لا تمض في الحياة سبهللا

لا تمض في الحياة سبهللا | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

1234 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مما ذُكر في الأثر عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قوله: إني أكره الرجل يمشي سبهللًا، لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة. القول أيضًا منسوب لعبد الله بن مسعود، بقوله: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.

 

إذا سألتك ما هو هدفك أو أهدافك خلال الأسبوع أو الشهر الحالي، ولم يحضر في ذهنك شيء محدد بسرعة، فأنت على خطر من أنك تمضي في الحياة سبهللًا فارغًا.. بشكل قد يضيع عليك الدنيا والآخرة.

 

كثير من الناس للأسف حياتهم عبارة عن ردود أفعال للظروف التي تحيط بهم، والوضع الذي يعيشون فيه. يتعاملون فقط مع هذه الظروف عندما تُفرض عليهم.. لكن ليس لديهم خطة أو رؤية لما يمكن أن يكون عليه الوضع لو قاموا بأعمال معينة، أو اختاروا مسارات مختلفة يمشون فيها بدلا من ترك أنفسهم للتيار يجرفهم معه في أي اتجاه؛ والأسوأ من ذلك أنهم غير مهتمين بوضع خطة أو تحديد مسار!

 

وطبعًا من يمشي على غير هدى.. عادة ما يصل إلى نهاية غير مرغوب فيها! ولكي نتجنب هذا الحال نحتاج إلى أمرين:


الأول: أن تحدد أهدافك على المدى البعيد والقريب

لا أدري لماذا يظن البعض أن تحديد الأهداف هو نوع من أنواع الرفاهية، أو شأن خاص بأصحاب الظروف الجيدة بالفعل. فقد تجد من يقول لك: عن أية أهداف تتحدث؟ نحن نعيش في مصر!

 

رغم أن عيشك في وضع صعب هو سبب أدعى لتحدد لنفسك أهدافًا وتسعى في تحقيقها.. إن كنت تعيش في دولة متقدمة اقتصاديًا، توفر تعليم وصحة وحياة كريمة لمواطنيها، سيكون الضرر عليك أقل من لو لم تحدد لنفسك أي أهداف

 

فالدولة المتقدمة سترعى تعليمك وتعليم أولادك، وتقدم لكم الرعاية الصحية، وستسعى لتوفير فرص مناسبة لك. بينما إن كنت تعيش في بلد متأخر.. لن يراعيك أحد إن لم تراع نفسك! لن يحصل أولادك على تعليم جيد لو لم تسع لذلك بنفسك. لن يوفر لك أحد فرص مناسبة لو لم تصنع الفرص لنفسك!

 

كونك تعيش في وضع صعب في الواقع يزيد من أهمية تحديد الأهداف، وليس العكس كما يظن البعض.. طبعا هناك اختلاف بين الأهداف، وبين الأماني والأحلام؛ لاحظ في بداية كلامي أنني سألت عن أهداف الأسبوع والشهر، ولم أسأل عن أهدافك في الحياة مثلا؛ ﻷنه من السهل أن تجيبني بمجموعة من الأماني ظنا منك بأنها أهداف!

 

لو كانت أهدافك حقيقية فعلا ستعرف أي جزء منها عليك العمل عليه خلال الأسبوع أو الشهر.. دائما ما سيكون لديك الكثير من الخيارات لتقضي فيها وقتك وجهدك على المدى الفريب.. يمكنك أن تتعلم مهارة جديدة، أو تشاهد فيلمًا، يمكنك أن تقرأ كتابا، أو تتصفح السوشيال ميديا.. يمكنك قضاء الوقت مع أولادك أو مع أصحابك في المقاهي..

 

قإن لم يكن لديك ررؤية بعيدة المدى تساعدك على الاختيار الصحيح.. غالبا ستختار الأمور السهلة أو المحببة للنفس خلال يومك بغض النظر عن تأثيرها عليك في المستقبل.

