لماذا نحب الرسول الجزء الرابع

لماذا نحب الرسول الجزء الرابع | مرابط

الكاتب: محمد المنجد

612 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

غلو الصوفية


فالآن أيها الإخوة! كثيرٌ من الناس في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بين إفراط وتفريط، فمنهم من يغالون فيه عليه السلام -كما سنضرب أمثلة بعد قليل- يغالون فيه مغالاة شديدة حتى تخرجهم عن الإسلام بالكلية والعياذ بالله، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن الصحابة كانوا يحبونه جدًا، لكن هل كان يرضى أن الصحابة يفعلون أمرًا محرمًا من أجله هو عليه السلام؟ كلا، فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس قال: (ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك)، القيام للداخل من الأمور المذمومة شرعًا، كلما دخل واحد تقوم له، الصحابة كانوا يحبون الرسول جدًا، هل كانوا يرتكبون المحظور، فكل ما دخل عليهم الرسول يقومون مثلما تقوم الأعاجم الكفار لملوكهم؟ لا، فانظر يا أخي كيف اقترنت المحبة بطاعة الله، محبة الرسول داخلة ضمن طاعة الله، فإذا كان الأمر محرمًا فلا يفعل.

ولذلك أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل أشد النكير، عندما جاءه فراجعه في بعض الكلام فقال: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني مع الله عدلًا، لا، بل ما شاء الله وحده) أو: (أجعلتني لله ندًا) حتى وإن كان يحب الرسول، لا يجوز أن يقول: ما شاء الله وشئت، للرسول، هذا من الشرك الأصغر، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر الأمة أن يرفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله).

انظر إلى هذا النهي عن الإطراء، لا نرفع الرسول مع محبتنا له عليه الصلاة والسلام فوق المنزلة التي أنزله الله إياها، وعندما تأتي إلى المشركين ممن يدعون الإسلام، تجد لهم أقوالًا عجيبة، ومن أمثلتها أيها الإخوة: هذه القصيدة المعروفة بنهج البردة، الذي يقول قائلها وناظمها، يقول فيها:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به     سواك عند حدوث الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي     إذا الكريم تجلى باسم منتقم
إن لم يكن في معادي آخذًا بيدي     فضلًا وإلا فقل: يا زلة القدم

ما رأيكم بهذا الشعر؟ هذا الشعر الذي يقول فيه الشاعر: يا رسول الله! أنا عند نزول المصيبة عليّ مالي غيرك ألوذ به، ولا غيرك أستغيث به، ويوم القيامة إذا عرق الناس وصاروا في الأهوال، إذا ما أخذت بيدي يا رسول الله! فقل: يا زلة القدم.

ثم يقول:

فإن من جودك الدنيا وضرتها       ومن علومك علم اللوح والقلم

ما هي ضرة الدنيا؟ الآخرة، يقول: يا رسول الله! الدنيا والآخرة كلها من جودك بالذي فيها، ومن علومك يا رسول الله علم اللوح والقلم، فماذا بقي لعلم الله إذا كان من علم الرسول علم اللوح والقلم؟

هذه القصيدة التي تقرأ اليوم في الموالد التي يزعم أصحابها أنهم يحبون رسول الله، هذا الضلال والشرك الذي يرفضه رسول الله رفضًا شديدًا، وحذر الأمة منه تحذيرًا شديدًا، ووقع فيه بعض أفراد أمته، وتكلف بعض الناس تكلفات باردة في تأويل مقاصد صاحب القصيدة، فقالوا: ومن علومك، أي: يقصد الله عز وجل، وليس فيها إشارة واحدة إلى أنه يقصد الله، لأن السياق كله يأتي في مدح الرسول، وقس على ذلك أيضًا من التكلفات في التأويل التي لم يقصدها صاحبها أصلًا.

