عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2088 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ثانيًا: وقوع الحروب في الغرب وشيوع التخنث، عصر الرفاه:

 

ذاك عامل من العوامل التي فكرت فيها، يحتاج مني دراسة أوسع وأضخم، ليس ها هنا محلها، كما أنه قد يشكل عليه كذلك ببعض ما يطيل الرد عليه، لكننا نذكره مختصرًا.

خلاصة هذا العامل، في رأيي: أن إيقاف الحروب وانتشار الترف والرفاه في الأمة، يُشجّع على ظهور أجيال، رجالها أكثر ابتعادا عما يشد عودهم، ويقوي نفوسهم، ونساؤهم أكثر تسلطا على الرجال، وأكثر اعتقادا بأن لا فارق حقيقي بين الجنسين؛ فالكل في الدعة سواء = وهذا يؤدي بالتالي إلى انتشار قيم التخنث في المجتمع، وكذا أفكار النسوية.
 
ولعل هذا يُفسِّر سبب الشيوع الضخم الحالي لأفكار النسوية واللوطية، والذي إذا تتبعته وجدته يكاد يتمركز في دول الرفاهية، دول الغرب التي أوقفت الحروب فيما بين بعضها البعض بعد الحرب العالمية الثانية وظهور القنبلة النووية بشكل خاص، وطوال ما يقارب القرن حاليا، وهو حدث غير مسبوق بتلك الصورة في تاريخ الإنسانية عامة؛ فحسب تلك الرؤية التي تنبّه للربط بين وقف الحروب وشيوع قيم الترف والرفاه في المجتمع، وبين شيوع قيم التخنث والتنسون = يكون تفسير الصعود غير المسبوق للوطية والنسوية، هو الوقف غير المسبوق للحروب.
 
وإذا صح ذلك العامل، يكون أثره على العالم الإسلامي، الواقع في الاحتلال الناعم، الخفي، احتلال الوكالات، فادح الضرر = فإن كان الغرب قد أوقف الحروب وأشاع قيم الرفاه المجتمعي، فقد حدث هذا بعد سيادته وحيازته كافة أسباب القوة؛ أما الشرق المسلم فهو يشيع قيم الغرب بآلة العولمة خاصة، بينما هو غارق في التبعية والضعف.
 
وقد يرد على ذلك العامل إشكالين: الأول، أن اللوطية وُجدت في مجتمع الساموراي المقاتل العسكري، وكذا في الحضارة الإغريقية العسكرية ثم الرومانية، حتى قيل بأن الإسكندر المقدوني كان يلوط، وقيل على يوليوس قيصر أنه رجل كل امرأة، وامرأة كل رجل، كما كان ديّوثًا يأخذ زوجات قياداته، ولا يغار إن فعلت زوجته المثل = ومع هذا كان من أقوى العسكريين في التاريخ كذلك قد يقال أن الغرب بنسويّته ولوطيته يزداد قوة وسيطرة، بينما الشرق المسلم يزداد ضعفا وتبعية، فلو حدث الربط يلزم من ذلك أن اللوطية والنسوية صنعا أكبر قوة عسكرية في التاريخ.
 
ومثل تلك الإشكالات تحتاج، كما أوضحت، لاستعراض وبحث طويل، لكنني لا أتركها دون رد موجز عليها، فأقول: أن الاستشهاد بالساموري وكافة النماذج التي جمعت بين اللوطية والتخنث وبين القوة العسكرية، هو استشهاد بالشاذ النادر في التاريخ الإنساني على قاعدة عامة، كما أن الإمبراطورية الرومانية ظلت حضارة عسكرية تهتم بقيم الأسرة حال صعودها وإن انحدرت في أعصرها المتأخرة مع اضمحلال أخلاقيات المجتمع كله، وقد تنبه لذلك الإمبراطور الروماني أغسطس، وحاول إعادة الحياة الاجتماعية الرومانية إلى صوابها بقوانينه الشهيرة التي بقيت حتى بداية العصر المسيحي، وفيها حرّم الزنا والفجور، وسمح للأب بقتل ابنته الزانية، بل وقتل شريكها معها، وكذلك سمح للزوج بقتل زوجته وعشيقها، وشجع على الزواج، بعدما كان مهجورا في الطبقات المترفة العليا تحديدًا، وأعطى مكافآت لمن يتزوج.
 