 

الفكرة هنا هي أن الأهداف تساعدك على اتخاذ قرارات أفضل يوميا، وتجعلك تمشي في الحياة بوعي. بالتأكيد السعي لتحقيق الأهداف المهمة في الحياة سيكون صعبا، لكن هذا لا يعني أن نتجنبه.

 

"لو أن الناس كلما استصعبوا أمرًا تركوه ما قام للناس دنيا ولا دين"
- عمر بن عبد العزيز.

 

في الواقع إن كنت تحدد لنفسك أهدافا سهلة التحقيق.. فهذا يعني أنك لا تتحدى نفسك ولا تستغل قدراتك كما ينبغي.

 

الأمر الثاني: المحاسبة والمراجعة المستمرة

لكي يؤتي تحديدك للأهداف بثماره، لا بد من المراجعة والمحاسبة والتقييم المستمر. لأنه من السهل في لحظة حماس أن تحدد لنفسك مجموعة من الأهداف، لكن بعد فترة تلهيك الحياة وتعود مرة أخرى للعيش بنظام ردود الفعل بدون وعي.

 

سوف أعرض عليك فكرة عملية بسيطة جدًا تجمع فيها بين تحديد الأهداف، والمحاسبة والمراجعة المستمرة.. طريقة بسيطة ولن تأخذ منك أكثر من نصف ساعة في نهاية كل أسبوع.


احضر كراسة.. لن تحتاج لأكثر من صفحة لكل أسبوع. في نهاية كل أسبوع جهز مشروبك المفضل وفي لحظة راحة وهدوء.. قم بتقسيم الصفحة بالطول، واكتب في النصف الأول أهدافك أو المهام التي عليك إنجازها خلال الأسبوع القادم والتي تمكنك من تحقيق أهدافك الكبرى.

 

ثم في كل أسبوع في نفس الوقت ستقوم بأمرين:

الأول: ستكتب في النصف الثاني الأشياء التي تمكنت من تحقيقها فعلا من أهداف ومهام الأسبوع الماضي.. مع كتابة أي أسباب أو ملاحظات مهمة لنفسك.. سواء كانت إيجابية تحاول أن تكررها مستقبلًا أو سلبية تحاول أن تتجنبها.

 

 

الأمر الثاني: في صفحة جديدة اكتب أهداف الأسبوع القادم؛ أي أنك كل أسبوع ستقوم بتقييم الأسبوع الماضي، ثم تحدد أهداف ومهام الأسبوع القادم. صفحة واحدة لن تأخذ من وقتك أكثر من نفس ساعة أسبوعًا.. لكنها ستفرق جدًا في حياتك.. وتساعدك على عيش حياتك بوعي!

 

ملحوظة: غالبًا في معظم الأسابيع لن تستطيع تحقيق كل ما خططت لتحقيقه.. هذا طبيعي جدا ولا داعي للإحباط؛ في الواقع إن وجدت أنك تحقق كل ما تخطط له بسهولة، أنصحك بأن تحدد أهدافا أكبر، لا بد أن يكون هناك بعض التحدي في أهدافك لكي تطور من نفسك.

 

وفي الختام أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"

من يمشي في الحياة بلا هدف.. لا يدرك أنه يضيع على نفسه نعمًا عظيمة مثل الصحة والفراغ.. وهو لا ينتبه إلى أن هذه النعم لا تدوم، وأنه مع تقدم العمر لن يستطيع تعويض هذه النعم ولو دفع ملايين. لذلك أنصح نفسي وإياكم باستغلال هذه النعم فيما ينفع في الدنيا والآخرة قبل فوات الأوان.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الفراغ
اقرأ أيضا
دراسة السيرة النبوية | مرابط
مقالات

دراسة السيرة النبوية


إن خير ما يتدارسه المسلمون ولا سيما الناشئون والمتعلمون ويعنى به الباحثون والكاتبون دراسة السيرة المحمدية إذ هي خير معلم ومثقف ومهذب ومؤدب واصل مدرسة تخرج فيها الرعيل الأول من المسلمين والمسلمات الذين قلما تجود الدنيا بأمثالهم. ففيها ما ينشده المسلم وطالب الكمال من دين ودنيا وإيمان واعتقاد وعلم وعمل واداب وأخلاق وسياسة وكياسة وإمامة وقيادة وعدل ورحمة وبطولة وكفاح وجهاد واستشهاد في سبيل العقيدة والشريعة والمثل الإنسانية الرفيعة والقيم الخلقية الفاضلة.

