مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة

مراعاة الشريعة لمصلحة الأغنياء في الزكاة | مرابط

الكاتب: أحمد عبد السلام

313 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

الحمد لله؛
من محاسن تشريع الزكاة؛ رعاية نفوس الأغنياء، وعدم إضرارهم في أموالهم. فعلى عكس ما قد يظنه البعض، أن أحكام الزكاة تراعي حق الفقراء فقط، فإن الشريعة توازن بين حقوق المستحقين، وحقوق أصحاب المال.

  • فلا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المال نصابا مقدرا، لأن المال القليل لا يصلح لمواساة الغير منه، فلم تلزم الشريعة صاحبه بذلك.
  • ولا تجب إلا إذا حال الحول على المال دون أن ينقص عن النصاب، لتكون تلك علامة على أن هذا المال فائض عن الحاجات الاصلية، فيصلح أن يقتطع منه لغيره.
  • ولا يجب إلا في مال نامي، أي معدا للاستنماء، أو يكون هو نماء في ذاته، فلم تفرض الشريعة الزكاة في شيء تقتنيه للاستهلاك والانتفاع به، لأن ذلك يؤدي لتآكله.
  • ثم تراعي طريقة تنمية المال، فيتناسب القدر الواجب عكسيا مع التكاليف الأصلية، كما في زكاة الزروع فيكون الواجب هو العشر فيما سُقي بالمطر أو العيون ونحوها، ويكون نصف العشر إذا سقي بالنضح ونحوه مما فيه كلفة.
  • ثم تراعي التخفيف في (خرص المحصول) أي تقديره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع".
    وقال عمر: "خففوا عن الناس في الخرص، فإن في المال العارية، والواطئة، والآكلة".
    أي أن هذه الثمار يخرج منها قدر يأكله أهل السبيل، والمارة، والضيوف، وأرباب الثمر، وجيرانهم .. إلخ.
    فأمر بأن يراعى كل ذلك عند تقدير كمية المحصول.
  • وتنهى عن أخذ أجود المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "ﺇﻳﺎﻙ ﻭﻛﺮاﺋﻢ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"، ﻭﻗﺎﻝ "إﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻟﻜﻢ ﺧﻴﺮﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺸﺮﻩ".
    فلا ﻳﺆﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﻔﺮﺽ اﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﻣﻌﻬﺎ ﻭﻟﺪﻫﺎ، ﻭﻻ اﻟﺤﺎﻣﻞ ولا اﻟﺴﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪﺕ للأكل، ﻭﻻ ﻓﺤﻞ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻋﺪ ﻟﻠﻀﺮاﺏ، ﻭﻻ خيار المال، كل ذلك رفقا بصاحبه.
  • ومع ذلك كله فالقدر الواجب قدر صغير لا يؤثر على المال، ولا يعضل صاحبه، كما قال تعالى:《يسألونك ماذا ينفقون قل العفو》
    فهذا وكل ما مر ذكره، يؤكد أن الشريعة الربانية الحكيمة لا يمكن أن تلزمك بمواساة الفقراء على نحو يؤول بك إلى أن تكون فقيرا محتاجا.
  • ثم جعلت الشريعة وضع الزكاة في أقارب المتصدق وأرحامه المستحقين أولى، إذا كانوا ممن لا تجب نفقتهم، فإن المرء لا تطيب نفسه بأن يؤخذ ماله للغريب، وفي أقاربه من يحتاجه.
  • ثم بعد ذلك كله يبشر الله المتصدق بالأجر العظيم في الآخرة، والعوض والبركة في الدنيا، حتى تطيب نفسه بها، ويدفع عن نفسه وساوس الشح والبخل.

بل حتى في تسمية الشرع للصدقة الواجبة (زكاة) حكمة ولطف، فإن الزكاة كلمة تدل على معاني: النماء، والزيادة، والبركة، والتطهير، وكل ذلك يبشر المتصدق بأن الزكاة صيانة لماله وتطهير له، لا تنقيص منه، بل هي قرض لله يرده الله إليه أحسن مما دُفع كما قال تعالى:《ﻣﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻘﺮﺽ اﻟﻠﻪ ﻗﺮﺿﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﻓﻴﻀﺎﻋﻔﻪ ﻟﻪ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﻘﺒﺾ ﻭﻳﺒﺴﻂ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗﺮﺟﻌﻮﻥ》

فقارن أيها العاقل بين هذه المحاسن في شريعة الزكاة في دين الإسلام، وبين من شرائع أخرى تفرض العشور في كل شيئ، وعلى الغني والفقير، وتأخذ البكور من أموالهم، فيجب أن يدفعوا أول محصول، وأول راتب، وأول ريح تجارة، وأول نتاج حيوان ..إلخ.

