لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب

لماذا ندعو الله إذا كان كل شيء مقدر ومكتوب | مرابط

الكاتب: ابن حجر الهيتمي

3207 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

السؤال

وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: أنكر بعضهم الدعاء... محتجا بحديث (فرغ ربك من ثلاث رزقك وأجلك وشقي أم سعيد) فهل هو كذلك؟

 

فأجاب بقوله:

ليس الأمر كما زعم هذا المنكر، ويلزمه إبطال الدعاء من أصله، لأن كل ما سيقع لك قد فرغ منه، وبذلك قال بعض المبتدعة، فأبطلوا الدعاء من أصله، وقالوا لا فائدة له؛ لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي، فالدعاء بوصوله عبث، وإلا فهو عبث أيضا.

وردَّ عليهم أهل السنة بأن المطلوب من الدعاء التذلل والخضوع؛ ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) وفي بعض الآثار أن الله قال لموسى عليه الصلاة والسلام: (يا موسى اسألني كل شيء حتى ملح عجينك).

على أن له فائدة، وهي أن تلك المقدرات على قسمين:
منها ما أُبرم، وهو المعبر عنه بما في أم الكتاب الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا.
ومنها ما عُلق على فعل شيء، وهو المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل، وأصل ذلك قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الرعد: 39]. فمن ذلك حديث أن زيارة الرحم تزيد في العمر...

وكذلك الدعاء: قد يكون المدعو به معلقا على الدعاء، فكان للدعاء فائدة أي فائدة.
على أن الدعاء لا يخيب أبدا؛ لأنه إن كان بما علق على الدعاء، فواضح وجود الفائدة فيه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء).

وإن كان بما لم يعلق على ذلك، ففائدته الثواب؛ لأن الدعاء من العبادة.

وأيضا: فيبدل الله الداعي بدل ما دعا به، مما لم يقدر له، بما هو مثل ذلك، أو أفضل منه، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه، ومن ثم أطلق سبحانه وتعالى الاستجابة للدعاء ولم يقيدها بشيء، فقال عز وجل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60]، وقال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) [البقرة: 186]

والفعل وإن كان في حيز الإثبات فلا عموم له، لكنه في مقام الامتنان للعموم، كما قالوا به في النكرة في سياق الامتنان، إذ الفعل والنكرة المثبتة من واد واحد، عموما وعدمه، فتأمل ذلك كله، فإنه ظهر لي بحمد الله ولا مزيد على حسنه وتحقيقه.

ثم رأيت بعضهم أشار لبعض ذلك فقال: لا ينكر الدعاء إلا كافر مكذب بالقرآن؛ لأن الله تعالى تعبد عباده به في غير ما آية، ووعدهم بالاستجابة على ما سبق في علمه من أحد ثلاثة أشياء على ما ورد في الحديث: استجابة، أو ادخار، أو تكفير عنه.

 


 

المصدر:

ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص92

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الدعاء #الجبر
اقرأ أيضا
الحركة العلمية في عهد عمر بن عبدالعزيز والدولة الأموية | مرابط
تاريخ

الحركة العلمية في عهد عمر بن عبدالعزيز والدولة الأموية


نشطت المدارس العلمية في مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام ومصر وغيرها وأشرف الصحابة الكرام على تعليم وتربية الناس فيها واستطاعت تلك المدارس أن تخرج كوادر علمية وفقهية ودعوية متميزة كما أثرت المدارس العلمية والفقهية في المناطق المفتوحة وشكلت جيلا من التابعين نقلوا إلى الأمة علم الصحابة وأصبحوا من ضمن سلسلة السند التي نقلت للأمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويرجع الفضل في نقل ما تلقاه الصحابة من علم من الرسول بالدرجة الأولى -بعد الله- إلى مؤسسي المدارس العلمية بمكة والمدينة والبص...

بقلم: د علي الصلابي
1292
أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط
مقالات

أهمية العلم ولزوم الدليل


ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي. أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين. وآراء المنحرفين وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم.

بقلم: ابن القيم
452
خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

خواطر حول قصة نجاة موسى عليه السلام


كان يقين موسى بوعد الله وكرمه كفيل بنجاة قومه. فأنجى الله جماعة من الناس بسبب يقين شخص واحد. فكذلك الأمر في حالتك فقد تكون حالة واحدة منك فيها يقين بوعد الله وكرمه يصلح الله بها كل حياتك وينجيك من كل همومك.

بقلم: د. سلطان العميري
409
التفريق بين الأطفال في المضاجع | مرابط
مقالات

التفريق بين الأطفال في المضاجع


قال النبي ﷺ:مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع 1 فقوله: وفرقوا بينهم في المضاجع أي: في المراقد وذلك لأنهم إذا بلغوا إلى عشر سنين يقربون من أدنى حد البلوغ وينتشر عليهم آلاتهم فيخاف عليهم من الفساد 2

بقلم: قاسم اكحيلات
911
حاضر العالم الإسلامي | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حاضر العالم الإسلامي


رغم التطورات التكنولوجية الجديدة في عالمنا المعاصر إلا أن الأمة الإسلامية تزداد بعدا وتفرقا وتشتتا ويزداد المسلمون شقاقا وخلافا فيما بينهم وقلما تجد مسلما يعرف شيئا كبيرا من أخبار إخوانه وجيرانه المسلمين وهذا بجانب ما ضربته وفرضته الحدود من شقاق فوق الشقاق القائم فصار المسلمون متشرذمون متباعدون لا يجمعهم الدين كما كان سابقا وفي المقال يتحدث العلامة محمود شاكر عن هذا الأمر من وحي كتاب حاضر العالم الإسلامي

بقلم: محمود شاكر
2466
بين الحق والباطل | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين الحق والباطل


مقتطف للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يلفت فيه الأنظار إلى ما دواخل النفس الإنسانية للمسلم وكيف يتصارع الحق والباطل ولماذا تنتهي المعركة أحيانا بفوز الباطل وأحيانا أخرى بفوز الحق ويشير إلى حقيقة هذا الصراع وتجلياته في القرآن الكريم

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2207