فالقول بأن الحضارة الرومانية كانت حضارة خنا وفجور وزنا ولوطية، غير صحيح بذاك الإطلاق؛ فهي لم تكن كذلك حال صعودها، وارتبط انتشار ذلك ببدء الاضمحلال وإن ظل لقرون، وقد انتبه أمثال أغسطس لوجوب استعادة لحظة الصعود بإنهاء مظاهر الفجور المجتمعي.
 
أما اليابان فقد شهدت صعودها الأكبر في عصر سادت فيه قيم الصلاح المجتمعي، النصف الأول من القرن العشرين، وقد ظلت قيم الأسرة والفضيلة هي السائدة دائمًا في المجتمع الياباني وإن شوشها عدم تحريم اللواط والنظر إليه باعتباره آلية لتوثيق الروابط بين بعض الرجال. وهذا كله مع ملاحظة أن الربط حقيقة هو بين آثار وقف الحرب، وشيوع قيم الفجور والزنا والنسوية واللوطية، لا بين العسكرية مطلقا، وبين اللواط والزنا.
 
وعليه يكون القول بأن القيم المجتمعية الغربية، مع انتشار اللوطية والنسوية، هي أقوى من القيم المجتمعية الإسلامية المعاصرة = زعم فارغ، ويطول الرد عليه، هذا والشرق المسلم الضعيف المنهار عسكريًا، لا يمثل إلا القليل من قيم الإسلام الكبرى.
 
كما أن القول بأن الحضارة الغربية قد صعدت إلى الريادة بالنسوية واللوطية، هو محض خرف وجهل = بل صعدت الحضارة الغربية إلى المقدمة وسحقت الجميع، في القرون الخمسة الأخيرة، ولم تسُد فيها قيم النسوية واللوطية إلا في القرن الأخير وحده، وهو في الحقيقة عصر حفاظ على السيادة بإفقار العالم وتمكين الغرب من رقابه = فلا يُقال بأن لزوم ربط اضمحلال الحروب باللوطية والنسوية، يعني صحة موقف الغرب، بل العكس هو الصحيح، إذ أن عصور ظهوره وصعوده وسيادته وتمكّنه كانت أعصر قيم الأسرة وبقايا المسيحية من كراهية اللواط وتحريمه هو والزنا، قبل أن تنتصر قيم الأديان العلمانية وتصبح الأقوى والأسود في مركبات أديان الدولة الغربية

 

ثالثًا: انتشار الإتخام من الجنس

 

وذاك عامل آخر، نوقش في الأدبيات الإسلامية من قبل، وخلاصته أن الانفتاح الجنسي يدفع للتخمة من الجنس الطبيعي، ويوجه الإنسان، بطبيعته الإنسانية الشرهة، إلى أشكال مختلفة للمتع الجنسية؛ وهنا تكون اللوطية شكل من أشكال الاستزادة وإشباع الشره.
 
وقد يعزز هذا العامل وقبوله أن اللواط ارتبط انتشاره في العصر الإسلامي بحركة الاستزادة من الرقيق بصورة كبيرة، وانتهاء المشكلة الجنسية الطبيعية من المجتمع سواء بتعدد الزوجات أو بالرقيق، وهذا كله، وإن لم يكن هو العامل الأوحد لظهور اللواط في المجتمع حينها، إلا أنه كان من الأسباب بلا شك.
 
