصرة على الشر والمحن والمصائب فقط كما أن الناس بعضهم لبعض فتنة وموضع اختبار وامتحان وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا

بقلم: أحمد قوشتي
675
التوحيد معجزة الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين

التوحيد معجزة الإسلام


أما الغلو في الحرية والتهتك وراء الشهوات البهيمية- فلا تجيزه الشريعة الإسلامية. والدين الإسلامي هو الدين الذي يعمم النظام بين الورى ويقمع النفس عن الهوى ويحرم إراقة الدماء والقسوة في معاملة الحيوان والأرقاء ويوصي بالإنسانية ويحض على الخيرات والأخوة.

بقلم: د. عبد المعطي أمين
404
كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز | مرابط
ثقافة

كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز


نحن أقررنا بأن الإنترنت لمعظمنا لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي الفكرة التي سنقدمها ستكون أن نقلل من الضرر بقدر الإمكان وذلك باستخدام خمس نصائح: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى تخلص من فوبيا فوات الأشياء اتبع نظام جلسات العمل لا تضح بنصيبك من العزلة كن واعيا بحجم المشكلة

بقلم: علي محمد علي
535
الانتصار للحق أم للنفس؟ | مرابط
مقالات

الانتصار للحق أم للنفس؟


وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحا ويكون مجتهدا فيه مأجورا على اجتهاده فيه موضوعا عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث أنه لو قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من وافقه ولا عادى من خالفه وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك

بقلم: عبد الله القرني
491
من أخلاق الكبار: صفية أم المؤمنين | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: صفية أم المؤمنين


أيها الأخ الكريم سل نفسك ما موقفك ممن وشا بك وشاية سيئة سعى فيك وأراد الإيقاع بك والإساءة إليك ما موقفك منه هذه صفية أم المؤمنين لها جارية ذهبت إلى عمر متبرعة بوشاية وفرية.. تقول إن صفية تحب السبت وتصل اليهود.. فماذا كان رد فعل أم المؤمنين؟

بقلم: خالد السبت
480