وهذا الرجل الآخر الذي يقول في منظومته:

يا سيدي يا رسول الله يا أملي         يا موئلي يا ملاذي يوم يلقاني
هبني بجاهك ما قدمت من زلل        جودًا ورجح بفضل منك ميزاني

يطلب من الرسول أن يرجح ميزانه، وأن يغفر له خطاياه جودًا منه، ثم يقول:

واسمع دعائي واكشف ما يساورني     من الخطوب ونفس كل أحزاني
إني دعوتك من نيابتي برع                 وأنت أسمع من يدعوه ذو شان
فامنع جنابي وأكرمني وصل نسبي     برحمة وكرامات وغفران

وصل به الحد إلى أنه يطلب من الرسول الكرامات والغفران ومنع الجناب، وهذه الأشياء التي ليست إلا لله عز وجل، ويقول أيضًا:

وحل عقدة كربي يا محمد من               همٍ على خطرات القلب مطرد
أرجوك في سكرات الموت تشهدني     كي ما يهون إذ الأنفاس في صعد

يقول: يا رسول الله! تعال أشهدني عند الموت حتى تتسهل أحوالي، وحتى تخرج روحي بسهولة

وإن نزلت ضريحًا لا أنيس به             فكن أنيس وحيد فيه منفرد
فكن يا رسول الله                             أنيسي في قبري.

وارحم مؤلفها عبد الرحيم ومن     يليه من أجله وانعشه وافتقد
وإن دعا فأجبه واحم جانبه            من حاسد شامت أو ظالم نكد

ماذا أبقى هذا الرجل لله عز وجل؟ إذا كان الرسول هو الذي يؤنس الوحشة في القبر، ويثقل الميزان، ويغفر الخطايا، ويحمي من الشرور، فإذًا فما الذي لله عز وجل؟

أيها الإخوة! نحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم، لكننا نرفض بشدة أي محاولة للغلو فيه، ورفعه فوق منزلته، بل إن من الإزراء به رفعه فوق منزلته، الرسول يقول: إنه لا يملك ضرًا ولا نفعًا، ويطلب من الناس أن يلوذوا بالله عند حلول المصائب، فمن الإزراء به عليه السلام أن تلجأ إليه أو كما يفعل الجهلة الآن من يطوف بقبره، ومن يمسح الحديد الذي على قبره، ومن يدعوه من دون الله، ومن يقيم الموالد التي تتلى فيها مثل هذه القصائد الشركية، وحتى إذا ما تليت فإن إقامتها في هذا اليوم الذي يزعمون أن إقامة المولد في هذا اليوم من القربات، إنما هو بدعة من البدع، ما فعلها أحب الناس إليه عليه الصلاة والسلام، لا فاطمة ولا علي ولا الحسن ولا الحسين ولا الصحابة ما فعلوا هذا، هل نحن نحب الرسول أكثر من الصحابة؟ إذًا فلم الابتداع في الدين؟

وهؤلاء الجهلة من غلاة الصوفية الذين يقول عنهم المناوي -وفيه شيء من التصوف- يقول في كتابه: قال العارف المرسي: والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. يقول هذا الصوفي: أنا أشاهد الرسول حيًا بجسده دائمًا، ولو حجب الرسول عني لحظة واحدة ما عددت نفسي من المسلمين، ثم يقول أيضًا: والله ما صافحت بهذه اليد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هؤلاء ربما فعلًا رأوا أحدًا وصافحوه، ولكن من يكون؟ شيطان تمثل لهم فضحك عليهم وأغواهم، وصافحهم على أنه الرسول، وهؤلاء الجهلة صدقوه، وزادوا في ضلالهم وطغيانهم، ومنهم من يزعم أنه تلقى الحكم الفلاني من الرسول، وأنه شاهد الرسول بعينه وجلس معه، وناقش معه أحوال الناس ومشاكلهم، وأنه أخذ أحاديث من الرسول ما أخذها الصحابة، وأشياء عجيبة جدًا، سببها الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

منهج أهل السنة

فنحن -أيها الإخوة- أهل السنة والجماعة في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حق بين باطلين، الباطل الأول: الغلو فيه، والباطل الثاني: الجفاء، لا نريد نحن أن تقسو قلوبنا على الرسول صلى الله عليه وسلم، ونشعر بالجفاء، لا، نريد أن نحيي قلوبنا بمحبته عليه الصلاة السلام، لكن في الطرف الآخر لا نغلو به ونرفعه فوق منزلته.
والحقيقة -أيها الإخوة- أن هنا مسألة يجب الانتباه إليها، أنه في غمرة ردودنا على أهل التصوف وأهل البدع، قد يصل بنا الحال إلى نوع من الجفاء؛ لأننا غالبًا عندما نخاطب هؤلاء الناس نقول لهم: لا تطروني، والأحاديث التي تنهى عن الغلو، و.. وإلى آخره.