كذلك نلحظ أن الصعود اللوطي في العصر الحديث مرتبط بعصر الثورة الجنسية، كما ذكرنا قبلًا، وقد انتشر اللواط بكثافة أكبر مع حالة الفوضى الجنسية (فوضى الحب) وإتخام الناس بالمحتوى الجنسي الطبيعي، حتى أن أثر الأفلام الجنسية، صناعة البورن، في الأشخاص الذين لا يمارسون الجنس، صار صانعا للتخمة من الصور الطبيعية للجنس كذلك، فنجد حتى الإنسان الذي لم يمارس الجنس في حياته، يتوجه لرؤية المزيد من الأشكال غير الطبيعية والشاذة من الجنس، وهو ما رأينا مشاكله وآثاره بعد الزواج، إذ لا يكتفي ولا يرضى.
 
فالتخمة من الجنس، ألعن أثرا في المجتمع، وأقوى على نشر اللوطية فيه، من الكتب، الذي قد يدفع للوطية من اتجاه آخر، اتجاه البحث الجنسي عن العزيز المفقود، أي الجنس الآخر، في الجنس المتاح للمخالطة = وكلاهما تطرف وسوء.

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
مزايا العقيدة الإسلامية | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

مزايا العقيدة الإسلامية


إن عقيدتنا الإسلامية جمعت الكثير من المزايا التي تضعها في مكانة عالية مقارنة بجميع العقائد الأخرى وفي هذا المقال يذكر لنا الشيخ محمد صالح المنجد بعض مزايا العقيدة الإسلامية مثل موافقتها لفطرة الإنسان وثباتها على مر الأزمان ووضوح أدلتها أمام الجميع تبعد المسلم عن الشك والوهم وتوحد صفوف المسلمين وغير ذلك

بقلم: محمد صالح المنجد
1950
بين الحق والباطل | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الحق والباطل


مقتطف للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يلفت فيه الأنظار إلى ما دواخل النفس الإنسانية للمسلم وكيف يتصارع الحق والباطل ولماذا تنتهي المعركة أحيانا بفوز الباطل وأحيانا أخرى بفوز الحق ويشير إلى حقيقة هذا الصراع وتجلياته في القرآن الكريم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2112
عبرة لأولي الألباب | مرابط
اقتباسات وقطوف

عبرة لأولي الألباب


تعليق ابن تيمية على ذكر الله تعالى عاقبة الذين كفروا من أهل الكتاب وعاقبة المؤمنين الذين اتبعوا النبي ثم في هذا دلالة شرعية تقوم على القياس والنظر إلى الشيء ونظيره والتسوية بينهم وهذه سنة الله كما قال لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2156
عن نتائج الثانوية العامة والجامعات | مرابط
مقالات

عن نتائج الثانوية العامة والجامعات


مفاهيم النجاح والفشل والتفوق والتعثر من أكثر المفاهيم تشوها في زماننا هذا ومن أكثرها استعمالا في تشييء الإنسان وتسليعه وتحويله من إنسان إلى آلة بنحطلها benchmark للأداء الآلاتي الجامد بتاعها وبعدين نلزق عليها label فيه سعرها مقابل هذه الأرقام أو حتى ماركتها.

بقلم: كريم حلمي
340
بين العلم والمعلومة | مرابط
ثقافة

بين العلم والمعلومة


المعرفة الحقة هي التي جمعت إلى حيازة المعلومات المتصلة بها: القدرة على العبارة عنها وكشفها والبصر بمشكلاتها والتمكن من المحاماة عنها ودرء الاعتراضات الموجهة إليها.

بقلم: مشاري الشثري
302
كيف تقرأ كتابا ج1 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج1


التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمه على عباده إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق وتعلم الوصايا وتحفظ الشهادات ويضبط حساب المعاملات الواقعة بين الناس وبه تقيد أخبار الماضين للباقين اللاحقين ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض واندرست السنن يعني: ذهبت واضمحلت وتخبطت الأحكام ولم يعرف الخلف مذاهب السلف وكان معظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم ما يعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم لما صار الناس ينسون من نعمة الله عليهم أن جعل لهم الكتاب وعاء حافظا للعلم من الضياع كا...

بقلم: محمد صالح المنجد
435