لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب

لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب | مرابط

الكاتب: ابن حجر الهيتمي

2981 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

السؤال

وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: أنكر بعضهم الدعاء... محتجا بحديث (فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد) فهل هو كذلك؟

 

فأجاب بقوله:

ليس الأمر كما زعم هذا المنكر، ويلزمه إبطال الدعاء من أصله، لأن كل ما سيقع لك قد فرغ منه، وبذلك قال بعض المبتدعة، فأبطلوا الدعاء من أصله، وقالوا لا فائدة له؛ لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي، فالدعاء بوصوله عبث، وإلا فهو عبث أيضا.

وردَّ عليهم أهل السنة بأن المطلوب من الدعاء التذلل والخضوع؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) وفي بعض الآثار أن الله قال لموسى عليه الصلاة والسلام: (يا موسى اسألني كل شيء حتى ملح عجينك).

على أن له فائدة، وهي أن تلك المقدرات على قسمين:
منها ما أُبرم، وهو المعبر عنه بما في أم الكتاب الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا.
ومنها ما عُلق على فعل شيء، وهو المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل، وأصل ذلك قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الرعد: 39]. فمن ذلك حديث أن زيارة الرحم تزيد في العمر...

وكذلك الدعاء: قد يكون المدعو به معلقا على الدعاء، فكان للدعاء فائدة أي فائدة.
على أن الدعاء لا يخيب أبدا؛ لأنه إن كان بما علق على الدعاء، فواضح وجود الفائدة فيه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء).

وإن كان بما لم يعلق على ذلك، ففائدته الثواب؛ لأن الدعاء من العبادة.

وأيضا: فيبدل الله الداعي بدل ما دعا به، مما لم يقدر له، بما هو مثل ذلك، أو أفضل منه، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه، ومن ثم أطلق سبحانه وتعالى الاستجابة للدعاء ولم يقيدها بشيء، فقال عز وجل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60]، وقال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) [البقرة: 186]

والفعل وإن كان في حيز الإثبات فلا عموم له، لكنه في مقام الامتنان للعموم، كما قالوا به في النكرة في سياق الامتنان، إذ الفعل والنكرة المثبتة من واد واحد، عموما وعدمه، فتأمل ذلك كله، فإنه ظهر لي بحمد الله ولا مزيد على حسنه وتحقيقه.

ثم رأيت بعضهم أشار لبعض ذلك فقال: لا ينكر الدعاء إلا كافر مكذب بالقرآن؛ لأن الله تعالى تعبد عباده به في غير ما آية، ووعدهم بالاستجابة على ما سبق في علمه من أحد ثلاثة أشياء على ما ورد في الحديث: استجابة، أو ادخار، أو تكفير عنه.

 


 

المصدر:

ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص92

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الدعاء #الجبر
اقرأ أيضا
مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات | مرابط
مقالات

مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات


نحن نعيش في زمن ربما لم يمر على البشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى يومنا هذا زمن مثله من ناحية طبيعة انتشار الشهوات وبواعثها والتفنن في الدعوة إليها بشتى صور الدعاية والإعلامن حتى صارت الإباحيات صنعة متكاملة لها أهلها ومنتجوها وممثلوها وشركاتها ومصانعها ومخرجوها ومروجوها وأصبحت تجارة ضخمة تدخل أموالا طائلة على عرابيها.

بقلم: أحمد يوسف السيد
458
البيئة الحاضنة للانحراف | مرابط
فكر

البيئة الحاضنة للانحراف


هل يظن أحد أنه في مأمن عن الانحراف بعد أن يقرأ هذا الخبر؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء ب يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ولما سئل عن سبب ذلك قال: إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ

بقلم: فهد بن صالح العجلان
297
هل منع النبي عليا من التعدد؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل منع النبي عليا من التعدد؟


النبي ﷺ لم يمنع عليا من التعدد إنما منعه من أن يعدد من امرأة معينة وفرق بين الأمرين. لذا قال النبي ﷺ: لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد فهو منع من اجتماع ابنته بابنة عدوه لا منع علي من التعدد. وبين أن اجتماعها مع ابنته سيكون فتنة لها في دينها فقد قال ﷺ: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

بقلم: قاسم اكحيلات
258
ربط النفوس بالله | مرابط
تعزيز اليقين

ربط النفوس بالله


من أعجب مواضع القرآن في ربط النفوس بالله وعمارتها بربها ولا أظن أن ثمة دلالة أكثر من ذلك على هذا الأمر: صلاة الخوف حال الحرب هذه الشعيرة تسكب عندها عبرات المتدبرين

بقلم: إبراهيم السكران
255
ذكر ما يصدأ به القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

ذكر ما يصدأ به القلب


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله عز وجل في كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال حذيفة إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الربداء

بقلم: ابن الجوزي
648
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
473