بقلم: محمد أبو شهبة
354
التسلح سباق نحو الهاوية | مرابط
فكر مقالات

التسلح سباق نحو الهاوية


إن ما نراه في تاريخنا الحديث من سباق محموم نحو التسلح -كما وكيفا- فمن حيث الكم نرى المليارات التي تنفق سنويا لشراء الأسلحة وتكديسها بما يشير لما نحن مقبلون عليه من مستقبل دام أما من ناحية الكيف فنرى التطور المذهل في تقنية الأسلحة بما يجعلها أشد فتكا وتدميرا بصورة مرعبة وتفوق التصور على غرار انتشار ما عرف بأسلحة الدمار الشامل وعلى الرغم من أنها محرمة دوليا ويعتبر مستخدمها ضد مدنيين مجرم حرب فإنها أصبحت واسعة الانتشار بأنواعها الثلاثة: الأسلحة النووية والأسلحة الجرثومية والأسلحة الكيميائية

بقلم: راغب السرجاني
1556
عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط
مقالات الجندرية

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني


تستند الموجة اللوطية الجديدة على عدد من العوامل في صعودها السريع وانتشارها الملحوظ في بعض المجتمعات ومن أبرز هذه العوامل: التقدم الطبي الذي أتاح للشواذ واللوطيين إجراء تعديلات جسدية وتجميلية وظاهرية موافقة للميول الجندرية الجديدة وكذلك الإتخام الجنسي وإتاحته بكل الصور في كل مكان عبر الشبكة مثلا أحدث نوعا من الملل والتخمة لدى مشاهدي ومدمني البورنو وهو كا دفعهم إلى أشكال جديدة من الجنس مثل اللوطية وفي هذا المقال يناقش الكاتب عمرو عبد العزيز هذه العوامل وغيرها بشكل موجز

بقلم: عمرو عبد العزيز
2198
خصائص أدلة القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

خصائص أدلة القرآن


كلام هام لابن القيم رحمه الله يشير فيه إلى خصائص أدلة القرآن الكريم مثل السهولة واليسر والمباشرة والقرب من فطرة الإنسان وعقله واعتماد أيسر الطرق وأقصرها وأقلها تكلفا وأكثرها نفعا ويمكننا أن نقارن بين هذه الصفات وبين الطرق المعوجة التي سلكها أهل الكلام في الاستدلال

بقلم: ابن قيم الجوزية
2016
الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

الأسس الفكرية لليبرالية: العقلانية


تعني العقلانية: استقلال العقل البشري بإدراك المصالح والمنافع دون الحاجة إلى قوى خارجية وقد تم استقلاله نتيجة تحريره من الاعتماد على السلطة اللاهوتية الطاغية كما يزعم رواد الليبرالية وفي هذا المقال استعراض للأساس العقلاني الذي تستند عليه الليبرالية

بقلم: د عبد الرحيم بن صمايل السلمي
2905
نتائج الاختلاط الغربي | مرابط
فكر

نتائج الاختلاط الغربي


ومن المهم أن نلاحظ هاهنا أنه مع كل ما وضعت النظم الغربية من قوانين لمنع التحرش ومنع علاقات استغلال النفوذ ومع شدة فعاليتها التنفيذية لأنظمتها وقوانينها فإن ذلك كله لم يمنع المشكلة من كونها لا تزال متفاقمة بسبب كون المجتمع الغربي لا يزال مصرا على الاختلاط فهو يهيج الأسباب ويحاول عرقلة النتائج بالقوانين وهذه مناقضة لطبيعة الأمور.

بقلم: إبراهيم السكران
384