لكننا ننسى أن نذكر أنفسنا بمثل هذه الأحاديث التي توضح محبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل هذا الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم) منزلة عظيمة، يقول في الحديث الصحيح أيضًا: (أشد أمتي لي حبًا قوم يكونون بعدي، يود أحدهم أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ناس هذه صفتهم: يود أحدهم لو فقد أهله وماله وأنه رآني.

فإذًا أيها الإخوة: حق بين باطلين، محبة قلبيه حارة، وفي نفس الوقت لا غلو ولا جفاء، هذه من الأمور المهمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يحبون رسول الله حق المحبة، وأن يرزقنا شفاعته، وأن يرزقنا الالتقاء به في جنة الفردوس، وأن يرزقنا الأخذ بسنته صغيرها وكبيرها، ونسأله سبحانه وتعالى أن ينعم علينا وعليكم باتباع طريقة رسول الله ظاهرًا وباطنًا.

 


 

المصدر:

سلسلة محاضرات بعنوان لماذا، الحلقة الأولى، لماذا نحب الرسول، للشيخ محمد المنجد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محبة-الرسول
اقرأ أيضا
الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط
تفريغات

الرد على بعض شبهات الصوفية


قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم وتجد أهل الحق ضعافا لا يملكون شيئا ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات لأن قوة الحق في كونه حقا بل نقذف كأن الحق قذيفة بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه الأنبياء:18

بقلم: أبو إسحق الحويني
348
إشكالية المصطلح النسوي | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي


تظهر إشكالية المصطلح النسوي فيما يتعلق برخاوة الدلالة كحال مصطلح الأدوار النمطية والمقصود به طريقة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة فهناك ضبابية شديدة في استعمالاته ويستعمل بدون ضبط لدلالاته والسبب في ذلك أنه لا يمكن ضبط دلالته بشكل دقيق

بقلم: د خالد عبد العزيز
686
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج2


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
662
الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط
الجندرية

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي


شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرا متكلفا فما الدافع ترى لهذا التزييف أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدمي مقبول أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار

بقلم: نزار محمد عثمان
2994
سلطة التليفزيون | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

سلطة التليفزيون


إن الأطفال اليوم فظون في تعاملهم مع بعضهم البعض إذا كانوا لا يعرفون معنى الرحمة إذا ما كانوا يستهزئون بالضعفاء ويحتقرون من في حاجة للمساعدة فهل هذا يعود إلى ما يشاهدونه في التليفزيون في الحقيقة يحتل الفقراء والمساكين الشاشة الصغيرة بشكل نادر وعندما يظهرون على الشاشة فهم يقدمون في الغالب الأعم بشكل مثير للسخرية ففي التليفزيون مفتاح السعادة هو الثروة إذ نقدر الأغنياء الذين يعيشون في بيوت فخمة ويتنزهون في السيارات الليموزين اللامعة

بقلم: جون كوندري
385
الدعاء والشكر | مرابط
تعزيز اليقين

الدعاء والشكر


من متع الحياة الدنيا: أن تكون عبدا مكروبا بكرب دنيوي أو محتاجا لشيء من لعاعة الدنيا فتلح بالدعاء والطلب من الله. ربنا العظيم الكبير الجليل المالك ذي الجلال والجبروت والملكوت.. فتدعوه مع التذلل له ويرزقك الخضوع والانصياع التام والفقر التام ولو بعد حين من الدعاء.

بقلم: خالد بهاء الدين
346