وكذلك قارن هذه الشريعة الربانية بالضرائب والمكوس التي تفرضها الشرائع الوضعية، فتثقل بها كواهل الخلق، وتقتطع منهم أقواتهم الذين هم في أمس الحاجة إليها.

فالحمد لله على نعمة دين الإسلام، وصدق ربنا جل في علاه:
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
عقيدة شاملة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

عقيدة شاملة الجزء الأول


تمتاز العقيدة الإسلامية بالشمول لكافة مناحي الحياة وكافة جوانب الإنسان وقد يقال أن إثبات هذه الشمولية يحتاج إلى بحث وتدقيق وتمحيص ولكننا نقول أن مجرد النظر إلى جنبات هذه العقيدة والشريعة يكفي للعيان وفي هذا المقال بجزئيه يكشف لنا الكاتب عباس محمود العقاد عن شمولية هذه العقيدة الساطعة

بقلم: عباس محمود العقاد
1973
مطالعة في كتاب إسلام السوق لباتريك هايني | مرابط
فكر مناقشات

مطالعة في كتاب إسلام السوق لباتريك هايني


في عام 2005م نشر الباحث السويسري باتريك هايني رصدا لنمط جديد من التدين -بحسب رؤية الباحث- وذكر أن البحوث الغربية الحديثة لم تسلط الضوء عليه هذا النمط الجديد من التدين ذكر الباحث أن له منظومة عناصر وهي: مركزية الفردانية وبحث المتدين الجديد عن مشروعات شخصية وتمجيد التجارة والاستثمار والبزنس والاستغراق في أدبيات الفكر الإداري الأمريكي كالتنمية البشرية وتحقيق الذات وعلم النجاح والاستمتاع بالحياة ونحوها وغلبة النزعة الاستهلاكية والرفاه والاهتمام بالماركات في الزي ونحوه ومن ذلك تفريغ الحجاب من مض

بقلم: إبراهيم السكران
2027
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الثاني | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الثاني


القدر مما تعبدنا الله به استسلاما له فلابد أن نعرف حكم القضاء والقدر وأن الإيمان بالقضاء والقدر واجب لنتعبد الله بالاستسلام لهذا القضاء والقدر وفي هذا المقال بجزئيه استعراض ماتع من الشيخ محمد صالح المنجد لفوائد وثمرات الإيمان بالقدر مثل حسن الظن بالله والتسليم لحكمه سبحانه

بقلم: محمد صالح المنجد
1207
نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1


أثار عدنان إبراهيم في إحدى حلقاته الكثير من الشبهات حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة وزعم أنه قتل طفلين ثم جنت أمهما من هول المنظر ثم ادعى بأنه باع نساء المسلمين سبايا في أسواق النخاسة فكانت المسلمة العفيفة تكشف عن ساقها ليرى ليستطيع الناظرون تثمينها وكل ذلك لأنهن كن في معسكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فما حقيقة هذه الشبهات هذا ما يناقشه المقال

بقلم: أبو عمر الباحث
1725
مسارات دراسة الدين من منظور جندري | مرابط
النسوية الجندرية

مسارات دراسة الدين من منظور جندري


وفي الغالب ما تعنيه النسويات بالأديان لا يتضمن بالضرورة فكرة النبوة والاعتقاد الحقيقي بوجود إله خالق للكون ولكنه بشكل أكبر يحيل إلى الجانب الروحاني من الوجود البشري المتضمن داخل تجارب الأفراد وبذلك يكون الحديث عن إعادة بناء الأديان أو تأسيس أديان خاصة متعارضا بشكل كامل مع المعنى المعروف للأديان والنبوة

بقلم: الحارث عبد الله بابكر
624
مقصود طلب العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود طلب العلم


كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرئ ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم: إن طلبه لله عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبد ويمجد الله ويوحد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
395